بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل عند الساعة الرابعة فجر الأربعاء بتوقيت بيروت (2 بتوقيت غرينتش)، لينهي المعارك بين الجانبين التي استمرت منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصارت على نطاق واسع في الشهرين الأخيرين.
وبعد نحو عام من تبادل القصف عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، كثّفت تل أبيب غاراتها الدموية على لبنان اعتبارًا من 23 سبتمبر/ أيلول، وبدأت عمليات برية في جنوب لبنان اعتبارًا من 30 منه.
بدء سريان وقف إطلاق النار في لبنان
ومع بدء سريان وقف إطلاق النار، بدأ عدد كبير من اللبنانيين في العودة إلى مناطقهم بالجنوب.
لكن ما أن دخلت الهدنة حيز التنفيذ حتى وجّه الجيش الإسرائيلي تحذيرًا إلى النازحين من جنوب لبنان من العودة إلى منازلهم أو الاقتراب من مواقعه في هذه المنطقة.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي عبر حسابه في منصة إكس إنّه “بناء على بنود الاتفاق” فإنّ الجيش الإسرائيلي “يبقى منتشرًا في مواقعه داخل جنوب لبنان”، مضيفًا: “سنقوم بإبلاغكم عن الموعد الآمن للعودة إلى منازلكم”، وفق قوله.
من جهته، لم يعلق حزب الله رسميًا على وقف إطلاق النار، لكن المسؤول الكبير بالجماعة حسن فضل الله قال لقناة الجديد التلفزيونية اللبنانية: “في حين يدعم حزب الله بسط سلطة الدولة اللبنانية، فإن الحزب سيخرج من الحرب أقوى”.
وقال فضل الله، وهو نائب عن حزب الله في مجلس النواب اللبناني: “نحن حريصون دائمًا على جيشنا الوطني وعلى قوته وتماسكه وهو موجود في الجنوب ويعزز انتشاره وهو السلطة الرسمية ونحن مع بسط سلطة الدولة”.
وأضاف: “حزب الله سيخرج من هذه الحرب أكثر قوة والمقاومة باقية.. سيكون هناك آلاف مؤلفة التي ستنضم للمقاومة.. نزع سلاح المقاومة كان طرحًا إسرائيليًا وسقط”.
بايدن يعلن موافقة لبنان وإسرائيل على اتفاق وقف النار
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن مساء الثلاثاء عن التوصل لهذه الهدنة ومدّتها 60 يومًا، مشيرًا إلى أنّها تهدف “لأن تكون دائمة”، ومحذرًا من أنه لن يُسمح “لما تبقى من حزب الله (…) بتهديد أمن إسرائيل مرة أخرى”، وفق قوله.
وأتى إعلان الرئيس الأميركي بعيد تشديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن الاتفاق يتيح لجيشه “حرية التحرّك” في لبنان، ويؤدي إلى “عزل” حركة حماس في قطاع غزة ويسمح لتل أبيب بـ”التركيز على التهديد الإيراني”.
وأعلن مكتب نتنياهو أنّ مجلس الوزراء الأمني المصغّر وافق على الاتفاق، مشيرًا إلى أن عشرة وزراء صوّتوا مع الاتفاق، مقابل صوت واحد ضدّه.
وفي خطاب ألقاه في البيت الأبيض، قال بايدن: إنه بموجب الاتفاق فإنّ “القتال عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية سينتهي. تهدف هذه (الهدنة) لأن تكون وقفًا دائمًا للأعمال العدائية”.
وشدّد الرئيس الأميركي على أنّ “ما تبقّى من حزب الله وغيره – من المنظمات الإرهابية لن يُسمح له – أؤكد – لن يُسمح له بتهديد أمن إسرائيل مرة أخرى”، حسب قوله.
وفي خطابه قال بايدن إنه تحدث هاتفيًا مع نتنياهو ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي اللذين أبلغاه “موافقة حكومتيهما على المقترح الأميركي لإنهاء النزاع المدمّر بن إسرائيل وحزب الله”.
من جهته، قال مكتب نتنياهو إن رئيس الوزراء الإسرائيلي شكر لبايدن “جهوده” لإبرام الاتفاق.
ولم ينشر نص الاتفاق رسميًا، لكن بايدن أوضح أنه “على مدى الستين يومًا المقبلة، سينتشر الجيش اللبناني والقوات الأمنية الحكومية وسيسيطران على أراضيهما مرة أخرى”.
