مجددًا، تثير مشاهد الإفراج عن الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة غضب تل أبيب، فانتشار عناصر المقاومة والالتفاف الشعبي ومظاهر الاحتفال وصفها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالصادمة، وأصابته بالهلع الشديد.
كما قال عنها وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير إنها فشل إسرائيلي كامل وليس انتصارًا كاملًا، في إشارة إلى التشكيك في سردية نتنياهو التي روَّجها طيلة شهور الحرب بالنصر المطلق.
وفي المقابل، أكّدت المقاومة الفلسطينية أن المشاهد هي رسالة بأن الفلسطينيين باقون بأرضهم رغم الدمار والخراب بفعل آلة الاحتلال، خاصة وأن عمليات الإفراج الأخيرة وثقت من بين ركام المنازل في جباليا شمالًا، ومن أمام منزل قائد حركة حماس الشهيد يحيى السنوار في خانيونس.
كما أنها تأتي تذكيرًا بوفاء المقاومة في المحافظة على حياة الأسرى، بينما يتعمد الاحتلال ممارسة عمليات إهانة وتعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين وأهاليهم وكل ما يخالف ما ورد باتفاقية جنيف الرابعة.
ورغم محاولة حكومة نتنياهو عرقلة خطوات تسليم الأسرى الفلسطينيين، من خلال الإعلان عن وقف وتأخير عملية الإفراج، إلّا أن ذلك سرعان ما تبدد بعد تدخل الوسطاء. وبدأت تخرج أنباء تفيد بأن مفاوضات المرحلة الثانية من صفقة التبادل ستبدأ بالتزامن مع لقاء نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب، بحسب ما أكده منسق ملف الأسرى والمختفين الإسرائيلي، قائلًا إنهم يستعدون بالفعل لبدء المفاوضات.
“إسرائيل تخرق اتفاق تبادل الأسرى”
وفي هذا الإطار، يشير محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين خالد محاجنة إلى أن إسرائيل تقوم بخرق الاتفاقيات حيث حاولت المماطلة في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مع الإفراج عن الأسيرات الإسرائيليات في قطاع غزة.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من أم الفحم، يعتبر محاجنة أن “المزاعم والادعاءات الواهمة التي تطلقها إسرائيل لا أساس لها من الصحة”.
ويشرح أنه من الناحية القانونية، يتوجب على إسرائيل الالتزام باتفاق تبادل الأسرى الذي وُقع برعاية دولية.
ويعتبر أن ما تقوم به تل أبيب هو التنكيل بالأسرى وحتى اللحظة الأخيرة قبيل الإفراج عنهم، داعيًا الدول الراعية للاتفاق الوقوف على جميع التفاصيل ومنع إسرائيل من أي مماطلة أخرى.
كما يلفت إلى أن أيًا من بنود اتفاق تبادل الأسرى لا ينص على كيفية الإفراج عن الأسرى من قطاع غزة.
مشهدية “تبطل الدعاية الإسرائيلية”
من جانبه، لا يرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي أن تل أبيب تسعى للبحث عن ذرائع من أجل تعطيل عملية تبادل الأسرى، مشيرًا إلى أن إسرائيل عبّرت عن غضبها من مشاهد الإفراج عن الأسرى في خانيونس من دون أن تغلق الباب أمام صفقة التبادل حيث طالبت بضمانات من الوسطاء.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من الخليل، يعتبر الشوبكي أن مشاهد الإفراج عن الأسرى في قطاع غزة تبطل الدعاية الإسرائيلية وما قد قُدم من القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل بشأن تقويض حركة حماس ومقدراتها.
ويشرح رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل أن المعلوم أن حماس موجودة كبنية سياسية ويتم التفاوض معها عبر الوسطاء، لكن مشهد المقدرات العسكرية داخل القطاع يبطل الدعاية الإسرائيلية.
وبشأن التفاعل الإسرائيلي مع مشاهد الإفراج عن الأسرى في غزة، يشير الشوبكي إلى وجهتي نظر، إحداهما تعتبر أن الإدارة السياسية الإسرائيلية ضلّلت الناس وأخرى تطالب باستئناف العملية العسكرية. كما يلفت إلى أن قوى اليمين تستثمر في المشهد لتحقيق أهدافها.
رسائل الزمان والمكان
وفي قراءة للمشهدية التي صدّرها قطاع غزة خلال الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى ضمن المرحلة الأولى من اتفاق التبادل، يؤكد الكاتب والباحث السياسي إياد القرا أن “المقاومة تريد أن توصل رسائل تتعلق بالزمان والمكان”، مشيرًا إلى أهمية اختيار جباليا التي أمضى الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 100 يوم فيها وقد ظهرت المقاومة فيها بمظهر القوة والسيطرة من خلال ترتيب مناسب.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من خانيونس، يشير القرا إلى أن المقاومة أرادت القول إن الأسرى كانوا في المنطقة المدمّرة في جباليا وأخرجت أسيرة من خلف الركام لتقول إن إعادة الإعمار هو إحدى الملفات التي يجب طرحها بقوة في المرحلة القادمة.
ويشرح الكاتب والباحث السياسي أن الاحتلال الإسرائيلي بقي في منطقة المحطة في وسط خانيونس من ديسمبر/ كانون الأول 2023 وحتى مايو/ أيار 2024 وعاد إليها في شهر أغسطس/ آب 2024 مرتين متتاليتين وحفر في المنطقة ودمّرها، وقد اختارت المقاومة تسليم الأسيرة في تلك المنطقة قرب منزل الشهيد يحيى السنوار.
ولفت القرا إلى أهمية الحضور الجماهيري خلال عملية تسليم الأسرى رغم الدمار.