بعد أقل من أسبوع على تسلمه السلطة، بدا من الواضح أن الرئيس دونالد ترمب قد نجح في تغيير «سياسات» واشنطن، ليس فقط داخلياً، بل وخارجياً. ومع اعتقاده بأن النافذة المتاحة أمامه قد تضيق سريعاً، سارع في الساعات الأولى من دخوله البيت الأبيض إلى توقيع سيل من الأوامر التنفيذية، ليثبت أن شعاره «أميركا أولاً»، لم يكن مجرد شعار انتخابي. وما لبثت تلك السياسات أن هيمنت على الاهتمام العالمي، من حلفاء الولايات المتحدة ومنافسيها، في محاولة قراءة كيف سيقوم بالوفاء بوعوده الانتخابية وإبرام الصفقات وتسوية الحسابات.
وقف المساعدات الخارجية
ونقلت وسائل إعلام أميركية عدة أن ترمب، خلال اجتماع في البيت الأبيض ليلة الخميس، أبلغ الموظفين بأنه قدم الكثير من الوعود خلال الحملة والآن حان الوقت للوفاء بها. وتطبيقاً للأمر التنفيذي الذي وقعه يوم الاثنين، والذي أمر بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوماً، أصدر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الجمعة، أمراً بوقف كل المساعدات الخارجية الأميركية تقريباً، مستثنياً تمويل إسرائيل ومصر، وفق المذكّرة الداخلية. وجاء فيها أنه «لا يجوز الالتزام بأي تمويل جديد لأي جهة أو تمديد أي تمويل حالي، وذلك إلى أن تتم مراجعة كل تمويل جديد أو تمديد والموافقة عليه… بما يتماشى مع أجندة الرئيس ترمب».
وتعد إسرائيل ومصر من بين أكبر المستفيدين من المساعدات العسكرية الأميركية. وتشير مذكرة روبيو إلى أنه يستحيل على الإدارة الجديدة تقييم ما إذا كانت الالتزامات الحالية في مجال المساعدات الخارجية «غير مكررة، وفعالة، ومتسقة مع السياسة الخارجية للرئيس ترمب». وبينما استثنت المذكرة المساعدات الغذائية الطارئة، فإنها لم تذكر أوكرانيا التي تلقت في ظل إدارة الرئيس السابق، جو بايدن، مساعدات بمليارات الدولارات للدفاع عن نفسها ضد روسيا. وهو ما يؤشر إلى أن هذه المساعدات جمدت أيضاً، على الرغم من أن تلك المساعدات كانت تذهب بمعظمها للشركات الأميركية المصنعة للأسلحة التي كانت ترسل لكييف. ومن شأن هذا التجميد أن يثير الكثير من الاعتراضات؛ حيث إن الأموال كانت تدوّر بالفعل لتعود مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، التي تعد مصدراً رئيسياً لأسلحة الغرب أيضاً.
قائمة باتصالات روبيو الخارجية
وفي مذكرة أخرى، طلب وزير الخارجية ماركو روبيو، إعداد قائمة بالاجتماعات أو المكالمات الهاتفية التي ينوي إجراءها، والتي بدأت مع الصين، على أن يليها تباعاً الهند وأستراليا واليابان والفلبين وإسرائيل و«الرئيس الشرعي» لفنزويلا وكندا وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية وتركيا وحلف الناتو وكوستاريكا وبولندا وإسرائيل مرة ثانية ومصر والصين مرة ثانية وفيتنام. وتشير القائمة إلى أولويات السياسة الخارجية، حيث تضمنت 8 مع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ و5 في منطقة الشرق الأوسط و3 في القارتين الأميركيتين وواحدة مع تركيا وواحدة مع بولندا وواحدة مع حلف الناتو.
