تبنّت الأحزاب الكردية السبت، رؤية سياسية مشتركة لبناء دولة «ديمقراطية لامركزية» في سوريا، يضمن دستورها حقوق الأكراد، ومشاركة المرأة سياسياً وعسكرياً، داعية إلى اعتمادها أساساً للحوار مع السلطة الجديدة في دمشق.
ومنذ إطاحة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، أبدى الأكراد انفتاحاً تجاه الإدارة الانتقالية، التي أكدت بدورها رفض أي محاولات تقسيم أو انفصال، في إشارة إلى طموحات الأكراد بتكريس الحكم الذاتي الذي أقاموه بعد اندلاع النزاع عام 2011.
وفي ختام مؤتمر عُقد في مدينة القامشلي (شمال شرق) بعنوان «وحدة الموقف والصف الكردي»، تبنّى المجتمعون «صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة، تُعبّر عن إرادة جماعية ومشروع واقعي لحل عادل للقضية الكردية في سوريا، كدولة ديمقراطية لامركزية».
وشارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية كردية من سوريا، وممثلون لأكراد تركيا وإقليم كردستان العراق.
وقال القيادي في المجلس الوطني الكردي محمّد إسماعيل، خلال تلاوته البيان الختامي، إن الرؤية تشكّل «وثيقة تأسيسية» في إطار «سوريا موحدة، بهويتها متعددة القوميات والأديان والثقافات، يضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي… ويصون حرية المرأة وحقوقها، ويمكّنها من المشاركة الفاعلة بكل المؤسسات السياسية والاجتماعية والعسكرية».
ودعا البيان إلى اعتماد الرؤية «أساساً للحوار الوطني» بين القوى الكردية ومع الإدارة الجديدة في دمشق، على أن يتم تشكيل وفد للتواصل مع الأطراف المعنية لترجمة مضامين الرؤية.
وخلال حكم عائلة الأسد، عانى الأكراد من تهميش وإقصاء طيلة عقود. لكنهم تمكنوا إثر اندلاع النزاع عام 2011 من بناء إدارة ذاتية تتبع لها مؤسسات سياسية وتربوية وعسكرية.
وسيطروا على مساحات واسعة في شمال شرقي سوريا، بعدما تصدت قوات سوريا الديمقراطية، ذراعهم العسكرية المدعومة أميركياً، لتنظيم «داعش»، وطردته من مناطق واسعة غنية بالنفط والغاز والسهول الزراعية.
وخلال سنوات النزاع، تباينت مواقف المكونات الكردية في سوريا بقضايا عدة، بينما شكل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أكبر تلك الأحزاب، العمود الفقري للإدارة الذاتية.
وبعد إطاحة الأسد، وقع الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، اتفاقاً في 11 مارس (آذار)، قضى «بدمج» كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
ورغم الاتفاق مع الشرع، الذي يُفترض استكمال تطبيق بنوده بحلول نهاية العام، فإن الإدارة الذاتية وجهت انتقادات حادة إلى الإعلان الدستوري، الذي منح وفق خبراء، سلطات مطلقة للرئيس في إدارة المرحلة الانتقالية، المحددة بـ5 سنوات. كما اعترضت على الحكومة التي شكلها، وقالت إنها لن تكون معنية بتنفيذ قراراتها، باعتبار أنها «لا تعبر عن التنوع» في سوريا.
وفي كلمة ألقاها خلال الافتتاح السبت، أكد عبدي أن «المؤتمر لا يهدف، كما يقول البعض، إلى التقسيم، لا، بل على العكس تماماً، (يُعقد) من أجل وحدة سوريا».
وشدد في الوقت نفسه، على حاجة البلاد إلى «دستور جديد لامركزي»، مضيفاً: «نحن مع أن تأخذ كل المكونات السورية حقها في الدستور، لنستطيع بناء سوريا ديمقراطية لامركزية».
ويريد الأكراد، وهم الأقلية العرقية الأكبر في البلاد، اعترافاً بدورهم وهويتهم في سوريا، والحفاظ على مكتسباتهم، بينها قوتهم العسكرية المنظمة التي تضم نساء ورجالاً.
وفي منشور على منصة «إكس»، قال القيادي الكردي البارز بدران جيا كورد، إن مخرجات المؤتمر ستتيح للمكونات الكردية «تحقيق وتثبيت الحقوق المشروعة للشعب الكردي»، إضافة إلى «لعب دور ريادي في التحولات الديمقراطية الجذرية بسوريا».
وأضاف: «يجب أن تُشكّل هذه الخطوة المباركة مصدر أمل وتفاؤل وارتياح لجميع السوريين من أجل وحدتهم وقوتهم، وليس سبباً للتحفظ أو الخوف».