بعد فراق دام 44 عاما، اجتمعت الكورية الجنوبية هان تاي-سون بابنتها شين كيونغ-ها، التي باتت تُعرف باسم لوري بندر. المشهد الذي وثقته عدسات الكاميرات من مطار سول بدا وكأنه جزء من دراما مؤلمة، لكنها واقعية بالكامل، لتطوي صفحة طويلة من الفقد والمعاناة عاشتها الأم وابنتها كلٌّ على ضفة من العالم.
بدأت المأساة في عام 1975، حين كانت شين كيونغ-ها، البالغة آنذاك 4 سنوات، تلعب أمام منزل العائلة في العاصمة سول. كانت والدتها، هان، قد ذهبت لشراء بعض الاحتياجات من السوق، وعندما عادت، لم تجد أي أثر لابنتها.
لاحقا، تبين أن امرأة غريبة اقتربت من الطفلة الصغيرة وقالت لها إنها أصبحت “غير مرغوبة من والديها” بعد قدوم طفل جديد للعائلة. تلك الكذبة كانت كفيلة بخداع الطفلة، التي رافقت المرأة إلى محطة قطار، وهناك نامت لتستيقظ وتجد نفسها وحيدة، حيث أُبلغت الشرطة عنها وأُرسلت إلى دار أيتام في جيتشيون.
لحظة الفقد.. بداية حكاية الألم
لم تتوقف هان تاي-سون، التي كانت في بداية الثلاثينيات من عمرها آنذاك، عن البحث. علقت صور ابنتها في محطات القطار وفي الطرقات وعلى أعمدة الإنارة في الشوارع، وراجعت مراكز الشرطة ودور الأيتام يوميا تقريبا، متشبثة بأمل لم يتبدد رغم مرور السنوات.
لكن القدر قاد الطفلة إلى مسار مختلف تماما. فقد تبنتها عائلة أميركية دون علم أهلها، ومنذ تلك اللحظة بدأت حياتها الجديدة باسم لوري بندر في الولايات المتحدة، بعيدة تماما عن جذورها الكورية ووالدتها التي لم تكف عن البحث.
لقاء بعد أكثر من 4 عقود
وبعد مرور 44 عاما، تحقق الحلم أخيرا بفضل جهود مجموعة “325 كامرا” المختصة في لمّ شمل الأطفال المتبنين الكوريين بعائلاتهم الأصلية. تم التحقق من تطابق الحمض النووي، واتضح أن لوري بندر -التي تعمل حاليا ممرضة في كاليفورنيا- هي نفسها الطفلة المفقودة منذ عام 1975.
وعند هبوطها في مطار سول، كانت والدتها هان في انتظارها. لحظة اللقاء لم تحتج إلى كثير من الكلمات، لكن أول ما قالته الأم لابنتها وهي تجهش بالبكاء كان: “أنا آسفة جدا”.
سياسات تُعاد مراجعتها
تأتي هذه القصة ضمن سياق أوسع لسياسات التبني التي اتبعتها كوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية (1950-1953)، حين كانت البلاد تعاني من الفقر، وكان عدد الأطفال الأيتام والنازحين يناهز 100 ألف طفل. منذ ذلك الحين، تم تبني نحو 200 ألف طفل كوري جنوبي في الخارج، كثير منهم دون موافقة واضحة من الأهل، أو باستخدام مستندات غير دقيقة، مما تسبب في مآس إنسانية متكررة.
وقد صرّح متحدث باسم الحكومة الكورية الجنوبية لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بأن السلطات “تتعاطف بشدة مع الألم النفسي” الذي عاشته العائلات المتضررة، وأضاف أن الحكومة تنظر إلى حالة السيدة هان بـ”أسف عميق”، وتعتزم اتخاذ “الإجراءات اللازمة” بناء على نتائج المحاكمة الخاصة بالقضية.
في حديثها لـ”بي بي سي”، قالت هان تاي-سون، البالغة من العمر 71 عاما “جسدي وعقلي تحطما على مدار 44 عاما من البحث، لكن خلال كل تلك السنوات، لم يعتذر لي أحد، لا الحكومة ولا أي جهة أخرى، ولا حتى مرة واحدة”.