بخطاب أخير يلقيه في المكتب البيضاوي، يسدل الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الأربعاء الستار على مسيرته السياسية التي استمرت نصف قرن، ويختتم إرثًا خيّم عليه فشل الديمقراطيين في منع دونالد ترمب من العودة إلى البيت الأبيض.
ففي عام 2020، ترشح بايدن للرئاسة الأميركية كشخصية انتقالية، لكنه اختار في عمر 80 عامًا، وعلى نحو غير مسبوق، الترشح لإعادة انتخابه مقتنعًا بأنه الديمقراطي الوحيد القادر على هزيمة ترمب.
وأُجبر بايدن على الخروج من السباق في يوليو/ تموز الماضي، بعد مناظرة “كارثية” مع ترمب، وألقى بعض الديمقراطيين باللوم عليه في هزيمتهم في نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد أن خسرت حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس في كل الولايات المتأرجحة.
مكاسب اقتصادية وإنجاز سياسي منقوص
وخلال عهده، أشرف بايدن وحلفاؤه على التعافي من كوفيد، وموّلوا إحياء البنية التحتية، وأطلقوا صناعة رقائق أشباه الموصلات الجديدة، وتصدّوا لتغير المناخ في الوقت الذي حاولوا فيه معالجة أوجه الاختلالات والاستثمار في المستقبل.
لكن بايدن لم يتمكن من معالجة الانقسامات في البلاد بالطريقة التي كان يأمل فيها، أو وقف تراجع الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، بحسب تقرير لوكالة “رويترز”. لقد أثبت أنه صاحب إنجاز سياسي مؤقت يتمثل في هزيمة ترمب في عام 2020.
ألقى بعض الديمقراطيين باللوم على جو بايدن بعد أن خسرت حملة كامالا هاريس في الولايات المتأرجحة- غيتي
من جهته، تعهّد الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب بالتراجع عن الكثير مما أنجزته الإدارة الديمقراطية.
وقال ديفيد أكسلرود، وهو المستشار السابق للرئيس باراك أوباما: “كل ما أراد جو بايدن أن يتذكره الناس من أشياء عظيمة فعلها من أجل هذا البلد، على الأقل في الأمد القريب، طغت عليه قراراته السيئة المتعلقة بالترشح”.
وأضاف: “لقد أصبح رئيسًا تاريخيًا عندما هزم ترمب. لذا فمن الواضح أن حقيقة أن ترمب عاد إلى الظهور وعاد إلى السلطة أقوى مما كان عليه عندما غادر، هي خاتمة غير سعيدة للقصة”.
روح أميركا على المحك
وفي رسالة أصدرها البيت الأبيض في وقت مبكر من اليوم الأربعاء، تناول بايدن ما وصفه بالتهديد المستمر للبلاد.
وقال: “لقد ترشحت للرئاسة لأنني اعتقدت أن روح أميركا كانت على المحك. كانت هويتنا على المحك. وهذا لا يزال هو الحال”، وحثّ الأميركيين على الاستمرار في النضال من أجل تركيز البلاد على المساواة والحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة.
وبحسب “رويترز”، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الإرث يتحدد على المدى الطويل، مضيفًا: “إنه بالمعايير التاريخية، لم يمر وقت يُذكر منذ الانتخابات. لقد حقّق هذا الرئيس السجل التشريعي الأكثر أهمية منذ عهد ليندون جونسون في الستينيات، وستظهر الفوائد التي لا رجعة فيها لهذه القوانين على مدى عقود من الزمن”.
عهد مثقل بالأزمات
وقال السناتور كريس كونز، وهو حليف قديم، إن بايدن واجه أزمة اقتصادية وأزمة صحة عامة وأزمة ديمقراطية في أعقاب اقتحام أنصار ترمب لمبنى الكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، عندما تولى منصبه في ذلك العام. وكانت البلاد تواجه أزمات. وقال كونز: “كان التعافي بعد هذا الوباء أعظم الإنجازات”.
وأشرفت إدارة بايدن على توزيع لقاحات كوفيد والتعافي الاقتصادي الذي انتصر على توقعات الركود، حتى مع ارتفاع التضخم واستمرار ارتفاع الأسعار، مما أثار غضب الناخبين بشأن إدارته الاقتصادية.
تعهد الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب بالتراجع عن الكثير مما أنجزته الإدارة الديمقراطية- غيتي
واستغل الجمهوريون الإحباط العام في انتخابات العام الماضي، وأذكوا حالة الغضب بشأن ارتفاع الأسعار باتهامات للديمقراطيين بأنهم نخبة منفصلة عن الناخبين من الطبقة العاملة، بينما ألقوا باللوم على المهاجرين في زيادة الأسعار، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم ذلك.
وقالت هايدي شيرهولز، رئيسة معهد السياسة الاقتصادية: “لا يمكنك إزالة أثر أربعة عقود ونصف العقد من انعدام المساواة المتزايد ببضع سنوات من النتائج الاقتصادية الجيدة للغاية والتغييرات السياسية.. لكن أحد أهم الأشياء الأساسية التي فعلوها هو التعافي الذي صنعوه على نطاق سمح بانتعاش قوي للوظائف”.
ملفات خارجية أضعفت شعبية بايدن
ويستشهد بايدن، الذي قضى أكثر من ثلاثة عقود في مجلس الشيوخ الأميركي وثماني سنوات كنائب للرئيس أوباما قبل أربع سنوات في الرئاسة، برد غربي موحد على حرب روسيا مع أوكرانيا، وتعزيز التحالفات، والانسحاب الأميركي من أفغانستان باعتبارها إنجازات رئيسية في السياسة الخارجية.
ومع ذلك، قُتل 13 جنديًا أميركيًا في أثناء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، ولم تتعاف شعبية بايدن أبدًا من هذا الأمر.
وأدّى دعمه القوي لإسرائيل، التي قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، إلى انقسام الحزب الديمقراطي، وتضرّرت سمعة بايدن لدى اليسار.
الرئيس “المؤقت”
وبحسب “رويترز”، يعتبر فينسنت ريجبي، وهو مستشار سابق للأمن القومي لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أن بايدن سيظل في الأذهان إلى الأبد باعتباره رئيسًا “مؤقتًا” على الرغم من إنجازاته القوية في إعادة بناء الثقة في الولايات المتحدة بعد فترة ولاية ترمب الأولى.
وأضاف: “سنرى كيف سينظر إليه التاريخ بعد خمسة أو عشرة أو خمسة عشر عامًا من الآن، لكنّه سيُنظر إليه على أنه الرئيس (الذي تولى) بين رئاستي ترمب.. أمسك بالخيط، لكن ترمب عاد”.