بعد ثلاث سنوات من الدعم الأميركي لأوكرانيا، يبدو أن الرئيس دونالد ترمب يريد ثمنًا لموقف بلاده “المدافع عن الديمقراطية”، حيث كشف أنه يريد المعادن النادرة مقابل المساعدات الأميركية لكييف.
وفي حديث تلفزيوني، أكّد الرئيس الأميركي أنه “لا يمكن الاستمرار في دفع هذه الأموال”، ويريد إبرام صفقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وحدّد الرئيس الجمهوري مبلغ المساعدات المقدمة بـ500 مليار دولار، رغم أن تقرير أبحاث الكونغرس قدّر في يناير/ كانون الثاني الماضي، حجم المساعدات الأميركية المقدمة لأوكرانيا بنحو 174 مليار دولار.
ولا يبدو أن ترمب يقدم جديدًا، فقد أدرك الجمهوريون منذ فترة طويلة القيمة الإستراتيجية لموارد أوكرانيا. ووفق موقع “بوليتيكو”، قال السيناتور ليندسي غراهام العام الماضي: “لا أريد أن أعطي تلك الأموال وتلك الأصول للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليتقاسمها مع الصين”.
وأضاف: “إذا ساعدنا أوكرانيا الآن، فيمكنها أن تصبح أفضل شريك تجاري حلمنا به على الإطلاق”. وتابع: “نحن ننظر إلى الاستثمارات الأميركية والأوروبية في استخراج المعادن في المقام الأول كعنصر من الضمانات الأمنية”.
لكنّ كييف رفضت عرض ترمب، وقال رئيس مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك: “إن الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه يجب أن يلبي المصالح الوطنية لأوكرانيا وفي الوقت نفسه يكون مثيرًا لاهتمام لشركائنا”.
كما قالت النائبة الأولى لرئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد يوليا سفيريدينكو، في مؤتمر صحفي في أوكرانيا، إن أوكرانيا تمتلك موارد طبيعية بقيمة 350 مليار دولار في الأراضي التي تحتلها روسيا، وفق ما أورد موقع “كييف إنديبندنت”.
ما قيمة ثروة أوكرانيا؟
تمتلك أوكرانيا رواسب قابلة للاستخدام تجاريًا من معظم المعادن الصناعية الرئيسية، مع احتياطيات محتملة تصل قيمتها إلى 11.5 تريليون دولار، وفقًا لما كشفته مجلة “فورين بوليسي” استنادًا إلى وثائق الحكومة الأوكرانية.
وتعد أوكرانيا بلدًا غنيًا بالتيتانيوم والحديد والنيون والنيكل وغيرها من المواد التي تعتبرها وكالة الطاقة الدولية ضرورية لتحول الطاقة العالمي ونمو التكنولوجيا.
ووفقًا للباحثين في الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا، تمتلك البلاد ما يقدر بنحو 500 ألف طن من الليثيوم، متفوقة على البرتغال كأكبر مصدر لليثيوم في أوروبا.
وفي عام 2022، أفادت خدمة أخبار الأمم المتحدة باللغة الروسية بأن مخزون أوكرانيا من 21 عنصرًا أرضيًا نادرًا من قائمة الثلاثين مادة التي يعرّفها الاتحاد الأوروبي على أنها “مواد خام حرجة”، تمثل نحو 5% من احتياطيات العالم.
وقد أكدت ذلك نائبة وزير حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكرانية، سفيتلانا غرينشوك، في حديثها خلال اجتماع للجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة في عام 2022 قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، مشيرة إلى أن نحو 5% من جميع “المواد الخام الحيوية” في العالم موجودة في أوكرانيا.
وتعتبر هذه المواد أساسية في إنتاج الأجهزة اللازمة لتطوير الطاقة “الخضراء”. وتشمل هذه المواد الليثيوم والكوبالت والسكانديوم والغرافيت والتنتالوم والنيوبيوم، بحسب مركز المعلومات الإقليمي لأوروبا الغربية.
وفي عام 2022، نشرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) قائمة تضم 50 معدنًا، من الألومنيوم إلى الزركونيوم، والتي اعتبرتها “تلعب دورًا مهمًا في أمننا القومي، واقتصادنا، وتطوير الطاقة المتجددة، والبنية التحتية”.
وكانت الشوائب البارزة هي الزرنيخ لأشباه الموصلات؛ والبريليوم، المستخدم كعامل صناعة السبائك في صناعات الطيران والدفاع؛ والكوبالت والليثيوم والغرافيت، وهي عناصر ضرورية لتصنيع البطاريات؛ والإنديوم، الذي يجعل الشاشات تستجيب للمسة الإصبع؛ والتيلوريوم الذي يستخدم لتوليد الطاقة الشمسية.
