بعد فقدانها لأكثر من عام تقريبًا، أعلن الجيش السوداني دخوله رسميًا إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة مع القوات المساندة له وسيطرته على عدد من القرى في الولاية إثر اشتباكات وُصفت بالضارية مع قوات الدعم السريع وتكبدها خسائر كبيرة، فيما تستمر الاشتباكات بمدينة بحري شمال العاصمة الخرطوم.
ومع لحظات دخول قوات الجيش، انطلقت احتفالات عفوية من قبل الأهالي، لتعم باقي المدن والمناطق السودانية احتفاء بالتقدم العسكري على حساب قوات الدعم.
سياسيًا، ومع التطورات المتسارعة على الأرض، يبحث وزراء خارجية مصر وإريتريا والصومال أهمية دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني وتأثيرات الخطوة على المجريات العسكرية في كل البلاد علاوة على انعكاس ذلك من الناحية السياسية في تعزيز موقف مجلس السيادة وكيفية تعامل دول الجوار القلقة من الأوضاع المتوترة خاصة وأن هذه الدول ترى أن تهدئة الأوضاع ضرورة ملحة في ظل تعاظم المخاوف من انتشار الفوضى والجريمة إليها بطريقة أو بأخرى.
ويحدث كل ذلك في وقت تواصل الأزمة الإنسانية في السودان تفاقهما وسط تحذيرات متجددة أطلقها المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك من أن التوقعات تشير إلى أن نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل دون سن الخامسة، سيعانون من سوء التغذية هذا العام، مشددًا في الوقت نفسه على أن السودان يشهد أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم. فقد أصبح أكثر من 5 ملايين طفل بلا مأوى بسبب الأعمال العدائية والصراع.
الدعم السريع تفقد السيطرة المركزية
وفي هذا السياق، يعتبر اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب أن “الانتصار الذي حقّقه الجيش السوداني جاء بعد سلسة من العمليات التحضيرية”، مشيرًا إلى أن “الحرب هي حرب شوارع ومدن تجري بتكتيكات وإستراتيجيات جديدة لم يكن الجيش السوداني يعرفها رغم خبرته الكبيرة، لكنه تعامل معها للحفاظ على البنى التحتية والمواطنين الذين كانت قوات الدعم السريع تستخدمهم كدروع بشرية”.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من القاهرة، يرى مجذوب أن “الانتصار الكبير” ترك تأثيرًا مباشرًا على الأحوال في شمال الخرطوم، مشيرًا إلى أن الجيش السوداني يتقدم نحو مصفاة الجيلي ثم منطقة شرق النيل، وكذلك في الفاشر ويتجه نحو تأمين المدينة.
كما يرى اللواء المتقاعد أن ما حققه الجيش السوداني قد يعزز من فرص تقدمه في مناطق أخرى، معتبرًا أن قوات الدعم السريع “فقدت القيادة والسيطرة المركزية وتم تدمير خطوط إمداداها وباتت تعمل في مجموعات منفصلة ضمن خطط قصيرة المدى.”
وإذ يؤكد مجذوب أن ولاية الجزيرة تأمنت بالكامل، يلفت إلى أن الطريق بات ممهدًا باتجاه ولاية الخرطوم.
مكسب إنساني
من جهته، يعتبر الصحافي ورئيس تحرير منصة مشاوير الإلكترونية محمد الأسباط أن أي حدث يوفر الأمن للسودانيين الذين يدفعون ثمنًا باهظًا في هذه الحرب “هو حدث جيد”.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من باريس، يرى الأسباط أن تقدم الجيش في ود مدني يشكل قيمة مهمة سياسيًا وعسكريًا ويساعد المواطن في ولاية الجزيرة، الذي عانى من الجوع والتشرد وغياب الخدمات الصحية.
كما اعتبر أن الطريق بات ممهدًا لعودة أكثر من مليون شخص إلى ولاية الجزيرة، مؤكدًا أن المواطن السواني في أمس الحاجة للعودة إلى حياته الطبيعية.
الخرطوم بعد ود ودني
وفي قراءة للتطورات الميدانية في السودان، يرى الكاتب الصحفي بابكر عيسى أن “عودة ود مدني إلى حضن الوطن خطوة على الطريق الصحيح”، لكنه يعتبر أن استعادة القصر الجمهوري ومركز القيادة العامة للقوات المسلحة ستكون لها رمزية كبرى ودلالة قوية.
ويقول عيسى، في حديث إلى التلفزيون العربي من الدوحة: “منذ البداية كنّا نعقد أن لا مستقبل لقوات الدعم السريع في السودان، فلا من حاضنة شعبية يمكن أن تقبل بوجودها أو استمراريتها”، معتبرًا أنها “لا تملك الأفق أو الأدوات التي تجعلها تدير وطنًا بحجم السودان”.
ويرى عيسى أن الخطوة الثانية بعد ود مدني يجب أن تكون باتجاه الخرطوم لاستعادة القصر الجمهوري ومركز القيادة العامة. وبحسب اعتقاده، فإن ذلك “سيحسم الأمور وسيمهد لمزيد من النجاحات للجيش ولمزيد من الانكسارات لقوات الدعم السريع”.