الجزائر- في 24 مارس/آذار الماضي قالت السلطات الجزائرية إنها أحبطت محاولة إدخال أكبر شحنة من الحبوب المهلوسة، وكانت الشحنة قادمة من بلد مجاور عبر منطقة تمنراست جنوبي البلاد وتضم 1.6 مليون قرص مهلوس.
وكانت الكمية المحجوزة بمثابة جرس إنذار للخطر الداهم الذي بات يتربص بالجزائر، مما جعل السلطات تعلن رسميا بداية الشهر الجاري أنها تخوض حربا على المخدرات والمهلوسات التي تفشت بشكل يدعو للقلق في أوساط الشباب، بل وصل إلى المدارس والفضاءات التربوية.
وسجلت الجزائر حصيلة ثقيلة في مجال الاتجار بالمخدرات والحبوب المهلوسة عام 2022. فوفقا للديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها، ارتفع تعاطي الكوكايين في البلاد بنسبة 200% عام 2022، وزاد استهلاك المهلوسات الأخرى عن نسبة 100%.
وقد ألقت قوات الأمن القبض على 1600 تاجر مخدرات، مع ضبط أكثر من 10 ملايين قرص مهلوس، بالإضافة إلى أطنان من “الكيف المعالج” وعشرات الكيلوغرامات من الكوكايين.
وبحسب دراسة ميدانية، أجراها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان، فإن هناك أكثر من 3 ملايين جزائري 3% منهم نساء، يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بما في ذلك الأدوية ذات التأثير العقلي.
ووفق أرقام رسمية، كشف عنها رئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب عبد الكريم عبيدات، فإن عدد المدمنين على المهلوسات بمراكز العلاج تجاوز 700 ألف، لكن العدد الحقيقي قد يصل مليون شخص، والفئة الأكثر استخداما لهذه السموم تتراوح أعمارها بين 20 و30 سنة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح عبيدات أن الآفة تنتشر بسرعة بين أوساط الشباب.
الصاروخ الأكثر انتشارا
تشير العديد من المصادر إلى أن ظاهرة تعاطي الحبوب المهلوسة في المجتمع الجزائري بدأت عام 2014، مع انتشار ظاهرة المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الذين ينشطون في تجارة المخدرات والأوراق النقدية المزيفة.
وتنتشر العديد من أنواع الحبوب المهلوسة في أوساط الشباب، وهي في الأصل عبارات عن عقاقير مسكنة مثل “ترامادول” و “ليريكا” و”سيبتيكس” و”بريغابالين” وهي تحمل في الغالب مسميات غير تلك التي تعرف بها طبيا مثل “الصاروخ” و “التاكسي” و “الزرقاء” و “الحمراء”.
ولفت رئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب إلى أن حبوب “بريغابالين” المعروفة بـ “الصاروخ” الأكثر انتشارا بين مدمني المهلوسات، وتمثل نسبة تصل إلى 80% مقارنة بأنواع المؤثرات العقلية الأخرى.
وكشف عبيدات أن تعاطي الحبوب المهلوسة يأتي في المرتبة الأولى، يليها الكيف المعالج و”تشوشنا” بينما يقتصر تعاطي المخدرات الصلبة كالهيروين والكوكايين على فئة قليلة وأغلبهم أبناء الأثرياء.
مؤامرة
في هذا السياق، حذر وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات الجزائري عبد الحق سايحي من أن بلاده تواجه “قوى شر تحاول نخر الشباب الجزائري عن طريق الترويج للمخدرات”.
بدوره، يقول أستاذ علم الاجتماع الساسي نوري دريس للجزيرة نت إن المخدرات والمهلوسات مؤامرة في حد ذاتها وباتت تستخدم سلاحا بين الدول والعصابات، باعتبارها من أهم مصادر تحقيق الأرباح ووسيلة لإخضاع الدول وإرهاقها أمنيا وجعل شبابها متربطين بالمخدرات.
