صدّق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت” على إنشاء ما سُمي بإدارة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وذكر بيان لوزارة الأمن الإسرائيلية، أن هدف الإدارة تنظيم ما وُصف بالانتقال الطوعي لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى لمن يظهرون رغبتهم في ذلك، زاعمًا في الوقت نفسه أن التهجير سيتم استنادًا إلى القانون الإسرائيلي، والقانون الدولي.
بدوره، أوضح وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الحكومة تعمل بكل السبل لتطبيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غزة.
توسيع العمليات البرية الإسرائيلية
وتزامنت هذه الخطوة مع توسيع العمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، إذ أعلن جيش الاحتلال بدء هجوم في منطقة تل السلطان في رفح، وبدء عملية برية في بيت حانون بهدف ما وصف بضرب البنية التحتية لحركة حماس وتوسيع المنطقة العازلة.
ويأتي ذلك بعد تصريحات، وزير الأمن الإسرائيلي أكد فيها التوجه لتوسيع العملية البرية في قطاع غزة، من خلال تعليمات للجيش بالسيطرة على أراض إضافية.
وجاءت هذه التطورات في خضم استمرار القصف الإسرائيلي المكثف على القطاع، وتجاوز عدد الشهداء 50 ألفًا وسط غياب أي آفاق ذات صلة بمفاوضات وقف إطلاق النار.
كما ترافقت مع تلاحق الأزمات السياسية داخل الساحة الإسرائيلية، وحروب داخلية عدة تخوضها حكومة بنيامين نتنياهو ما يجعل كثيرًا من قراراتها وفق المعارضة الإسرائيلية على الأقل موجهة لغايات المناكفة والصراعات الداخلية لا أكثر، وعلى رأسها القرارات المتعلقة في غزة.
“هدف إسرائيل الإستراتيجي”
وفي هذا الإطار، يرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، محمود محارب، أن هدف إسرائيل الإستراتيجي بالإضافة إلى الأهداف الرسمية التي وضعتها حكومة الاحتلال من الحرب على غزة، هو تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى دول أخرى في العالم.
وفي حديث للتلفزيون العربي من مدينة الرملة، يوضح محارب أن نتنياهو ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة اتصل بالرئيس الأميركي السابق جو بايدن ومع قادة كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، طالبًا مهم تأييد تهجير الفلسطينيين.
وتابع أن إسرائيل ومنذ تلك الفترة تعد الخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة، مشيرًا إلى أنها لأجل ذلك شنت حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وأحدثت دمارًا كبيرًا بهدف تحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة لسكن البشر فيها من أجل إرغام الفلسطينيين على الهجرة.
نازحون فلسطينيون يفرون إلى خانيونس بينما يواصل جيش الاحتلال هجومه على رفح – غيتي
وفيما أشار إلى أن الاحتلال يسمي هذه الخطوة “هجرة طوعية”، يوضح محارب أن إسرائيل تريد تخيير الفلسطينيين: “إما الموت أو الهجرة”.
ويعتبر محارب أن إنشاء الاحتلال “إدارة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة”، يعد أمرًا خطيرًا جدًا، وغير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة مخالفة للقوانين الدولية، وجريمة حرب، وجزء من جريمة إبادة ضد الشعب الفلسطيني.
الفلسطيني بين “الموت أو الهجرة”
من جهته، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة، إلى أن هناك الكثير من الأوساط الإسرائيلية، ولا سيما أقطاب اليمين المتطرف يرون أن هذه فرصة ذهبية من أجل تطبيق خطة ترمب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتحويل القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وفي حديث للتلفزيون العربي من القاهرة، يرى أبو سعدة أن إنشاء مديرية في وزارة الأمن الإسرائيلية من أجل تهجير الفلسطينيين هو ليس جديدًا، مشيرًا إلى أن حكومة الاحتلال تعمل منذ أسابيع على إنشاء هذه المديرية.
وفيما أشار إلى أن الاحتلال قام بتدمير أكثر من 80% من منازل الفلسطينيين وتجويع الغزيين على مدار أيام الحرب، لفت أبو سعدة إلى أن الفلسطيني أصبح أمام خيارين: إما الموت قتلًا أو جوعًا، أو أن يهاجر”، موضحًا أن هذا الأمر ليس هجرة طوعية كما تدعي إسرائيل، إنما هي هجرة قسرية من خلال الإبادة.
ولمواجهة الخطة الإسرائيلية، يشدد أبو سعدة على وجوب العمل على مستويات عدة، منها الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة، والالتزام بصفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.
كما يشدد على وجوب أن تقوم السلطة الفلسطينية بما عليها من دور لدعم صمود الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية، خاصة وأن مشروع التهجير لا يشمل القطاع فقط، وإنما يشمل مخيمات الضفة.
ويقول أبو سعدة: “يجب على الجامعة العربية التوجه إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لدعم الخطة المصرية التي اعتمدت في مؤتمر القمة العربية والتي تدعو إلى إعادة إعمار قطاع غزة ومنع تهجير الفلسطينيين.
“جريمة حرب”
المحامية والباحثة في شؤون إسرائيل وفلسطين في مؤسسة “هيومن رايتس ووتش” ميلينا الأنصاري بدورها تعتبر أن التهجير القسري هو جريمة حرب ترقى لأن تكون جريمة ضد الإنسانية.
وفي حديث للتلفزيون العربي من القدس، تضيف الأنصاري أن أي دولة أو طرف تتعامل مع السلطات الإسرائيلية لتنظيم هذه الهجرة القسرية، فستكون جهة متواطئة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وذكرت أن السلطات الإسرائيلية قامت بالتهجير القسري لـ90% من سكان غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مشيرة إلى أن الاحتلال مسؤول عن تطهير عرقي في بعض مناطق القطاع تحديدًا في المناطق الموجودة على حدود غزة وفي الممرات الآمنة.
وتعتبر الأنصاري أن تكثيف إسرائيل غاراتها على غزة والتي أسفرت عن عشرات آلاف الشهداء والجرحى هي انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، وأي دولة تدعمها خاصة أميركا وبريطانيا وألمانيا تعرض نفسها لخطر التواطؤ.
وخلصت إلى أن إسرائيل عندما ترى عدم وجود أي دولة تمنعها أو تقف أمامها عندما تقوم بالانتهاكات، فإنها تأخذ ذلك على أنه ضوء أخضر لتقوم مجددًا بانتهاكات صارخة للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.