في ألمانيا التي تواجه تحديات اقتصادية، أصبحت الزيادة الكبيرة في الإجازات المرضية بين العمال مبعث قلق كبير لأصحاب الشركات، لكنّها مصدر رزق لماركوس لينتز الذي يدير شركة متخصصة في كشف ادعاءات المرض الكاذبة لدى الموظفين.
ويؤكد لينتز المقيم في فرانكفورت، العاصمة المالية للبلاد، لوكالة الصحافة الفرنسية أن وكالته -التي تقترح التحقيق مع الموظفين المشتبه في ادعائهم المرض من دون وجه حق- لم تشهد مثل هذا الحجم من الطلب من ذي قبل.
ويقول “هناك عدد متزايد من الشركات التي لم تعد ترغب في تحمل هذا الوضع”، لافتا إلى أن وكالته تتلقى ما يصل إلى 1200 طلب من هذا النوع سنويا، في ازدياد بواقع الضعف مقارنة بالعدد المسجل قبل بضع سنوات.
ويضيف المحقق الذي يوفر هذه الخدمة منذ العام 1995 “إذا أخذ شخص ما 30 أو 40 أو في بعض الأحيان ما يصل إلى 100 يوم من الإجازات المرضية في السنة، فإنه سيصبح في مرحلة معينة غير ذي جدوى اقتصاديا لصاحب العمل”.
تأثير اقتصادي
من عمالقة صناعة السيارات إلى منتجي الأسمدة، تدق الشركات الألمانية ناقوس الخطر بشأن تأثير ارتفاع معدلات الغياب بسبب المرض على أكبر اقتصاد في أوروبا.
وبات بعض رؤساء الشركات يعبّرون صراحة عن مواقفهم في هذا الموضوع، مثل أولا كالينيوس، المدير العام لشركة “مرسيدس بنز” الذي يأسف لأن “نسبة التغيب عن العمل في ألمانيا تبلغ في بعض الأحيان ضعف ما هي عليه في بلدان أوروبية أخرى”.
وتصدرت شركة “تيسلا” التي يملكها الملياردير إيلون ماسك ويقع مصنعها الأوروبي للسيارات الكهربائية قرب برلين، عناوين الصحف من خلال إرسال مديرين تنفيذيين لدهم منازل موظفين متغيبين عن عملهم للتحقق من صحة مرضهم.
وحصل العمال الألمان على 15.1 يوما في المتوسط من الإجازات المرضية في العام 2023، مقارنة بـ11.1 يوما في العام 2021، وفق معهد الإحصاء الوطني “ديستاتيس” (Destastis).
ومن المتوقع أن يصبح هذا المنحى أكثر وضوحا في العام 2024، إذ يشير أحد صناديق التأمين الألمانية الرئيسية، “تي كيه” (TK)، إلى أنه غطى 14.1 يوما من الإجازات المرضية في المعدل لكل عامل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، وهو رقم قياسي.
وبحسب بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فقد الألمان ما معدله 6.8% من ساعات عملهم في العام 2023 بسبب المرض، أكثر من الدول المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
رد فعل النقابات العمالية
وفيما يتعقب المحقق ماركوس لينتز “المتمارضين”، فإن إرجاع الزيادة في الإجازات المرضية إلى عمليات التحايل وحدها يشكل “تبسيطا خطيرا”، على ما يؤكد معهد (دبليو إس آي) (WSI) التابع لمؤسسة هانز بوكلر المرتبطة بالنقابات الألمانية.
وهذا يرقى إلى “طمس الأسباب الحقيقية”، بحسب المديرة العلمية للمعهد بيتينا كولراوش التي تسلط الضوء على عوامل عدة بينها الزيادة في أمراض الجهاز التنفسي وظروف العمل المجهدة وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية.
كما أن شيخوخة السكان الألمان، مع وجود نسبة كبيرة بشكل متزايد من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاما في صفوف السكان العاملين، تشكل أحد العوامل التي تفسر هذا الوضع.
وفي فرنسا، أشارت الإحصاءات الرسمية أيضا منذ العام 2019 إلى تسارع وتيرة زيادة الإجازات المرضية في القطاع الخاص وبين العاملين بعقود الخدمة المدنية، من دون الأخذ في الاعتبار الإجازات المرضية المرتبطة بكوفيد-19.
من جهته، قال كلاوس ميشيلسن، الاقتصادي في جمعية الأعمال الألمانية إنه مهما كانت أسباب هذا الاتجاه، فإنه “يؤثر بلا شك” على أداء ألمانيا التي تعاني أصلا أزمة في نموذجها الاقتصادي.
إجازات مرضية للقيام بنشاط آخر
وأدت زيادة الإجازات المرضية إلى انخفاض كبير في الإنتاج عام 2023، حيث سجل الاقتصاد الألماني انكماشا بـ0.3% بينما كان يفترض أن ينمو بنسبة 0.5% دون هذه الإجازات.
وأكد البنك المركزي الألماني هذه النتيجة، حيث أدت معدلات المرض “المرتفعة نسبيا” إلى “تباطؤ النشاط الاقتصادي” عام 2023.
ومنذ بدء جائحة كوفيد-19، تمكن المرضى الذين يعانون أعراضا خفيفة من الحصول على إجازة مرضية من طبيبهم عبر الهاتف، وأدت هذه الآلية، بحسب منتقديها، إلى تسهيل المهمة على الراغبين في استغلال الوضع.
وتتفاقم هذه الظاهرة من خلال عمليات التسجيل الأكثر انتظاما للإجازات المرضية، وهو نظام جديد يسمح للأطباء بتحويل الإجازات المرضية تلقائيا إلى صناديق التأمين الخاصة بالمرضى.
أما بالنسبة إلى “المتمارضين” الذين رصدهم ماركوس لينتز، فإن نسبة كبيرة منهم على حد قوله يستخدمون الإجازات المرضية للقيام بنشاط آخر بالتوازي.
ومن بين هؤلاء، زوج يساعد في الأعمال التجارية الصغيرة لزوجته، أو موظفون يستغلون الإجازة المرضية طويلة الأمد لتجديد مساكنهم.