واشنطن- دفعت حادثة هجوم طائرتين مسيرتين على مبنى الكرملين بقلب العاصمة موسكو إلى طرح سؤال يتعلق بالتخلص من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ إذا كان يعدّ هدفا أميركيا أم إن الحادثة مختلقة لتحقيق أهداف من ورائها؟
واشنطن أعلنت على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أنها تحاول التحقق من صحة اتهام موسكو بأن أوكرانيا حاولت دون جدوى قتل بوتين. وردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستنتقد أوكرانيا إذا قررت بمفردها ضرب روسيا ردا على هجمات موسكو، قال بلينكن إن هذه قرارات يجب أن تتخذها أوكرانيا بشأن كيفية الدفاع عن نفسها.
وأوضح بلينكن، خلال مشاركته في منتدى بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post)، أنه ينظر بعين الريبة إلى كل ما يصدر عن الكرملين، مضيفا “لقد رأيت التقارير عن هجوم المسيرات على الكرملين، لكن لا يمكنني التحقق من صحتها بأي شكل من الأشكال، نحن ببساطة لا نعرف”.
اصطناع الهجمات
يرى جوناثان أكوف خبير شؤون الاستخبارات والأمن القومي بجامعة “كارولينا” أن ما أُعلن حتى الآن عن هذا الموضوع لم يُتحقق منه.
وأضاف أكوف “عندما عرضوا فيديو الهجمات على الكرملين أول مرة، بذلت شبكة بي بي سي (BBC) جهودا مضنية للتحقق من مصداقة الفيديو، إلا أنها لم تتمكن من التحقق من أي من الادعاءات التي قدمتها وسائل الإعلام الروسية، والتي كلها تخضع الآن لسيطرة نظام الرئيس بوتين”.
وأوضح أكوف أن لدى الروس 4 حوافز لشن هذا الهجوم:
- الحادث جعل الأمر يبدو كأن الأوكرانيين يهاجمون روسيا، وذلك يخلق رواية تبرر انتهاك الروس المستمر للقانون الدولي بهجماتهم العشوائية على البنية التحتية الأوكرانية والمدنيين.
- إذا صدق جزء من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذا فإنه يقلل من تضامن دعم الحلف للأوكرانيين.
- إذا اعتقدت إدارة بايدن أن الأوكرانيين هاجموا الكرملين فقد تُصلب موقف بعض أعضاء الإدارة بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ هجوم بري بعيدة المدى، كان الأوكرانيون يطلبونها بشدة منذ بدء الحرب.
- توقيت الهجوم يتزامن مع الاحتفال بعيد النصر في روسيا يوم 9 مايو/أيار، وذلك يجعل دعم الهجوم على أنه عملية مخادعة روسية أكثر احتمالا، لأنه يهيئ بوتين لمواصلة السرد القائل إن روسيا تدافع عن مصالحها.
واعتبر أكوف مقطع الفيديو القصير الذي رآه لا يقدم أي إشارة على أن هذه كانت محاولة اغتيال لبوتين أو حتى هجوما على الكرملين، موضحا أن استخدام الطائرات من دون طيار لقتل بوتين أمر صعب للغاية، قائلا “لن يكون ذلك ممكنا إلا إذا كانت لدى المهاجم معلومات دقيقة بشأن موقعه المحدد، فالكرملين مكان شاسع، إنه مجمع هائل من المباني، كثير منها مقاوم تماما للذخائر والقنابل”.
وأشار إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يأمل بها الأوكرانيون في تحقيق شيء من هذا القبيل هي إذا كان لديهم تبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي مع الولايات المتحدة، وهو ما لم يحدث، فواشنطن اختارت عدم مشاركة معلومات مواقع كبار القادة العسكريين الروس مع الأوكرانيين خوفا من تصعيد الصراع بمشاركة أميركية أكبر.