كنز من الليثيوم
فقد أصبح الليثيوم، بسبب تخزينه الفعال للطاقة لكل وحدة وزن، لا غنى عنه فعليًا في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
وتقول وزارة حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكرانية إن البلاد تملك الاحتياطي الأضخم من الغرافيت والليثيوم في أوروبا، وتقول إن احتياطيات الغرافيت لديها تشكل 6% من الإجمالي العالمي.
فأوكرانيا تملك كنزًا من الليثيوم. وتبلغ احتياطيات هذا المعدن، الذي يعد في غاية الأهمية من وجهة نظر مصادر الطاقة المتجددة، نحو 500 ألف طن، وفقًا لتقرير الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا. ويوجد حاليًا موقعان لهذا المعدن في مناطق النزاع وهما شيفتشينكيفسكي في دونيتسك وكروتا بالكا في زابوريجيا.
التيتانيوم واليورانيوم
وتقول أوكرانيا أيضًا إن لديها أكبر احتياطي من التيتانيوم في أوروبا، والذي تؤكد إنه “قادر على تلبية الطلب على التيتانيوم المعدني في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمدة 25 عامًا”.
تمتلك أوكرانيا نحو 500 ألف طن من الليثيوم- غيتي
كما تملك أوكرانيا أكبر احتياطي من اليورانيوم في أوروبا، وتقول إن احتياطياتها من البيريليوم “قادرة على تلبية 40 عامًا من الإنتاج العالمي”.
وتعتبر الموارد الطبيعية التي تملكها أوكرانيا حاسمة في إنتاج البطاريات والدروع والمواد الدفاعية والوقود النووي.
طلب متزايد على العناصر النادرة
كما يتزايد الطلب على الغرافيت والنيكل والعناصر الأرضية النادرة الأخرى، حيث تشير تقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يحتاج إلى مضاعفة ثلاثة أضعاف حتى يتمكن العالم من الوصول إلى مسار صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.
وأفادت لجنة متخصصة من الخبراء شكلها غوتيريش في عام 2024 بأن تحول الطاقة من المصادر الأحفورية إلى التقنيات النظيفة سيضاعف الحاجة إلى النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت ومواد أخرى بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يزيد الطلب على النحاس والمواد النادرة على مدار العقدين المقبلين بأكثر من 40%، والنيكل والكوبالت بنسبة 60 إلى 70%، والليثيوم بنحو 90%.
لماذا يريد دونالد ترمب المعادن الحيوية في أوكرانيا؟
وبحسب صحيفة “الغارديان”، هناك سبب واحد رئيسي وراء حرص ترمب على وضع يديه على المعادن الحيوية في أوكرانيا وهو الصين.
فقد أصبحت القوة العظمى الآسيوية، أكثر من أي وقت مضى، مصنع العالم، وهذا يعني أنه أينما يتم استخراج المعادن المهمة من الأرض في العالم، فإنها تظل نقطة انطلاق حاسمة في سلسلة التوريد.
تملك أوكرانيا أكبر احتياطي من التيتانيوم في أوروبا- غيتي
وتوجد معظم الطاقة المعالجة للمعادن الحيوية في العالم في الصين. ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تبلغ حصة الصين من التكرير نحو 35% من النيكل، و50% إلى 70% من الليثيوم والكوبالت، وما يقرب من 90% من العناصر الأرضية النادرة. وهيمنتها في الأخير، على وجه الخصوص، ساحقة.
ووفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، استحوذت الصين في عام 2024 على ما يقرب من نصف احتياطيات الطاقة المتجددة في العالم.
ومع قيام ترمب فعليًا بالتحريض على حرب تجارية مع الصين من خلال فرضه رسومًا جمركية باهظة على البضائع الصينية، فمن المحتمل أن يكون وصول الولايات المتحدة إلى المعادن الحيوية تحت التهديد.
وانطلاقًا من أهمية الثروة المعدنية في اقتصاد المستقبل، إذا لم تضع الولايات المتحدة يديها عليها، فسوف تفعلها دولة أخرى.
وإذا نجح ترمب بالحصول على المواد النادرة الأوكرانية، سيقلل من اعتماد الولايات المتحدة على الصين وروسيا لاستيراد هذه المعادن، وتقول وزارة الموارد الطبيعية الأوكرانية إن أكثر من نصف إمدادات اليورانيوم في العالم تأتي من هذين البلدين.