عمان – الطلاق حدث غير عادي في حياة أي إنسان، قد يكون مؤلمًا ومحبطًا وتتبعه أيام سيئة، لكنه غالبًا ما يكون محطة مفصلية لدى كثيرين. وعندما تشرع في التكيّف مع الشكل المتغير لحياتك بعد الطلاق، قد تواجه مزيجًا معقدًا من الأفكار والمشاعر التي تتباين بين الخيانة والفقد إلى الغضب أو حتى الراحة.
ببساطة، قد يؤدي الطلاق إلى اضطراب حياتك عندما تبدأ إعادة تأسيس نفسك، وقد يساعدك في أن تتوصل إلى اقتناع بأنه ليس النهاية بل بداية جديدة.
استنفاد جميع حلول الإصلاح
يقول المستشار في الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة إن العلاقة العاطفية السليمة من أهم عوامل الدعم والاستقرار النفسي والاجتماعي، بشرط أن تكون علاقة صحية.
أما إن أصبحت العلاقة العاطفية سيئة وأدت إلى اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب والأرق، فإن الانفصال يكون خيارًا مفضلًا، لا سيما إذا استُنفدت كل حلول الإصلاح. وذلك بهدف حماية الشخص، أحد الشريكين أو كليهما، وإعادته إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي.
مراحل الانفصال
يرى مقابلة أنه عند وقوع الطلاق تجب مراعاة أنه قد يكون أحد حالات الفقد التي يمرّ بها الشخص، والتي عادة ما تكون وفق المراحل التالية، حسب نموذج “كوبلر روز” (Kubler-Ross):
- مرحلة الإنكار: هي أولى المراحل، ويشعر فيها الشخص بالصدمة والضياع، خصوصًا إذا كان الانفصال سريعًا أو مفاجئًا، مع عدم تقبّل الواقع الجديد وتجنّب الحديث عن الموضوع لاعتقاده الخاطئ بأنه بخير ولم يتأثر نفسيا.
- مرحلة الغضب: يشعر فيها الشخص بالإحباط والاستياء من الانفصال، ويظهر بعصبية وسرعة انفعال وتوتر، خصوصًا عند طرح الآخرين الموضوع مع محاولة إلقاء اللوم على الطرف الآخر أو الظروف البيئية المحيطة.
- مرحلة المساومة: يشعر فيها الشخص بوجود أمل لاستعادة العلاقة وإصلاحها، يدفعه إلى الحديث عن الموضوع مع الآخرين وتقديم تنازلات ومحاولة التقرّب من الطرف الآخر.
- مرحلة الحزن: يغلب على الشخص في هذه المرحلة تعكر المزاج والحساسية العاطفية بسبب فقدان الأمل في استعادة العلاقة وإصلاحها، وذلك قد يدفعه إلى الانعزال وتراجع التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
- مرحلة التقبّل: وهي بداية عودة الشخص إلى حياته الطبيعية، واقتناعه بأن الحياة مستمرة ولا تتوقف على شخص معين، مع إمكانية البداية من جديد دومًا.
ويُمضي الشخص عادة في تجاوز هذه المراحل فترة زمنية تصل إلى 6 أشهر أو سنة، وفق أغلب المراجع والمعايير الصحية العالمية. أما إذا استمرت أكثر من سنة فتصبح حالة مرضية تسمى “الحزن المرضي”.
المواجهة وعدم الإنكار
بعد مرحلة الانفصال، ينصح المستشار مقابلة الشخص المطلّق بما يلي:
- مواجهة الواقع وعدم إنكاره أو التهرّب منه.
- إعطاء الشخص نفسه فرصة للحزن وعدم الهروب من هذا الشعور بالتجاهل أو اللجوء إلى المسكنات أو الأدوية من دون استشارة الطبيب النفسي.
- التصالح مع الذات والتفكير العقلاني، لا العاطفي، بأسباب الانفصال، مع الاعتراف بالأخطاء لتجنّب تكرارها في المستقبل.
- التحدث مع الآخرين والتعبير عن المشاعر وعدم كبتها، بشرط اختيار أشخاص مناسبين للاستماع وتقديم النصح، مع عدم إطلاق الأحكام.
- تجنّب ملاحقة أو مراقبة الطرف الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر، لتجنّب المماطلة في التعافي وزيادة المشاعر السلبية.
- تجنّب اللجوء إلى العلاقات العابرة أو المتسرّعة لسد الفراغ الناتج عن العلاقة الماضية، وإعطاء النفس فرصة للتعافي من آثار الانفصال لمنع تكراره.
- اللجوء إلى الطبيب أو المتخصص النفسي للمساعدة في تجاوز الآثار السلبية الناتجة عن العلاقة السابقة أو الانفصال من خلال العلاج النفسي الكلامي (Psychotherapy).