فكرة مجنونة
ومن جهته، يقول الخبير في السياسة الخارجية الأميركية وليام وولفورث إنه ليس هناك معلومات مؤكدة بعد عمن قام بهذا العمل، لافتا إلى إمكانية أن تكون روسيا هي من فعلت ذلك عمدا لنفسها من أجل تحميس شعبها لدعم الحرب.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، أشار وولفورث إلى أنه “إذا كانت أوكرانيا حقا وراء الهجوم، فهذا العمل مدهش بالنظر إلى أن الطائرات من دون طيار تطير ببطء، والحدود الأوكرانية على بعد نحو 500 كيلومتر، فضلا عن إمكانات الدفاع الجوي الروسي، وجميع التدابير التي تستخدمها للدفاع عن الكرملين”.
وتابع وولفورث أن “فكرة أنهم كانوا يحاولون اغتيال بوتين هي فكرة مجنونة، بالنظر إلى أنه لم يكن في الواقع في الكرملين، وعادة ما يفضل العمل في منزله خارج موسكو، وأن الكرملين ضخم للغاية. آمل يوما ما أن نحصل على القصة الكاملة حول ما جرى”.
خطوة خطرة
في حديث للجزيرة نت، قال خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك إنه “ليس من المستحيل أن تهاجم أوكرانيا الكرملين لتسجيل انتصار دعائي، ولكن ربما ليس بنية اغتيال بوتين. ومع ذلك، لا أفترض أن روسيا تقول الحقيقة أيضا”.
وأشار بيك إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن “لن تشجع مثل هذا العمل خوفا من تصعيد الصراع، إن قتل زعيم دولة مسلحة نوويا خطوة خطرة للغاية”.
وبدوره، اعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- أنه لا توجد معلومات كافية للتأكيد على وجه اليقين من المسؤول عن الطائرات من دون طيار التي اخترقت محيط الكرملين في موسكو، “ومن غير الواضح إذا كانت هذه طائرات من دون طيار أوكرانية، أو طائرات من دون طيار أطلقت من داخل الأراضي الروسية من قبل معارضين روس أو العملاء الأوكرانيين، أو هجوما زائفا من نوع ما”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار والين إلى أنه “من الواضح أن أوكرانيا قد تكون لديها القدرة على الوصول إلى موسكو، وإذا كانوا أوكرانيين فليس من الواضح الذي كان يمكن أن تحققه هذه الطائرات الصغيرة من دون طيار بخلاف مظاهرة رمزية إلى حد ما ضد قلب الحكومة الروسية، مباشرة قبل احتفالاتهم بعيد النصر في 9 مايو/أيار”.
دعوة للاغتيال
كان عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور ليندسي غراهام قد دعا بعد بدء المعارك في أوكرانيا إلى اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لافتا إلى أن هذا قد يكون الحل الوحيد لإنهاء الأزمة التي أشعلتها الحرب الروسية على أوكرانيا.
وأدلى غراهام بتصريحاته لقناة “فوكس نيوز” (Fox News)، وعاد وكررها عبر موقع تويتر، مؤكدا أنه يتطلع إلى شخصية مثل بروتس، أحد الذين اغتالوا يوليوس قيصر، أو مثل الضابط الألماني كلاوس فون شتاوفنبرغ الذي دبر محاولة فاشلة لاغتيال أدولف هتلر عام 1944.
لكن ماذا لو اختفى بوتين، هل هناك خط واضح للخلافة؟ يرد على ذلك أستاذ العلاقات الدولية في أكاديمية “ويست بوينت” روبرت بيرسون “إنه مثل أغلب الدكتاتوريات، فإن روسيا بوتين ليس لديها خط خلافة، ولم تتم تسمية خليفة له، وهذه معضلة الدكتاتور. على الرغم من أن بوتين قد يرغب في التقاعد يوما ما والاستمتاع بثرواته المقدرة بالمليارات دون القلق من الحكم، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها ضمان سلامته وأمنه هي البقاء في السلطة”.