مجلس الأمن يندد بـ«فظائع» الفاشر ويؤكد التزامه بوحدة السودان
ندد مجلس الأمن، بعيد جلسة طارئة له، يوم الخميس، في شأن الأوضاع المتردية في السودان، بهجوم «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر، وبـ«الفظائع» التي ترتكبها ضد السكان المدنيين، مؤكداً «التزامه الراسخ» بسيادة السودان ووحدة أراضيه، بموازاة رفض إنشاء «سلطة حاكمة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع».
وجاء في البيان الذي صدر بإجماع الأعضاء الـ15 في المجلس أنهم «يعبرون عن قلقهم البالغ» من تصاعد العنف في الفاشر وحولها. ونددوا بـ«هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر وأثره المدمر على السكان المدنيين». و حضوا «قوات الدعم السريع بشدة» على تنفيذ أحكام القرار 2736 الذي يطالبها «برفع الحصار عن الفاشر وبالوقف الفوري للقتال» في المدينة وحولها.
وكذلك نددوا بالفظائع المبلغ عنها التي ترتكبها «قوات الدعم السريع» ضد السكان المدنيين، بما في ذلك عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والاعتقالات التعسفية، وأعربوا عن «قلقهم البالغ إزاء تزايد خطر وقوع فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الفظائع ذات الدوافع العرقية»، ودعوا إلى «محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات».
التزامات قاطعة
وطالب أعضاء المجلس جميع أطراف النزاع «بحماية المدنيين والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، والوفاء بالقرار 2736، وكذلك الوفاء بالتزاماتهم بموجب إعلان جدة». ودعوا أيضاً جميع أطراف النزاع في السودان إلى «السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق وتسهيله بما يتوافق مع القانون الدولي».
وطالبوا بـ«حماية المدنيين وتوفير ممر آمن لمن يحاولون الفرار من المدينة». وأكدوا أن «الأولوية هي لاستئناف محادثات للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة وجامعة يرأسها السودانيون». وحضوا «كل الدول الأعضاء على الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يهدف إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار، ودعم جهود السلام الدائم، والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2791».
وأكدوا بشكل قاطع، «التزامهم الراسخ بسيادة السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه. وفي هذا الصدد، أكد مجلس الأمن رفضه إنشاء سلطة حاكمة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع».
مجلس الأمن
وعقد مجلس الأمن اجتماعاً عرض فيه للأوضاع في السودان في ظل التصعيد في مدينة الفاشر بشمال دارفور بعد سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها. واستمع الأعضاء خلاله إلى إحاطة من مسؤوليْن أمميين قبل عقد مشاورات مغلقة يتحدث فيها المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان. كما تقدم بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان تقريرها إلى الجمعية العامة.
واستمع أعضاء المجلس إلى إحاطة من مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالشؤون الأفريقية مارثا بوبي، التي قالت إن الدعم الخارجي للأطراف «يُفاقم الصراع»، مشيرة إلى أن «استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين يؤدي إلى تدهور الوضع الصعب بالفعل».
وأضافت أنه في ضوء تدهور الوضع على الأرض في السودان، فإن المبعوث الشخصي للأمين العام رمضان لعمامرة دعا الطرفين لبدء – بشكل منفصل – محادثات تقنية مع الأمم المتحدة تركز على تهدئة التوتر، وحماية المدنيين. وذكرت أن لعمامرة «تلقى إشارات مشجعة من الجانبين بشأن استعدادهما للالتزام بتلك العملية». وحضت الدول الأعضاء المتمتعة بالنفوذ لدى الجانبين، على تشجيعهما على اتخاذ هذه الخطوة المهمة التي قد تؤدي إلى تحسين حماية المدنيين في كل أنحاء السودان.
نحو إجراءات فورية
ومن جهته، عدّ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، طوم فليتشر، أن الفاشر انزلقت إلى ما سماه «جحيم أشد ظلمة» مع ورود تقارير موثوقة عن عمليات إعدام واسعة النطاق بعد دخول مقاتلي «قوات الدعم السريع» إلى المدينة.
وقال: «لا نسمع الصراخ، ولكن – ونحن نجلس هنا اليوم – لا يزال الرعب مستمراً»، إذ «تُغتصب النساء والفتيات، ويُشوه الناس ويُقتلون، في ظل إفلات تام من العقاب». ونبه إلى أن «القتل لم يقتصر على دارفور»، مشيراً إلى حوادث أخرى وقعت في عدة مناطق في السودان بما فيها كردفان.