شعور الضياع
يقول المستشار الأسري الدكتور أحمد عبد الله إن الطلاق تجربة في الحياة لها ظلال وآثار على بنية الشخصية، وعلى طريقة التفكير، وأحيانًا تمتد آثاره إلى منظومة القيم، وفي كثير من الأحوال تترك هذه التجربة ندوبًا نفسية وانفعالية قد تستمر مدة ليست بالقصيرة.
ولا يدرك كثير من المطلقين والمطلقات كيفية التكيّف السليم مع آثار الانفصال، وفق المستشار عبد الله، فغالبًا ما يواجهون ما سماه “صراع النسيان”، فتكون رغبتهم الداخلية متمحورة حول “نسيان التجربة”، وهو ما لا تساعدهم ذاكرتهم على تحقيقه.
ويوضح أن المشاعر المترتبة على الطلاق تأتي من خصوصية المنظومة التي سبقته، أي الزواج، عندما كانت الأسرة محور حياة الشخص، بكل ما في ذلك من تفاصيل كثيرة، فيأتي الطلاق لينهي هذا الإطار النفسي والزمني والاعتباري الموضوع حول الإنسان، وكذلك يأتي شعور الضياع لأن كثيرين يرون أن الطلاق “نوع من أنواع الفشل والإخفاق” في الحياة.
التقييم الذاتي
يشرح الدكتور عبد الله أن التكيّف مع هذه الآثار يبدأ بتغيير المعاني، فالطلاق ليس فشلًا للإنسان بقدر ما هو عدم استمرار حياة “مزعجة مؤذية”، وفي كثير من الأحيان يكون هذا التخلّص نجاحًا بحد ذاته.
ويشدد على أهمية التقييم الذاتي التي يقوم بها الشخص المطلّق لنفسه ولما مر به، من دون أن يكون الهدف جلد الذات. فالتقييم المنحصر بنقطتين: لماذا حدث ما حدث؟ وما دوري في حدوثه؟ هو الذي سيجعل الإنسان أكثر بصيرة في ذاته وما يفعله. وتأتي بعد ذلك مرحلة اكتساب المهارات المفقودة التي أدت إلى الانفصال.
ويرى عبد الله أن المطلوب في مرحلة ما بعد الطلاق أن يجاهد الإنسان نفسه لتحويل تفكيره من “لماذا أتعرض للمشكلات دومًا؟” إلى “ماذا أريد أن أفعل؟ وكيف أحققه؟”؛ هذا التغيير في التفكير من أهم الخطوات التي تجعل الآثار السلبية محصورة في إطارها الضيق.
ويردف “لعل أهم ما أنصح به مَنْ مروا بتجربة الطلاق هو تغيير المحيط، محيط الأصدقاء والمعارف الذين يفتحون الموضوع مرارًا وتكرارًا، وفي كل لقاء أو مناسبة يتحدثون عن الطلاق ومرارته… وآخر الأخبار عن الشريك السابق وحياته الجديدة. لذا، من المهم جدا التخلّص من هذه الطاقة السلبية، ليكون الإنسان قادرًا على ممارسة حياة إيجابية في المستقبل”.
نصائح
تُعَد العناية بالحاجات العاطفية والجسدية مسألة أساسية في مرحلة ما بعد الطلاق، وينصح الخبراء المطلقين باتباع الخطوات التالية للبدء من جديد، وفق موقع “هيلث لاين” (healthline):
- قبول الخسارة: لا يتزوج الناس عمومًا لأنهم يفترضون أنهم سيطلقون في النهاية، فقد يكون فسخ زواجك صدمة تنقلك إلى مراحل أخرى، وصولًا إلى القبول. ولكن القبول لا يحدث بين عشية وضحاها، فلا تقلق إذا كنت بحاجة إلى بعض الوقت، ما يهم هو معاملة نفسك بلطف عندما تتصالح مع خسارتك.
- امنح مساحة لمشاعرك: في موازاة القبول، يأتي التحقق من صحة الذات، إذ تواجه عقب الطلاق مشاعر متعددة يمكن أن تؤدي إلى صراع داخلي، وفي هذه الأثناء يمكن لممارسات مثل التأمل أن تعزز الوعي الذاتي وتساعدك في إعطاء مشاعرك المساحة الكافية.
- حافظ على الهدوء ومارس التواصل الحازم: قد تشعر بالضيق والغضب، وليس لديك سوى الازدراء تجاه الشريك السابق. ومع ذلك، عندما تضطر إلى البقاء على اتصال معه، يمكن أن يساعدك في فصل هذه المشاعر موقتًا أن تضع -مثلا- حدودًا للتواصل: هل ستتصل أم سترسل رسالة نصية؟ وعدد المرات، وأيضًا حصر محادثاتك على الأساسيات مثل رعاية الأطفال أو أي ترتيبات مالية وضعتها.