وأضاف أنه بموجب الاتفاق “لن يُسمح بإعادة بناء البنى التحتية الإرهابية لحزب الله في جنوب لبنان”، وبالمقابل فإنه “على مدى الستين يومًا المقبلة، ستقوم إسرائيل بسحب ما تبقى من قواتها تدريجيًا”.
وتابع الرئيس الأميركي “دعوني أكون واضحًا: إذا خرق حزب الله أو أي أحد آخر الاتفاق وشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، فإن إسرائيل تحتفظ بحقّ الدفاع عن النفس بما يتفق مع القانون الدولي، تماماً كأيّ دولة عندما تواجه تنظيمًا إرهابيًا يريد تدميرها”.
وإذ وصف بايدن التوصل إلى هذا الاتفاق بأنه “نبأ سار”، توجه بالشكر إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لمشاركته في الجهود التي بذلت.
من جهته، أعرب ماكرون من جهته عن أمله في أن يؤدي هذا الاتفاق إلى “فتح الطريق أمام وقف للنار طال انتظاره” في قطاع غزة.
وبحسب مسؤول أميركي كبير فإنّ الاتفاق ينصّ على تشكل آلية خماسية برئاسة الولايات المتحدة وعضوية كل من فرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وإسرائيل ولبنان، تكون مهمتها السهر على حسن تطبيق الهدنة.
وفي بيان مشترك، أعلنت باريس وواشنطن أنهما ستعملان “مع إسرائيل ولبنان على التأكد من التطبيق الكامل” لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.
وقال البيان إن وقف إطلاق النار سيحمي إسرائيل من “تهديد حزب الله” المدعوم من إيران ويوفّر الظروف “لهدوء دائم”.
وقال نتنياهو في كلمة تناولت الاتفاق: إنه “بالاتفاق الكامل مع الولايات المتحدة، نحتفظ بالحرية التامّة للتحرك عسكريًا” في لبنان”، مؤكدًا أنه “إذا انتهك حزب الله الاتفاق وحاول إعادة التسلح، سنهاجم”.
ولفت نتنياهو إلى أن الهدنة ستتيح لإسرائيل “التركيز على التهديد الإيراني”.
“خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان”.
وقبل أقل من ساعة من بدء الهدنة استمرت الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان، بينما أعلن حزب الله أنّه قصف مساء الثلاثاء “أهداًفا عسكرية حسّاسة” في تل أبيب وضواحيها بمسيّرات “نوعية”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن وقف إطلاق النار سيساعد في وضع حدّ للنزاع في غزة.
من جهته، اعتبر ميقاتي أنّ الاتفاق “خطوة أساسية نحو بسط الهدوء والاستقرار في لبنان”.
وأكد ميقاتي في بيان “التزام الحكومة بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 وتعزيز حضور الجيش في الجنوب والتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”.
وصدر قرار مجلس الأمن الدولي 1701 في عام 2006 بعد حرب على لبنان استمرت 33 يومًا، وينصّ على أن ينتشر في جنوب لبنان الجيش اللبناني وجنود قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفل).
ردود فعل على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
وتعليقًا على وقف إطلاق النار في لبنان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في بيان: إن الجمهورية الإسلامية “ترحب بنبأ انتهاء عدوان الكيان الصهيوني على لبنان”، و”تؤكد دعمها الراسخ للبنان حكومة وشعبا ومقاومة”.
من جهتها، رحّبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك باتفاق وقف إطلاق النار، واصفة إياه بـ”شعاع من الأمل للمنطقة بأكملها”.
وقالت في بيان: إن “الناس على جانبي الحدود يريدون العيش في أمان فعلي ومستدام”، معتبرة أن الاتفاق هو “نجاح للدبلوماسية”.
كما رحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بالاتفاق، ووصفته بأنه “نبأ مشجع للغاية”، وسيعزّز “الأمن الداخلي والاستقرار” في لبنان.
واعتبرت فون دير لايين في منشور على منصة إكس أن الاتفاق محل ترحيب “في المقام الأول بالنسبة للشعبين اللبناني والإسرائيلي المتضررين من جراء القتال”، وأضافت “ستكون الفرصة متاحة للبنان لتعزيز الأمن الداخلي والاستقرار بفضل انحسار نفوذ حزب الله”، حسب قولها.
من ناحيتها، قالت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جانين بلاسخارت: إن “هذا الاتفاق المفصلي يمثّل نقطة انطلاق لعملية حاسمة” لضمان سلامة المدنيين على جانبي الخط الأزرق، وهو خط رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل، وإن “هناك الكثير من العمل يلوح في الأفق لضمان استدامة الاتفاق”.