لاقى أكثر من ألف سوري حتفهم عند احتجازهم في مطار عسكري على مشارف دمشق، أو تم إعدامهم أو سقطوا قتلى جراء التعذيب، أو سوء معاملة في موقع كان مصدرًا للخوف على نطاق واسع، وفق تقرير صادر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة، نقلته وكالة رويترز.
وتعقب التقرير الحالات التي دفنت في 7 مواقع مشتبه بها، فيما يقول المركز المسؤول عن نشر التقرير إنه حدد مواقع المقابر باستخدام مزيج من أقوال شهود وصور الأقمار الصناعية، ووثائق تم تصويرها في المطار العسكري في حي المزة بدمشق، بعد الإطاحة برئيس النظام المخلوع بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتقع بعض مواقع الدفن المشتبه بها في أرض المطار، وبعضها الآخر في أماكن أخرى من دمشق، فيما لم يتمكن مركز العدالة والمساءلة من تأكيد وجود المقابر الجماعية بشكل مستقل من خلال مراجعته الخاصة لصور الأقمار الصناعية.
لكن وكالة رويترز أكدت أن هناك علامات على وجود تربة غير مستوية في صور الكثير من الأماكن، التي حددها المركز السوري للعدالة والمساءلة.
“رأينا الموت”
ويظهر موقعان، أحدهما في مطار المزة العسكري والآخر في مقبرة بقرية نجها، علامات واضحة على وجود خنادق طويلة تم حفرها في فترات تتفق مع شهادات شهود من المركز نفسه.
وذكر شادي هارون، أحد معدي التقرير، أنه كان من المحتجزين وقضى هناك عدة أشهر في عامَي 2011 و2012 بتهمة تنظيم احتجاجات.
وقال لوكالة رويترز إنه كان يخضع يوميًا لتحقيقات وتعذيب جسدي ونفسي لإجباره على الاعتراف بأشياء لم يقم بها، ذاكرًا للوكالة نفسه أنه “رأى الموت بأشكال عديدة”.
ورغم أن المعتقلين لم يروا شيئًا سوى جدران الزنازين أو غرفة الاستجواب، كانوا يسمعون أحيانًا “إطلاق نار متقطع، طلقة تلو الأخرى، كل بضعة أيام”، ثم يرون تعرض نزلاء معهم لإصابات أحدثها القائمون على التعذيب.
وقال هارون وهو يصف معاناة نزيل معه في الزنزانة: “جرح صغير في قدم أحد المعتقلين نتيجة التعذيب ضربًا بالسوط، يُترك بدون تعقيم أو علاج لأيام إلى أن يتحول تدريجيًا إلى (غرغرينا) تؤدي إلى تفاقم الحالة وصولًا إلى بتر القدم بالكامل”.
والـ”غرغرينا” هي تعفن يصيب أنسجة الجسم الملتهبة من الإصابة، ما يؤدي لانتشار بكتيريا خطيرة، تستوجب استئصال موضع الجرح.
نظام المقابر الجماعية
وبالإضافة إلى حصوله على الوثائق، أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة و”رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” مقابلات مع 156 ناجيًا، وثمانية أعضاء سابقين في المخابرات الجوية السورية، التي كانت مكلفة بمراقبة منتقدي النظام وسجنهم وقتلهم.
ويأتي هذا الاكتشاف بعد أيام فقط، على الكشف عن مقبرة جماعية جديدة بها جثث محترقة وبقايا عظام لأطفال في منطقة سبينة جنوب العاصمة دمشق، داخل طابق أرضي لمبنى كانت قوات النظام السابق تستخدمه مركزًا لاعتقال المدنيين.
ومنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عثر في محافظات سورية مختلفة على مقابر جماعية لمواطنين قتلتهم قوات رئيس النظام السابق، وكان تحقيق للتلفزيون العربي قد كشف كذلك عن أدلة خطيرة على وجود مقابر جماعية في حلب.
ويبحث السوريون اليوم عن ذويهم المفقودين، بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من الثورة على نظام الأسد وحزب البعث، وما رافقها من حرب أدّت إلى مقتل أكثر من 300 ألف شخص، وتهجير ملايين آخرين.