أثار قرار البنك المركزي المصري «خفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2020 بعد تثبيت لـ7 مرات متتالية»، تساؤلات بشـأن تداعيات ذلك على الغلاء في البلاد.
فيما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار (خفض الفائدة) لن يقود بالضرورة لخفض أسعار السلع التي يشكو المصريون من ارتفاعها بشكل مستمر».
وأقرت لجنة السياسية النقدية بالبنك المركزي المصري، مساء الخميس، في اجتماعها الثاني خلال عام 2025، خفضَ سعرَيْ عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 225 نقطة أساس إلى 25 في المائة و26 في المائة و25.5 في المائة على الترتيب، كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم إلى 25.5 في المائة.
وأوضح «المركزي»، في بيان، أن خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 225 نقطة أساس يُعد «مناسباً للحفاظ على سياسة نقدية ملائمة تهدف إلى ترسيخ التوقعات ودعم المسار النزولي المتوقع للتضخم».
وكان يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 قد شهد آخر خفض قام به البنك المركزي المصري لسعر الفائدة بنسبة 0.5 في المائة على الجنيه، قبل أن يعود البنك المركزي إلى رفع وتيرة سعر الفائدة بإجمالي 1900 نقطة أساس من مارس (آذار) 2022 حتى مارس 2024.
قرار «المركزي» لاقى تفاعلاً بين المصريين، وتم تداوله بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة، وسط ترقب لانعكاساته على أسعار السلع.
الباحث في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السويس، محمد البهواشي، قال إنه «رغم أن الغرض من قرار خفض أسعار الفائدة تخفيض التكلفة الاستثمارية للمشروعات بسبب تقليل تكلفة الاقتراض، مما يقود لزيادة حجم الإنتاج وتقليل سعر المنتج النهائي، فإنه – واقعياً – قد يقود القرار لزيادة أسعار السلع وحدوث تضخم مرتفع».
وشرح أن «القرار بالطبع سيؤدي لخروج الكثير من الودائع الموجود بالبنوك إلى الأسواق مرة أخرى، مما سيجعل هناك وفرة غير مسبوقة في السيولة النقدية، وإذا لم يتم تحجيمها وإدارتها جيداً عبر توفير معروض سلعي كبير يقابل تلك السيولة، فستحدث زيادة كبيرة في أسعار السلع».
تجدر الإشارة إلى أن «المركزي المصري» نوه في قرار «خفض الفائدة» إلى أن الأداء الشهري لمعدل التضخم منذ بداية العام «بدأ في الاقتراب من نمطه المعتاد تاريخياً، مما يشير إلى تحسن توقعات التضخم»، متوقعاً أن يستمر التضخم في الانخفاض خلال عامي 2025 و2026، «وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالربع الأول من 2025».
لكن في الوقت نفسه، لمح «المركزي» إلى أن توقعات التضخم عُرضة لمخاطر صعودية «في ظل احتمال تجاوز إجراءات ضبط المالية العامة تأثيرها المتوقع، فضلاً عن حالة عدم اليقين بشأن تأثير الحرب التجارية الصينية – الأميركية الحالية، والتصعيد المحتمل للصراعات الجيوسياسية الإقليمية».
المستشار الاقتصادي، خبير أسواق المال، وائل النحاس، يرى أن «الحيثيات التي ساقها البنك المركزي تتعارض مع القرار نفسه، حيث إنه تحدث عن وجود تأثيرات لحالة الضبابية العالمية بسبب الحرب التجارية والصراعات الجيوسياسية، مما يجعل هناك موجات صعود متوقعة للتضخم، ومن ثم فإن القرار الأوقع كان يجب أن يكون تثبيت الفائدة لمعرفة إلى أين ستستقر الأحوال العالمية؟».
وأوضح النحاس أن «صندوق النقد الدولي نفسه أكد أن لكل دولة الحرية في اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تحفظ استقرار اقتصادها في ظل الحروب التجارية الحادثة حالياً، ومن ثم كان يجب التريث قبل اتخاذ هذا القرار حتى ولو كان هدفه تنفيذ متطلبات مؤسسات التمويل الدولية من أجل القروض».
وشدد على أن هدف القرار «على ما يبدو رغبة من الحكومة في تخفيض تكلفة الدين الخارجي، حيث سيؤدي ذلك لوفر نحو 100 مليار جنيه سنوية كخدمة دين، ولكن في الوقت نفسه سيؤدي لتحول الناس إلى الدولار بسبب خفض سعر العائد على الجنيه وبالتالي سيصعد سعر الدولار أكثر وهو ما سيزيد من معدل التضخم بشكل كبير». (الدولار الأميركي يساوي 51 جنيهاً في البنوك المصرية).
واتفقت الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي في مارس 2024 على قرض ميسر لمصر بقيمة 8 مليارات دولارات على دفعات تنتهي في 2026، مقابل الالتزام ببعض الشروط الخاصة بمرونة أكثر في سعر صرف الجنيه، ورفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات، والتوسع في دور القطاع الخاص داخل الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجاً، وخفض الدين العام، وخفض الأموال الممنوحة للدعم مع توجيهها إلى الفئات الأكثر استحقاقاً.
وقررت الحكومة قبل أيام زيادة أسعار المحروقات بنسبة اقتربت من 15 في المائة، مما دفع المراقبين لترجيح أن يؤدي ذلك بالتبعية لزيادة كبيرة في أسعار السلع وارتفاع معدل التضخم.
عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع»، وليد جاب الله، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار خفض الفائدة له عدة تأثيرات متشابكة يجب انتظار كيفية تفاعلها معاً لرؤية النتيجة، وإذا ما كانت تقود لخفض الأسعار أم لا؟». وأوضح أن «القرار بالقطع سيخفض تكلفة الإنتاج والاستيراد وسيشجع الاستثمارات؛ لكن في الوقت نفسه ستخرج الأموال الساخنة لأسواق أخرى وأيضاً ستخرج ودائع المصريين من البنوك، وهذا سيجعل هناك وفرة نقدية تؤدي لارتفاع الأسعار إذا لم تتوفر السلع بالشكل الكافي».
يشار إلى أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 12.8 في المائة، فبراير (شباط) الماضي، مقابل 24 في المائة، يناير (كانون الثاني) 2025، وفقاً لبيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.