واشنطن- ارتفعت حرارة النقاش السياسي بين الدوائر الأميركية حول الأحداث في السودان، وإذا ما كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد أخفقت في توقع اندلاع قتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوم 15 أبريل/نيسان الماضي.
ورغم نجاح الجهود الأميركية السعودية في دفع الطرفين لتوقيع “إعلان جدة” للالتزام بحماية المدنيين في السودان، وتوفير الظروف المواتية لإيصال المساعدات الإنسانية لجموع الشعب السوداني، فإن رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب مينينديز انتقد وزارة الخارجية الأميركية، وقال إنها أخفقت في المساعدة على الانتقال السلمي الديمقراطي في السودان.
في حين تضمن بيان وزارة الخارجية بشأن “إعلان جدة” إشارة إلى تركيز “المحادثات في جدة، بعد توقيع الإعلان، على التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق نار فعال لمدة تصل إلى 10 أيام لتيسير هذه الأنشطة، وستشتمل التدابير الأمنية على آلية مراقبة سعودية أميركية لوقف إطلاق النار بدعم دولي”، ولم توضح إدارة بايدن المقصود “بآلية مراقبة سعودية أميركية لوقف إطلاق النار”.
انخفاض سقف الآمال الأميركية
في الأثناء، أدلت وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بشهادتها أمام لجنة مجلس الشيوخ حول الدور الأميركي في السودان، الذي توّج باتفاق “إعلان جدة” للالتزام بحماية المدنيين في السودان.
وأصرت نولاند على أن الإدارة فرضت “عقوبات قاسية على السودان” ردا على انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، وأنها “كانت مثيرة للجدل داخليا، بالنظر إلى مدى قوتها”. وقالت إن هناك “جهدا كبيرا” بذله وزير الخارجية ومساعدوه لمحاولة دمج الفصيلين المتحاربين.
وأضافت أنه من الآن فصاعدا “سيتعين علينا أن تكون لدينا عملية أوسع، ويجب أن تشمل مزيدا من الأصوات السودانية”، لكنها حذرت من أن الفوضى المستمرة تجعل من الصعب التماس مشاركة المدنيين السودانيين.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون السودانية بجامعة تافتس أليكس دو فال إن “إعلان جدة” ليس اتفاقا، إنه فقط تأكيد على المسؤوليات المشتركة بموجب القانون الدولي الإنساني، وهي مسؤوليات تقع على عاتقهم بغض النظر عما إذا كانوا قد وقعوا على أي إعلان مثل هذا، حسب قوله.
وأشار دو فال -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن كثيرا من الضغط من الولايات المتحدة والسعودية أدى إلى هذه الخطوة المتواضعة للغاية، “وهذا لا يشير إلى أنهم سيكونون قادرين على تحقيق المزيد”.
من جهته، يرى خبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) كاميرون هدسون أن “ما جرى الاتفاق عليه ليست صفقة على الإطلاق، بل تكتيك للمساعدة في بناء الزخم نحو محادثات أكثر صدقا يمكن أن تؤثر بالفعل في الوضع على الأرض”.
وأضاف “لكن حقيقة أن الأمر استغرق أسبوعا كاملا من المفاوضات لحمل الجانبين على الاتفاق على مبادئ مقبولة -ليست لديهما النية أو القدرة على تنفيذها فعليا- تبيّن مدى تباعد الطرفين ومدى يأس الحالة”.
إخفاق أميركي بالسودان
في السياق، يضغط كبار المشرعين في مجلس الشيوخ على مسؤولي وزارة الخارجية لاتخاذ إجراءات أقوى ردا على استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وطالب المشرعون باستخدام كل الأدوات المتاحة، بما في ذلك فرض عقوبات على الجهات الرئيسية المشاركة في الصراع. في الوقت ذاته، دانوا ما رأوه فشلا أميركا في التعامل مع الملف السوداني، سواء في عدم توقع وقوع القتال، أو عدم اتخاذ قرارات حاسمة بفرض عقوبات على الطرفين.
بدوره، يرى ديفيد شين مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن أن البعض في واشنطن توقعوا احتمال انهيار “التفاهم” بين الطرفين المتقاتلين.
وأشار شين -في حديث للجزيرة نت- إلى “أنه كان هناك ميل إلى عدم فقدان الأمل في إمكانية تجنب الصراع واتخاذ خطوات نحو تحقيق ذلك الهدف حتى عندما تكون الاحتمالات ضعيفة. وفي حين أن واشنطن تعلق آمالا كبيرة على اتفاق محتمل بين الطرفين المتحاربين، فإن اللوم في هذا الصراع يقع بوضوح على عاتق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع”.
من جهته، قال السيناتور مينينديز إنه لا يلقي باللوم الكامل على إدارة بايدن في الوضع المتدهور بالسودان منذ فترة طويلة، لكن الولايات المتحدة “لم ترق إلى مستوى التحدي” وذلك بإخفاقها في الإدانة وفرض عقوبات على مرتكبي الانقلاب على الفور، وقال إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تقييم إجراءاتها لتحديد كيف تعاملت مع اندلاع العنف الأخير.
في حين قال السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس الأقلية الجمهورية باللجنة، إن “الكارثة الإنسانية والأمنية التي تحدث في السودان كانت متوقعة تماما”، وإن الإدارة لم تعط الوضع الاهتمام الذي يستحقه، و”لا يبدو أنها تستمع” إلى المدنيين السودانيين.
مبعوث أميركي
ودفع السيناتور ريش من أجل تعيين مبعوث خاص رفيع المستوى لمتابعة الوضع في السودان، وهي فكرة أيدها السيناتور مينينديز. وقالت نولاند إن السفير الأميركي لدى الخرطوم جون غودفري -الذي تم إجلاؤه من السودان- سيلعب دورا مماثلا بالمساعدة في التوسط في المحادثات.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار الخبير هدسون إلى “أن المسؤولية عن أي أخطاء أميركية يجب أن تقع أولا -وقبل كل شيء- على عاتق وزارة الخارجية. من الواضح أنهم أساؤوا تقدير مدى قربهم من التوصل إلى اتفاق في المقام الأول، وهذا يدل على سوء فهم أساسي لما كانوا يتعاملون معه”.