بعدما أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قبل أيام، بشأن اقتراحه فرض السيطرة الأميركية على القطاع، ردود فعل داخلية وخارجية متنوعة، يخرج ترمب مجددًا، بطرح أكثر وضوحًا، معلنًا أنّ إدارته ستتسلم قطاع غزة من إسرائيل عقب انتهاء العملية العسكرية.
ويقدم ترمب خطة أولية لرؤيته للقطاع، ويتحدث عن نيته بناء مشروع يكون أحد أعظم وأروع التطويرات من نوعها في غزة، حسب وصفه.
أما فيما يتعلق بسكان القطاع، فلم يكن ترمب واضحًا بشأن السماح بعودتهم إلى أراضيهم، لكنّه أشار إلى إمكانية إعادة توطينِهم في مجتمعات أكثر أمنًا وأمانًا، وفق قوله.
خطة إسرائيلية لتهجير سكان القطاع
وليس ببعيد، تلقَّف وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، تصريحات الرئيس الأميركي بحفاوة، معلنًا إصداره تعليمات للجيش من أجل إعداد خطة لتهجير سكان القطاع.
وتتضمن الخطة الإسرائيلية منح أهالي قطاع غزة خيار الخروج والهجرة منه عبر المعابر البرية أو البحر والجو.
تتخوف حركة حماس من أن تستغل إسرائيل تصريحات ترمب كي تعاود عدوانها على قطاع غزة- الأناضول
وعقب التصريحات الأميركية، طالبت حركة حماس بعقد قمة عربية طارئة، لمواجهة المخططات الأميركية، مبدية تخوفها من أن تستغل إسرائيل تصريحات ترمب، كي تعاود عدوانها على القطاع.
وقد ندّدت السلطة الفلسطينية بمخطط السيطرة على غزة، وأكدت رفضها السماح بتكرار مشاهد النكبة.
رفض عربي ودولي
وعربيًا، ندّدت مصر بالمخططات الأميركية والإسرائيلية، مشيرة إلى أنّ تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الداعية إلى تهجير سكان غزة تستدعي المحاسبة، كما حذّرت من أن ذلك يضعف اتفاق وقف إطلاق النار، ويحرض على عودة القتال مجددًا.
من جهته، يجري العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني زيارة لكل من بريطانيا والولايات المتحدة، لتأكيد رفض بلاده خطط تهجير سكان القطاع.
وتتواصل التنديدات العربية والإسلامية وصدر آخرها من العراق والجزائر وباكستان، الدول التي دعت إلى تطبيق قرار حلِّ الدولتين.
وبعد تصريحات إسرائيلية تطلب من إسبانيا وإيرلندا استقبال النازحين من غزة، رفضت مدريد الدعوات تلك. أما إيرلندا، فوصفت المقترح بالأمر المزعج.
فكرة لرؤية “مؤقتة”
في هذا السياق، يشير نائب رئيس تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، تيم قسطنطين، إلى أن ترمب “يطرح فكرة دون أن يكون هناك أي خطة مكتوبة أو وثيقة”، مؤكدًا أن “هناك رد فعل مباشر من الدول العربية تجاه ما تطرحه الولايات المتحدة”.
وفي حديثه إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يلفت قسطنطين إلى أن الولايات المتحدة تربطها علاقات مع الدول العربية، ويُعتقد أن الفكرة التي يقدمها ترمب غير جيدة، بينما هناك نقص في الثقة بالولايات المتحدة بسبب اختلافات ثقافية.
ويؤكد قسطنطين على ضرورة “النظر في السياق والثقافة”، معتبرًا أن غزة في حالة فوضى، وأنه من الضروري إصلاح الوضع.
ويشير إلى أن المتحدثة باسم البيت الأبيض شددت على أن خروج الفلسطينيين سيكون مؤقتًا لحين إعادة الإعمار، وإنه ليس تهجيرًا أو طردًا، ومشبهًا الأمر بالظروف التي فرضتها الأعاصير في فلوريدا والحرائق في كاليفورنيا.
“خطة سياسية”
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، أن أول تداعيات خطة ترمب تتمثل في ترميم ما بدا وكأنه انهيار داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي اليميني.
ويلفت شلحت إلى تصريحات الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الذي قال إن خطة ترمب قد تمهد لعودته إلى صفوف الائتلاف الحكومي. كما أشار الوزير بتسلئيل سموترتش إلى أن هذه الخطة تعني أنه سيحافظ على حكمته حتى انتهاء ولايتها القانونية، وفقًا لما ذكره شلحت.
ويعتبر شلحت، في حديثه إلى التلفزيون العربي من عكا، أن الهدف من الخطة سياسي بامتياز، ويُنظر إليها كهدية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضمان بقاء ائتلافه.
كما يشير شلحت إلى مخاوف من أن تقوم إسرائيل بعمليات تهجير قسرية تطبيقًا لخطة ترمب، وهو ما ألمح إليه سموترتش. ويرى شلحت أن أحد التداعيات الخطيرة لهذه الخطة يتمثل في أن ترمب يتعامل مع قطاع غزة “كحيز عقاري”، رغم أنه من المعروف سياسيًا أن قطاع غزة هو جزء من الأراضي الفلسطينية.
ويعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنه يجب إعادة إعمار القطاع ضمن خطة لليوم التالي، على أن تكون السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الحكم فيه.
تقويض اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
بدوره، يشير أستاذ العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد، إلى أن ترحيب اليمين الإسرائيلي المتطرف بخطة ترمب يترك تداعيات على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة ويعرقل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشمل المفاوضات والوقف الدائم لإطلاق النار، والمرحلة الثالثة التي تتعلق بإعادة الإعمار.
وفي حديثه إلى التلفزيون العربي من القاهرة، يرى أحمد أن خطة ترمب تعني تقويض وقف إطلاق النار، مما يعطي الضوء الأخضر للاحتلال ولنتنياهو للانقلاب على الاتفاق والعودة إلى القتال.
ويعتبر أحمد أن ترمب يريد إعادة إعمار غزة، لكن ليس من أجل الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن الادعاء بأن خروج الفلسطينيين يعد ضرورة لإعادة الإعمار ليس سوى ذريعة، حيث يمكن إعادة البناء في ظل وجود الفلسطينيين.
ويؤكد أن مصر عبرت عن موقف رافض لخطة التهجير، حيث تعتبرها مخططًا لإنهاء القضية الفلسطينية.
ويلفت إلى أن مصر تحاول إقناع الرئيس ترمب بأن التهجير القسري والتدمير لن يؤمنا السلام في المنطقة، بل إن ذلك يتحقق من خلال حلّ الدولتين، مؤكدًا تمسك الغزيين بأرضهم.
كما يعتبر أنه لا يمكن النظر إلى خطة ترمب على أنها بريئة، خاصة وأن الولايات المتحدة هي من دعمت إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة بالأسلحة لتطبيق سياسة الأرض المحروقة في القطاع.