وانغ يحذر روبيو
ويوم الجمعة، نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، قوله إنه أجرى أول اتصال هاتفي بوزير الخارجية الأميركي الجديد، ماركو روبيو، حيث وجه «تحذيراً مبطناً»، قائلاً له: «عليك أن تتصرف بشكل لائق». وقال وانغ لروبيو، طبقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية: «آمل أن تتصرف وفقاً لذلك»، مستخدماً عبارة صينية، يستخدمها عادة المدرس أو المدير لتحذير الطالب أو الموظف بضرورة التصرف بشكل جيد وتحمل المسؤولية عن أفعاله». وبدا أن العبارة القصيرة كانت تستهدف انتقادات روبيو الصريحة للصين وسجلها في مجال حقوق الإنسان، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو ما دفع الحكومة الصينية لفرض عقوبات عليه مرتين في عام 2020. ويمكن ترجمة عبارة الوزير الصيني بطرق مختلفة، حيث استخدمت وزارة الخارجية في السابق عبارة «اتخاذ الاختيار الصحيح» و«كن حذراً للغاية بشأن ما تقوله أو تفعله»، بدلاً من «التصرف وفقاً لذلك».
ارتفاع مبيعات الأسلحة الأميركية
وبينما أصدرت الخارجية الأميركية، الجمعة، بياناً حول مبيعات الأسلحة الأميركية للحكومات الأجنبية في عام 2024، مظهرة ارتفاعها بنسبة 29 في المائة إلى مستوى قياسي بلغ 318.7 مليار دولار، وجه وزير الدفاع البولندي تحذيراً للأوروبيين بأنه يتعين عليهم إنفاق المزيد على الدفاع للفوز بتأييد الرئيس الأميركي دونالد ترمب. ويظهر تقرير الخارجية أن ارتفاع مبيعات الأسلحة الأميركية جاء نتيجة سعي الدول إلى تجديد مخزوناتها بعد إرسال أسلحة إلى أوكرانيا والاستعداد لصراعات كبيرة. وتدعم الأرقام الصادرة عن العام الأخير لإدارة الرئيس جو بايدن التوقعات بمبيعات أقوى لصانعي الأسلحة الأميركيين مثل «لوكهيد مارتن» و«جنرال ديناميكس» و«نورثروب غرومان» التي من المتوقع أن ترتفع أسهمها مع تفاقم عدم الاستقرار العالمي.
ولطالما ردد الرئيس ترمب مطالباته للحلفاء بأن ينفقوا أكثر على الدفاع، بل يريد أن ينفق الأعضاء الآخرون في حلف شمال الأطلسي 5 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، في زيادة هائلة عن الهدف الحالي البالغ 2 في المائة، وهو مستوى لم تبلغه دول عدة في الحلف حتى الآن. وتجد شركات المقاولات الدفاعية صعوبة في تلبية تصاعد الطلب الذي تزايد كثيراً نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا.
أنفقوا أكثر ليستمع ترمب لكم
إلى ذلك دعا وزير الدفاع البولندي، فلاديسلاف كوسينياك كاميش، الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها العسكري. وقال في مقابلة، اليوم (السبت): «إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يستمع إلى آرائكم بشأن أوكرانيا، إلا إذا بدأتم في الاستثمار بجدية في أمنكم». وقال كاميش: «الوصفة بسيطة… المزيد من الإنفاق على الدفاع، والمزيد من الاستثمار في الصناعة العسكرية»، حسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء. وأضاف أنه «حينها فقط يمكن لأوروبا أن تحصل على مقعد، حقاً في طاولة المفاوضات». وتابع أن تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا محسوس بقوة في بولندا المجاورة وعلى طول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وإضافة إلى طلبه زيادة الإنفاق العسكري، هدد ترمب بفرض الرسوم الجمركية على الحلفاء والأعداء، في خطاب افتراضي أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. وعندما ذكر الرئيس التنفيذي للمنتدى، بورغ بريندي، خلال المناقشة الافتراضية مع ترمب، أن الرئيس الأميركي اتصل بالزعيم الصيني شي جينبينغ قبل أيام فقط من تنصيبه، صححه ترمب على الفور قائلاً: «هو من اتصل بي»، ليوضح أن قادة العالم يتواصلون معه، وليس العكس. وتعهد ترمب خلال حملته بمعاقبة تجار المخدرات بالإعدام، وهدد الصين والمكسيك وكندا بالرسوم الجمركية، على الرغم من أن الأسبوع الأول من عهده مضى من دون اتخاذ مثل هذه الإجراءات، وهو ما خفف من المخاوف.