الدوحة- خلص أكاديميون وباحثون سودانيون -اليوم الخميس- إلى أن أزمة السودان أعمق من الصراع المسلح الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، فهي مرتبطة بالفشل في بناء نموذج لدولة وطنية تجمع أطياف المجتمع كافة، ودعا المشاركون في ندوة عقدها مركز الجزيرة للدراسات إلى نبذ لغة العنف اللفظي والإقصاء، وإقامة حوار وطني لبناء توافق بين مكونات المجتمع.
ويرى إبراهيم الزين، أستاذ الدراسات الإسلامية ومقارنة الأديان في جامعة حمد بن خليفة في قطر، أن حل الأزمة التي يعيشها السودان يقتضي “محاربة الإقصاء والعنف اللفظي في صفوف القوى السياسية والمؤسسة العسكرية، وإعلاء قيم الديمقراطية وقبول الآخر”.
ويوضح الزين أن العنف اللفظي هو الذي يدفع الأطراف السياسية والعسكرية إلى حمل السلاح لمواجهة الطرف الآخر، وشدد على أن هذا العنف هو الذي أدى إلى انفصال جنوب السودان وإلى الحرب في إقليم دارفور غربي السودان.
وحسب الأكاديمي السوداني، فإن الدرس المستفاد مما يجري حاليا في السودان ومن النزاعات السابقة هو أنه يجب على الجيش ألا يدمج في صفوفه أي حركة أو فصيل رفع السلاح في وجه الدولة، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
ثلاثة سيناريوهات
وتحدث عبد الفتاح محمد رئيس وحدة دراسات اللاجئين والعمل الإنساني في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالدوحة عن 3 سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأزمة السودانية الحالية.
وأول هذه السيناريوهات أن يصل الصراع إلى “حالة النضج”، بحيث يدرك الطرفان المتصارعان أن الخسائر التي لحقت بهما أكبر من المكاسب التي حققاها، ومن ثم يتوقفا عن الاقتتال.
وأما السيناريو الثاني، فيتمثل في توصل الطرفين إلى اتفاق بينهما حتى ولو لم يكن يحظى بدعم شعبي، في حين يتمثل السيناريو الثالث في أن تحل قيادات جديدة محل القيادات الحالية لكل من الجيش والدعم السريع.
ويشدد عبد الفتاح محمد على أنه لا مخرج للسودان من هذه الأزمة إلا بالدخول في حوار وطني سوداني بمشاركة القوى كافة، شريطة وضع كل الشروط والضمانات الضرورية لإنجاح الحوار، مع توفر دعم دولي.
ويذهب حامد التجاني، عميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا، إلى أن إنهاء وجود الدعم السريع هي مسألة وقت فقط، موضحا أن ذلك سيتم إما بالإدماج في الجيش أو بسحقه عسكريا، ويضيف أنه لا مستقبل للدعم السريع في السودان، لأنه لا يتوفر على حاضنة شعبية أو قبلية.
ولكن السؤال الأهم -يضيف الأكاديمي السوداني- يتصل بمدى قدرة الشعب السوداني على خلق توافق وطني ومراجعة نموذج دولة ما بعد الاحتلال.
تطهير الجيش
واعتبر الكاتب السياسي السوداني محمد سليمان أن الحل لأزمة السودان يبدأ بتطهير الجيش من سيطرة وهيمنة الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على التجنيد العسكري، على حد قوله. ويضيف سليمان أن الجيش لم يعد مؤسسة وطنية جراء هيمنة فصيل سياسي عليه.
ويرى المتحدث نفسه أنه لا يمكن للحل في السودان أن يكون عسكريا، ولكنه رهين بناء توافق وطني لحل المشكلات واستيعاب الجميع، وفي الوقت ذاته شدد على ضرورة محاسبة قادة الجيش والدعم السريع على ما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات.
تداعيات الصراع
ويصر التجاني على أن “وعي السودانيين لن يسمح بتحول الصراع الحالي إلى حرب أهلية”، مضيفا أن الشعب السوداني “سئم الحروب والنزاعات، لأنه عانى منها الويلات في العقود الماضية”.
واستدل الأكاديمي السوداني على قوله بما وقع في إقليم دارفور، حيث استطاع المجتمع المحلي منع تفجر الوضع الأمني جراء المعارك الحالية بين الجيش والدعم السريع.
من جهته، حذر عبد الفتاح محمد من وجود خطر انتقال الصراع في السودان إلى دول الجوار التي تعاني أصلا من مشكلات سياسية وأمنية، مثل ليبيا وجنوب السودان وإثيوبيا، كما أن ثمة خطرا من أن يتحول السودان إلى صومال جديد.
في حين يركز الكاتب السياسي سليمان على جانب محدد في التداعيات المحتملة للصراع الحالي في السودان، مشيرا إلى أن “الخطورة الحقيقية هي أن يؤدي الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى توطين الجماعات الإرهابية في السودان، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرهما”.