أما الخبير الأمني أحمد ميزاب فقال للجزيرة نت “نحن بصدد مخطط يستهدف الجزائر” مستدلا في ذلك بمؤشرات ثلاثة أولها المنحى التصاعدي، أما المؤشر الثاني فهو أصول المهربين الذين ينحدرون من جنسيات مختلفة مما يدلل على أنها “حرب ممنهجة بأهداف واضحة وهي ضرب أمن واستقرار الجزائر”.
وفي حين يمثل اتساع دائرة تعاطي الأقراص المهلوسة لتشمل إلى جانب الشباب كلا من أطفال المدارس والإناث، وبالتالي فإن الأمر بات يتعلق وفقا لميزاب “بحرب تستهدف البنيان والمقومات الاجتماعية للجزائر”.
وكانت شرطة وهران (450 كيلومترا غرب الجزائر) تمكنت نهاية أبريل/نيسان الماضي من الإطاحة بشبكة إجرامية تقوم بصناعة المخدرات الصلبة والأقراص المهلوسة في ورشة سرية، ضمن شبكة إجرامية دولية، الجزء الأكبر منها كان موجها لطلاب المدارس.
وحذرت مصالح الأمن الوطني من ترويج مخدرات ومهلوسات على شكل حلويات من مختلف الأشكال والألوان موجهة للأطفال.
إستراتجية وإجراءات
واعتبر رئيس المنظمة الوطنية لرعاية الشباب أن أخطر ما في الأمر أن مصدر هذه المهلوسات لا يزال مجهولا بسبب تعدد الحدود البرية مع الدول المجاورة، مما يجعل الرقابة صعبة، خصوصا على مستوى الحدود الجنوبية الطويلة، لافتا إلى أن الكثير من المخدرات العابرة تستهلك محليا.
بدوره يرى الخبير الأمني ميزاب أن المعادلة الأمنية وحدها لا تكفي، وبحاجة إلى مقاربة متكاملة تشاركية لمحاربة هذا الخطر عبر تفعيل الأسس التي تصنع الوعي وتؤسس لنظام الوقاية والمناعة ضد هذه السموم بالمدرسة والبيت والمؤسسة الدينية، لصناعة وعي مجتمعي فضلا عن دور الإعلام.
وتقول السلطات إنها لجأت إلى أسلحة جديدة تختلف عن تلك التي كانت تستخدمها في توعية المجتمع، مستعينة بوسائل الإعلام بالحديث عن أضرار الإدمان ومخاطره على الفرد والمجتمع.
ويعتقد عبيدات أن “محاربة (هذه) الظاهرة تتطلب توفير المزيد من مراكز علاج الإدمان، وتوعية الأسر ومراقبة المدارس” لافتا الى أهمية مركز معالجة الإدمان في “بوشاوي” بالعاصمة الذي حقق نتائج ملموسة تشجع على تعميم التجربة.
وتقدمت الجزائر خطوات نحو اعتماد إستراتيجية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية. وتشهد البلاد هذه الأيام حملة وطنية واسعة للتحذير من خطر تناول المخدرات والمهلوسات على المجتمع، شملت المؤسسات التربوية والمساجد ودور الثقافة، وتنظيم أيام مفتوحة عبر الإذاعة الوطنية.
وبهدف تحصين الشباب والمجتمع من هذه الآفة، صادق البرلمان على مشروع قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية ومنع استعمالهما والاتجار غير المشروع بهما.
وحمل القانون مراجعة عميقة للإستراتيجية المنتهجة لمحاربة المخدرات والاستعمال غير المشروع للمؤثرات العقلية، من خلال توفير حماية للصيادلة من الاعتداءات التي تطالهم من جانب مدمني هذه المواد السامة، وفرض عقوبات مشددة على المتورطين في عملية الترويج للمخدرات والمؤثرات العقلية تصل إلى السجن 30 سنة.