جذب المكتب البيضاوي أنظار العالم عندما شهد على أول مشادة كلامية بين رئيسي دولتين على الهواء مباشرة وأمام عدسات مصورين من أنحاء العالم كافة.
فحين عقد اللقاء بين رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 28 فبراير/ شباط الماضي، لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل إلى مواجهة كلامية حادة، ستحفر في سجل مكتب الرئاسة الأميركية المميز من حيث الشكل والأهمية.
وقبل هذه اللحظة الدبلوماسية، وثّق المكتب البيضاوي مواقف لا تُنسى، حيث ظلّ المكتب الرئيسي لرئيس الولايات المتحدة الأميركية منذ أن بدأ الرئيس ويليام هوارد تافت العمل فيه في أكتوبر/ تشرين الأول 1909.
تصميم مستوحى من الغرفة الزرقاء
بعد تنصيبه، أقام الرئيس تافت مسابقة لاختيار مهندس معماري لتوسيع وجعل المكتب التنفيذي “المؤقت” للجناح الغربي، الذي بُني خلال إدارة ثيودور روزفلت، دائمًا، حيث أمر تافت بتوسيع الهيكل الحالي باتجاه الجنوب.
وكان المهندس المعماري ناثان سي. وايث من واشنطن العاصمة هو الفائز الذي صمم التوسعة ومكتبًا جديدًا للرئيس.
الغرفة الزرقاء في البيت الأبيض- غيتي
وقد استوحى وايث تصميم مكتب الرئيس الجديد من أشهر غرفة بيضاوية في البيت الأبيض- الغرفة الزرقاء، بحسب موقع “وايت هاوس هستوري”.
وقبل الانتقال إلى بيت الرئيس في فيلادلفيا في أواخر عام 1790، أمر جورج واشنطن بإعادة بناء الجدران الخلفية المستقيمة للمنزل إلى شكل نصف دائري. وقد تكون هذه الجدران المنحنية مصدر إلهام الشكل البيضاوي للغرفة الزرقاء، حيث كانت الغرفة في الطابق الأول هي غرفة الطعام الرسمية للرئيس واشنطن.
مساحة استقبال
ويبدو أن هذا الشكل المميز كان مفضّلاً لدى واشنطن لخلق مساحة مناسبة لاستقبال رسمي يُعرف باسم “الليفي”.
كان “الليفي”، وهو تقليد تطور من البلاط الإنكليزي، مناسبة للسماح لرجال بارزين بمقابلة الرئيس. كان الحدث، المليء بالملابس الرسمية والأبازيم الفضية والشعر المستعار، احتفالًا عامًا صارمًا. يدخل الضيوف المدعوون الغرفة ويسيرون نحو الرئيس الواقف أمام المدفأة، ينحنون بينما يعلن مساعد رئاسي أسماءهم بصوت منخفض. ثم يتراجع الزائر إلى مكانه. وبعد خمس عشرة دقيقة، تُغلق الأبواب ويتجمع الحضور في نصف دائرة.
ثم يتجول الرئيس في الغرفة، مخاطبًا كل رجل باسمه من الذاكرة ببعض المجاملات أو الملاحظات المدروسة للتهنئة، والتي قد تحمل دلالة سياسية. ينحني قليلاً، لكنه لا يصافح أبدًا. وعندما ينهى التجول في الدائرة، يعود الرئيس إلى مكانه أمام المدفأة ويقف. وبإشارة من مساعده، يتقدم الضيوف إليه، واحدًا تلو الآخر، ينحنون دون قول أي شيء، ويغادرون الغرفة.
ويليام هوارد تافت، الرئيس السابع والعشرين للولايات المتحدة، أول رئيس يدخل المكتب البيضاوي- غيتي
كان الجميع يقفون على مسافة متساوية من الرئيس وبذلك أصبحت الدائرة رمزًا للديمقراطية، ومن المرجح أن واشنطن تصور الغرفة الزرقاء البيضاوية باعتبارها المكان المثالي لاستضافة “الليفي”.
ويليام هوارد تافت أول رئيس يدخل المكتب البيضاوي
وفي صباح أحد أيام شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1909، أصبح الرئيس ويليام هوارد تافت، الرئيس السابع والعشرين للولايات المتحدة، أول رئيس يدخل المكتب البيضاوي، وفق لموقع “وايت هاوس هستوري”.
وحينها زُوّد المكتب بستائر حريرية مخملية وأرضية رقعة الشطرنج المصنوعة من خشب المهاجوا من الفلبين. وكان جلد الوعل المغطى بمسامير نحاسية يكسو كراسي الغرفة. وقد اختار الرئيس تافت نظام الألوان الأخضر الزيتوني.
المكتب البيضاوي للرئيس هاري ترومان- موقع ترومان ليبراري
كان المكتب البيضاوي مختلفًا عن مكتب الرئيس ثيودور روزفلت، الذي بنى الجناح الغربي في عام 1902. وكان مكتب روزفلت مستطيلًا، بينما نقل تافت المكتب وغير شكله إلى شكل بيضاوي، مثل الغرفة الزرقاء في البيت الأبيض.
وبالنسبة للرئيس تافت، كان المكتب البيضاوي يرمز إلى وجهة نظره للرئيس المعاصر. كان تافت ينوي أن يكون مركزًا لإدارته، ومن خلال إنشاء المكتب البيضاوي في وسط الجناح الغربي، كان أكثر انخراطًا في العمليات اليومية لرئاسته أكثر من أسلافه.
المكتب البيضاوي رمز للرئاسة
وما لم يكن باستطاعة الرئيس تافت أن يتخيله في عام 1909 عندما بنى المكتب البيضاوي هو أن المكتب نفسه سيصبح رمزًا للرئاسة.
وعلى مر السنين، طور الأميركيون ارتباطًا عاطفيًا بالمكتب البيضاوي من خلال الصور التي لا تُنسى، مثل جون كينيدي الابن وهو يحدق في اللوحة الأمامية لمكتب والده أو الرئيس نيكسون وهو يتحدث عبر الهاتف مع رواد الفضاء بعد رحلة ناجحة.
لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي- غيتي
كما ترك البث التلفزيوني انطباعات دائمة في أذهان الأميركيين عن المكتب وشاغليه. فمن ينسى خطاب الرئيس ريغان في أعقاب انفجار تشالنجر.
كذلك أصبح المكتب البيضاوي رمزًا للقوة والطمأنينة مساء يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001، عندما ألقى الرئيس جورج دبليو بوش كلمات مطمئنة من خلال خطاب متلفز من المكتب البيضاوي.
وبعد أقل من ستة أشهر، رحب الرئيس جورج دبليو بوش بالسلطة الأفغانية المؤقتة حامد كرزاي في المكتب البيضاوي. وكان الاجتماع علامة على التقدم الكبير في الحرب على الإرهاب.
وأخيرًا شهد المكتب البيضاوي أول مشادة كلامية بين رئيس أميركي ورئيس ضيف على الهواء مباشرة أمام عدسات المصورين.
علا صوت دونالد ترمب واتهمت نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه يشعل شرارة حرب علمية ثالثة. ليرد الأخير بأن الرئيس الروسي هو من دفع إلى الحرب وعليه تحمل نتائجها.