الخرطوم– بعد نحو 22 شهرا من الحرب في السودان، بدأ قطاع التعدين في التعافي وتصاعد معدل إنتاج الذهب وعائداته، غير أن مشكلات في التسويق والتصدير ساهمت في تهريب نحو منتصف المنتج، مما دفع الحكومة إلى البحث عن أسواق جديدة واستجلاب مصافي لتنقيته وإنشاء بورصة للذهب لشرائه بأسعار الأسواق العالمية.
وحسب وزارة المعادن ينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، حيث يتمركز في 14 ولاية من بين 18 ولاية في البلاد، ويعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون نحو 80% من كمية الذهب المنتجة في البلاد في حين تنتج شركات الامتياز 20%.
وكشفت مصادر أمنية ومشترون للذهب في غرب السودان للجزيرة نت عن أن كل المنتج من الذهب في ولايات دارفور وكردفان (8 ولايات) خارج سيطرة الدولة حاليا ويشتري أغلبه رجال أعمال مرتبطون بقوات الدعم السريع ويهربونه عبر دول مجاورة جوا وبرا.
ويعمل غالبية المُعدنين بأجر في استخراج حجارة تحمل بضع غرامات من الذهب يتم طحنها واستخراج الذهب منها، عبر “طواحين”، وتُستخرج الحجارة من آبار تعطي مؤشرات عبر أجهزة الكشف عن المعادن عن وجود المعدن النفيس.
تذبذب الإنتاج
ووصل إنتاج السودان من الذهب إلى ذروته عام 2017 بواقع 107 أطنان، وفق خريطة موقع البيانات، ثم تراجع إلى 41.8 طنا في العام الذي يليه، وتدهور الإنتاج عام 2023 الذي اندلعت فيه الحرب إلى 6.4 أطنان.
وأعلن بنك السودان المركزي -في تقريره السنوي عن عام 2022- تصدر الذهب أعلى صادرات البلاد غير البترولية بنسبة 46.3% من جملة صادرات السودان الخارجية بقيمة نقدية تساوي 2.02 مليار دولار من إجمالي 4.357 مليارات دولار هي إجمالي صادرات البلاد.
ويوضح محمد طاهر عمر المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية “الذراع الرقابي لوزارة المعادن” أن إنتاج الذهب تجاوز 64 طنا في عام 2024، مقارنة بـ43 طنا في 2022، وبلغت عائدات الصادرات من المعدن النفيس 1.7 مليار دولار، ساهمت في دعم المجهود الحربي، كما عززت الشركة دورها في التنمية الاقتصادية من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وحسب حديث عمر للجزيرة نت، فإن الشركة كانت تعمل في 14 ولاية قبل الحرب، لكنها تراجعت إلى 6 ولايات، بسبب الأوضاع الأمنية مع تركيز العمليات في ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وكسلا والقضارف.

خفض الرسوم
ويفيد عمر بأن الشركة نجحت في استعادة توازنها خلال الحرب، عبر تسهيل إجراءات الشركات العاملة في قطاع الذهب، من خلال تسريع المعاملات، وخفض الرسوم، وجمع كل الإجراءات في نافذة واحدة، مما ساهم في زيادة الإنتاج والإيرادات، وتخطط الشركة لرفع الإنتاج في العام الجاري إلى 100 طن.
وأوضح محمد طاهر أن الشركات والمستثمرين الذين غادروا السودان بعد الحرب عادوا للاستثمار مجددا في قطاع التعدين، وأكد عمر أن 3 شركات أجنبية تنتج الذهب حاليا في السودان، وهي مغربية وروسية وأردنية، إضافة إلى مستثمرين من قطر يسعون لدخول القطاع.
ولتشجيع القطاع المنظم من الشركات -يقول طاهر- سيتم خفض رسوم الدولة على شركات إعادة طحن مخلفات التعدين من 28% إلى 20% وعلى شركات الامتياز إلى 18% ويتوقع أن يؤدي إلى قفزة في الإنتاج خلال الشهور المقبلة، ويشير إلى أن القطاع التقليدي ينتج أكثر من 75% من الذهب وما تبقى من الشركات.
واعترف عمر بأن 52% من صادرات الذهب تمر عبر القنوات الرسمية، بينما 48% تخرج عن سيطرة الدولة، مما يستدعي مزيدا من العمل لمكافحة التهريب، وتفعيل نوافذ شراء حكومية للذهب المنتج من التعدين التقليدي، وتشديد الرقابة باستخدام تقنيات متطورة، وافتتاح مكاتب في جميع المعابر والمطارات في المناطق الآمنة، لضمان عدم تهريب الذهب.