وعدّ أن أزمة السودان في جوهرها هي أزمة حماية، وكذلك أزمة جوع. وأضاف أن «العنف الجنسي ضد النساء والفتيات ممنهج. والهجمات المميتة ضد العاملين في المجال الإنساني أصبحت أمراً طبيعياً». وأكد أن أطفال السودان يواجهون مخاطر جسيمة بشكل خاص، لأنه «يجري تجنيد عدد لا يحصى من الأطفال قسراً لقتل بعضهم بعضاً. وما يقرب من واحد من كل خمسة مدنيين قتِلوا في الفاشر هذا الشهر كان من الأطفال».
ودعا إلى اتخاذ «إجراءات فورية وحاسمة لوقف الفظائع ضد المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل ودون عوائق في كل أنحاء السودان». وعبر فليتشر عن «الغضب» لطرد السلطات السودانية المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي ومنسق الطوارئ للبرنامج في السودان، من دون إبداء أي تفسير.
وقال إن «ما يحدث في الفاشر يذكر بالأهوال التي تعرضت لها دارفور قبل 20 عاماً. لكن بطريقة ما، نشهد اليوم رد فعل عالمياً مختلفاً تماماً؛ لامبالاة واستسلاماً».
وتحدث المندوب الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع نيابة عن الدول الأفريقية الثلاث في مجلس الأمن (سيراليون والصومال والجزائر) وغويانا، فأشار إلى «الواقع المروع بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر»، محذراً من أن «ذلك يمثل خطوة خطيرة نحو تجزئة السودان».
وإذ أشار إلى مقاطع الفيديو التي تظهر أعمال العنف ضد المدنيين، والتقارير التي تفيد بمقتل 460 مريضاً ومرافقيهم بيد «قوات الدعم السريع» في مستشفى للولادة، قال إن «الفاشر تنزف، وتدعو إلى العدالة، ورد قوي من المجتمع الدولي». وشدد على «ضرورة ألا يبقى مجلس الأمن صامتاً أمام هذه الفظائع التي يجب ألا تُقابل باللامبالاة».
وطالب بـ«مساءلة قوات الدعم السريع على الانتهاكات والفظائع التي ترتكبها»، موضحاً أن «المساءلة أداة ردع قوي وأن على مجلس الأمن ضمان ألا تستمر قوات الدعم السريع في قتل وترويع المدنيين الأبرياء، في ظل الإفلات من العقاب».
بعثة تقصي الحقائق
وتزامنت جلسة مجلس الأمن مع البيان الذي أصدرته بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في شأن السودان، والتي عبرت عن «قلقها البالغ من تصاعد الفظائع التي أحاطت بسقوط مدينة الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع»، وذلك بعد أن قامت بجمع شهادات مباشرة ومروعة من ناجين كشفت عن حدوث هجمات ممنهجة ومستمرة ضد المدنيين.
وقالت إن «تحقيقاتها الأولية تشير إلى نمط متعمد من عمليات الإعدام التي تستهدف المدنيين العزل على أساس عرقي، واعتداءات، وعنف جنسي، ونهب واسع النطاق، وتدمير بنية تحتية حيوية، ونزوح قسري جماعي».
وقال رئيس البعثة محمد شاندي عثمان إنه «بينما الفاشر تحترق، وملايين الناس يواجهون خطر المجاعة، يجب على العالم أن يختار ما بين الصمت أو التضامن»، مضيفاً أنه «طوال فترة الحصار على الفاشر والمخيمات المحيطة بها، تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل متسارع وتعمقت الآن بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة. علينا ضمان أن صرخات الضحايا في السودان لن تتردد في فراغ، بل ستترجَم إلى عمل ملموس».
وعرضت البعثة أحدث تقاريرها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان. وجاء في التقرير الذي يحمل عنوان «السبل نحو العدالة: المساءلة عن الفظائع المرتكبة في السودان»، أن «هناك نمطاً مدمراً من الفظائع التي يرتكبها أطراف النزاع، بما في ذلك جرائم حرب تتمثل في الاعتداء على الحياة والسلامة الشخصية، وانتهاكات جسيمة للكرامة الشخصية، وهجمات متعمدة ضد مدنيين».
وأشارت إلى «وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن كلا الطرفين ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بحق مدنيين، ترقى إلى جرائم فظيعة، مع حرمانهم من العدالة الحقيقية». وإذ حذرت البعثة من الإفلات من العقاب، شددت على أن «مطالب الضحايا لم تعد تحتمل التجاهل، وأن المساءلة عاجلة وقابلة للتحقيق».
ودعا المجتمع الدولي إلى «إنشاء هيئة قضائية مستقلة ومحايدة لوضع حد لعقود من الإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين على أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي»، مؤكدة أن «الهيئة القضائية الجديدة ينبغي أن تعمل بالشراكة مع المحكمة الجنائية الدولية».


