تستلقي مدينة حماة السورية على ضفتي نهر العاصي، وتجمع بين عراقة التاريخ وأصالة الحاضر، حيث تتناغم النواعير الشهيرة مع صوت المآذن، وتحكي المباني الأثرية قصة حضارات توالت على هذه البقعة منذ آلاف السنين.
واستعرضت حلقة (2025/3/13) من برنامج “في رحاب الشام” الذي يبث على منصة “الجزيرة 360″، تاريخ مدينة حماة العريق، موضحة أن أصل اسم المدينة يعود إما إلى كلمة “الحماية” وإما “الحصن” وإما نسبة إلى أحد أبناء كنعان المسمى “حماتي” الذي ذُكر في التوراة.
وكشف البرنامج أن المدينة تعد من أقدم المدن المأهولة في التاريخ، حيث أثبتت التنقيبات التي قامت بها البعثة الدانماركية بقيادة عالم الآثار هارون أنغول، أن حماة تفوق دمشق وحلب من حيث القدم، مع آثار يعود بعضها إلى أكثر من 4 آلاف سنة قبل الميلاد.
وتعاقبت على المدينة حضارات متنوعة، بدءا من الآشوريين والآراميين، مرورا بالرومان، وصولاً إلى الفتح الإسلامي على يد أبي عبيدة بن الجراح الذي دخلها صلحا، ليبدأ بعدها تاريخها الإسلامي الطويل.
وتناول البرنامج قلعة حماة التي تعد من أقدم الآثار في المدينة، والتي يعود عمرها إلى أكثر من 4 آلاف عام.
وبُنيت القلعة فوق تل مرتفع، وكانت محاطة بسور عظيم يضم ثمانية أبواب، أربعة منها داخل السور وأربعة خارجه، مما يدل على أهمية المدينة من حيث الموقع الإستراتيجي والعسكري.
وعلى الرغم من تعرضها للهدم والبناء عدة مرات بسبب الزلازل والهجمات العسكرية، خاصة الغزو المغولي، فإن بقاياها ما زالت شاهدة على عظمة الحضارات التي مرت على المدينة.
الجامع الكبير
وتشكل النواعير، وهي دواليب خشبية ضخمة تدور بقوة المياه لرفع الماء من النهر، محورا رئيسيا في الحلقة باعتبارها الرمز الأبرز لمدينة حماة، وبناها الرومان، واستمرت في العمل لقرون طويلة لتصبح جزءا أساسيا من ذاكرة المدينة وهويتها الثقافية.
وأوضح البرنامج أن النواعير المشهورة داخل حماة يبلغ عددها 17 ناعورة، بينما كان عددها الإجمالي يتجاوز 90 ناعورة قبل حوالي 100 سنة.
وتتراوح أقطارها بين 5 أمتار لأصغر ناعورة و21 مترا لأكبرها، وتحتوي كل ناعورة على ما بين 50 و120 صندوقا لرفع المياه.
وتتميز النواعير بأنها آلات للسقي تعمل دون توقف ليلا ونهارا دون الحاجة إلى وقود أو كهرباء أو جهد بشري، حيث تستمد قوتها من تيار الماء في نهر العاصي، ولها صوت مميز يشبه الأنين، أصبح من معالم المدينة وجزءا من هويتها السمعية.
وتطرق البرنامج إلى الجامع الكبير في حماة، الذي يُعد خامس مسجد في الإسلام من حيث المساحة والبناء، وكان في الأصل معبدا رومانيا لإله جوبيتر، ثم تحوّل إلى كنيسة بعدما تنصّر الرومان، وحينما دخل أبو عبيدة بن الجراح حماة، تحوّل إلى جامعٍ دون هدم الكنيسة بالكامل.
قصر العظم
يتميز الجامع بتصميمه الفريد، حيث يضم صحنا واسعا تتوزع فيه الأعمدة والأقواس، ويحتوي على محراب من الحجر والرخام، ومنبر خشبي مزخرف، إضافة إلى مئذنتين: الأولى مربعة مصنوعة من الحجر الأسود والأبيض، والثانية مثمنة الأضلاع من الأعلى وقاعدتها مربعة.
كما يضم الجامع “قبة الخزن” التي بُنيت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحفظ أموال المسلمين بعد حادثة سرقة لبيت المال في أحد البلدان.
ولم يغفل البرنامج عن الحديث عن قصر العظم في حماة، وهو القصر الذي بناه أسعد باشا العظم، الوالي العثماني المشهور الذي تولى حكم حماة ثم دمشق ثم حلب.
بدأ بناء القصر عام 1742 عندما كان أسعد باشا واليا على حماة، وبعد انتقال ولايته إلى دمشق، شرع في بناء قصر العظم هناك.
وكان القصر في البداية مقرا للحكم، ثم تحوّل بعد وفاة أسعد باشا إلى مكان خاص بنساء آل العظم، وأصبح يسمى “الحرملك”، ثم تم توسيعه بإضافة “السلاملك” ليكون قسما للرجال والضيوف.
ويتميز القصر بتصميمه على الطراز الدمشقي، مع ساحة كبيرة تتوسطها نافورة مياه، وتزينه لوحات إبداعية في غاية الجمال، من شبابيك وجدران وأقواس وأعمدة ومقرنصات، مما يجعله تحفة فنية ومعمارية فريدة.
كما أبرز البرنامج خصوصية أهل حماة وطباعهم المتميزة، حيث أشار إلى أنهم يتميزون بالكرم والشهامة والطيبة وقوة العزيمة. كما تطرق إلى حياتهم الاجتماعية في الأسواق، حيث لا يقتصر التعامل على البيع والشراء فقط، وإنما يمتد ليشمل الأحاديث الاجتماعية والسؤال عن الأحوال وتبادل الأخبار العائلية.