ويضيف أن الشركة نجحت في السيطرة على شركات التعدين التابعة لقوات الدعم السريع، حيث تعمل 3 شركات منها تحت إشراف وزارة المالية، وتجري إجراءات مماثلة لـ3 شركات أخرى.
وعن السوق الخارجي للذهب السوداني، يقول عمر إن الحكومة تعمل على فتح أسواق جديدة لتصدير الذهب، موضحا أن اختيار الإمارات لتكون سوقا رئيسيا كان بناء على رغبة المصدرين، نظرا لنظامها المالي وسوقها العالمي، ويتم افتتاح أسواق في قطر وسلطنة عمان، وهناك اتجاه نحو السعودية.

منافذ التهريب
وتكشف مصادر أمنية للجزيرة نت أن كل إنتاج التعدين التقليدي في ولايات كردفان ودارفور يتم تهريبه إلى الخارج ويُقدر بنحو ثلث إنتاج القطاع في البلاد في ظل غياب الرقابة الحكومة وسيطرة قوات الدعم السريع في ولايات ومحليات منتجة في غرب السودان.
ووفقا للمصادر التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، فإن قوات الدعم السريع لديها منجم للذهب في منطقة سنقو الواقعة في محلية الردوم بجنوب دارفور بجانب مناجم أخرى، أبرزها أغبش وضرابة وجمبانة وأم حجارة، ويعمل بها آلاف المُعدنين التقليديين.
وتضيف المصادر ذاتها أن رجال أعمال مرتبطين بقيادات في الدعم السريع يشترون إنتاج الذهب من المُعدنين ويتم تهريبه عبر كل من أفريقيا الوسطى وتشاد ومن دارفور بطائرات صغيرة تهبط في مناطق سيطرة القوات.
كما تنشط شركة الجنيد التابعة للدعم السريع في معالجة مخلفات الذهب التي تخرج من “الطواحين” التقليدية ويعاد معالجتها بأجهزة متطورة بمواقع في منطقة حفرة النحاس القريبة مع الحدود مع دولة جنوب السودان.
مناجم كردفان
كما تشتري شركة مرتبطة بالحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو في ولاية جنوب كردفان كل المنتج في مواقع إنتاج الذهب في مناطق سيطرة الحركة ويتم تهريبه عبر جنوب السودان، وفقا للمصادر الأمنية.
من جانبه، يقول الصحفي المتخصص في شؤون ولاية شمال كردفان إبراهيم جمعة أن مواقع تعدين الذهب تنتشر في محليات جبرة الشيخ وسودري وأبو حديد والجمامة والمرخ ومنطقة الجبيلات والزراف وأبو زعيمة وأم بادر، ويعد الخام الموجود في شمال كردفان من أجود الأنواع.
ويوضح الصحفي للجزيرة نت أن هناك 3 شركات تعمل في مناطق الإنتاج الذي حقق عائدات كبيرة، لكنه تأثر بالحرب نسبة لوجود المناجم في طريق مسار إمداد قوات الدعم السريع من دارفور في طريقها إلى الخرطوم أو العكس.
البورصة هي الحل
وحسب جمعة، فإن أغلب المنتج من الذهب يهرب عبر قوات الدعم السريع التي تستخدم 5 مهابط ترابية للطائرات الصغيرة تنتشر في نقاط متعددة بخط الإنتاج الغربي بولاية شمال كردفان، بجانب غياب الرقابة الحكومية مما يفقد البلاد موارد كبيرة.
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أنه مع تباطؤ الاستثمارات وتوقف الأنشطة الاقتصادية مثل العقارات والتصنيع، توجهت رؤوس الأموال السودانية نحو التعدين التقليدي للذهب، مما ساهم في زيادة الإنتاج.
ويقول الخبير الاقتصادي للجزيرة نت إن هناك ارتفاعا في أسعار الذهب بالأسواق العالمية، مما يتطلب من الحكومة التعجيل بإنشاء بورصة للذهب، وهو ما من شأنه أن يحد من تهريب الذهب وبناء احتياطي لدى البنك المركزي.
ويتم تهريب نحو 50% من إنتاج الذهب (تقريبا) إلى الخارج، إذ يسعى المعدنون إلى بيعه بأسعار السوق العالمية، وهذا التهريب الواسع يقلل بشكل كبير من العوائد الاقتصادية لصادرات الذهب، مما يقلل من تأثيرها على اقتصاد البلاد، وإذا تم الحد من التهريب، فإن إيرادات الذهب يمكن أن تصل إلى 7 مليارات دولار سنويا، وفقا للخبير.