تفاوض أممي – حوثي في مسقط لإطلاق موظفي المنظمة… ولا نتائج

أنهت الأمم المتحدة جولة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية في العاصمة العُمانية مسقط، سعياً للإفراج عن موظفيها المعتقلين في سجون الجماعة التي صعدت من حملات القمع ضد المدنيين والأكاديميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية، وهو ما يعمق الأزمة الإنسانية، ويهدد فرص استئناف عملية السلام المتعثرة في اليمن.

وإذ لم تسفر الجولة التفاوضية عن أي نتائج معلنة بخصوص الاستجابة لمطالب المنظمة الأممية، فإن الجماعة الحوثية تمسكت بمزاعمها عن تهم التجسس، والتخابر التي وجهتها للموظفين الأمميين، وهي التهم التي رفضتها الأمم المتحدة بشكل قاطع.

وأفاد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ في بيان، بأن الأخير زار مسقط في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري برفقة المسؤول الأممي المكلّف ملف المحتجزين، معين شريم، حيث عقدا لقاءات مع مسؤولين عمانيين، وممثلين عن الحوثيين في إطار الجهود الرامية إلى ضمان الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين بشكل تعسفي لدى الجماعة.

وأشار البيان إلى أن غروندبرغ أجرى مناقشات مع كبار المسؤولين العُمانيين، وفريق التفاوض التابع للحوثيين حول سُبل التوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية من أجل إنهاء النزاع في اليمن.

من جهته، نقل كبير مفاوضي الحوثيين والمتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، أن اللقاء تناول تنفيذ ما سماها «خريطة الطريق»، مشدداً على ضرورة استئناف تنفيذ ما تضمنته الخريطة، وفي مقدمتها «الاستحقاقات الإنسانية».

وفي معرض حديثه عن قضية الموظفين الأمميين، أقر عبد السلام بوجودهم في الاحتجاز، لكنه كرر مزاعم الجماعة بأنهم متورطون في «أنشطة تجسسية تحت غطاء العمل الإنساني»، متهماً بعض المنظمات الدولية بالقيام «بأنشطة تخريبية» تمس أمن جماعته.

وقال المتحدث الحوثي في تغريدة على منصة «إكس» إن أجهزة جماعته في صنعاء مستعدة لعرض «أدلة ووثائق» تثبت تلك المزاعم، لكنه في المقابل ادعى «الحرص على إيجاد حلول عادلة، واستمرار التنسيق مع الأمم المتحدة بما يسمح بمواصلة العمل الإنساني».

وكانت الأمم المتحدة قد طالبت مراراً بالإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفيها العاملين في وكالات مختلفة، إلى جانب العشرات من العاملين في وكالات إغاثية ودولية ومحلية، مؤكدة أن استمرار احتجازهم يمثل «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ولحصانة الموظفين الأمميين».

تبعات إنسانية

بحسب البيانات الأممية، تحتجز الجماعة الحوثية في معتقلاتها نحو 59 موظفاً من العاملين في الوكالات الأممية، بعضهم مر على احتجازهم أربعة أعوام، كما اقتحمت الجماعة مقرات أممية، وصادرت أصولها، بالتوازي مع توقف الأنشطة الإغاثية جراء هذه الانتهاكات.

وفي حين اعتقلت الجماعة ضمن حملتها الأخيرة موظفي الأمم المتحدة من جنسيات أجنبية، لكنها عادت وسمحت للمنظمة الدولية بإجلائهم من صنعاء بناء على وساطة عمانية.

طائرة تابعة للأمم المتحدة بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وتؤكد الأمم المتحدة أن الاعتقالات التعسفية التي تنفذها الجماعة ضد العاملين في المجال الإنساني تُعرّض جهود الإغاثة للخطر، وتزيد من معاناة ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

وتشير تقارير أممية إلى أن القيود المفروضة من الحوثيين على عمل المنظمات الدولية، وفرضهم تصاريح مسبقة على التحركات والأنشطة، وصولاً إلى حملات الاعتقال، أدت في مجملها إلى تعطيل مشاريع إنسانية حيوية، خصوصاً في مجالات الصحة، والأمن الغذائي، والتعليم.

موقف أممي صعب

مع تزايد القلق الدولي من أن تؤدي الاعتقالات الحوثية والانتهاكات المتكررة إلى نسف ما تبقى من فرص للحل السلمي في اليمن، يرى المراقبون أن الأمم المتحدة باتت أمام اختبار صعب يتمثل في القدرة على الحفاظ على قنوات التواصل مع الجماعة من جهة، وفي التمسك بمبادئها في حماية موظفيها، وضمان احترام القانون الدولي من جهة أخرى.

يشار إلى أن عملية السلام في اليمن أصيبت بالجمود منذ أواخر 2023، حين انخرطت الجماعة المتحالفة مع إيران في الصراع الإقليمي على خلفية الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، وما تخلل ذلك من هجمات بحرية، ومواجهة مع واشنطن وتل أبيب.

وكانت الحكومة اليمنية عبرت عن استهجانها للحملة التحريضية التي تشنها قيادات الحوثيين ضد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وما تتضمنه من اتهامات باطلة تهدف إلى تبرير جرائمها ضد العاملين الإنسانيين.

الحوثيون تعرضوا لاختراقات أمنية سهلت لإسرائيل قتل قادة بارزين في الجماعة (إ.ب.أ)

وأكدت دعمها الكامل للموظفين الأمميين الذين يعملون «بتفانٍ ونزاهةٍ لخدمة الشعب اليمني»، مشيدةً بدورهم في تخفيف المعاناة الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيا.

وحملت الحكومة الجماعة الحوثية المسؤولية الكاملة عن سلامة جميع العاملين في المنظمات الدولية، محذّرةً من أن استمرار هذه الانتهاكات يشكّل تهديداً مباشراً لعمل الوكالات الإنسانية في اليمن، ويقوّض الجهود الدولية الهادفة إلى معالجة الأزمة الإنسانية التي تسببت فيها الحرب.

إدانة حكومية

على صعيد آخر، أدان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني بشدة الحملة الواسعة التي شنتها الجماعة الحوثية في محافظة ذمار، والتي استهدفت أكثر من 80 مدنياً من الأكاديميين، والأطباء، والتربويين، والموظفين، ومسؤولي الجمعيات الخيرية.

وقال الإرياني في تصريح رسمي إن هذه الاعتقالات تأتي امتداداً لنهج القمع الممنهج الذي تنفذه الجماعة في صنعاء، ومحافظات إب والحديدة وحجة والمحويت وعمران، مضيفاً أنها «جزء من سياسة منظمة تهدف إلى كسر إرادة اليمنيين، وتكميم الأفواه، وإشاعة الخوف والرعب بين المواطنين».

وأشار الوزير إلى أن ما يجري «يعكس حالة القلق والارتباك داخل الجماعة بعدما بدأت قبضتها الأمنية تتآكل، وتزايدت مؤشرات الغضب الشعبي ضد فسادها، ونهبها الممنهج للموارد».

وأكد أن الحوثيين بدلاً من الاستجابة لمطالب الناس، يلجأون إلى مزيد من القمع والاعتقالات، في دليل على «غياب أي مشروع وطني حقيقي لديهم»، على حد تعبيره.

الإرياني اعتبر أن تصاعد الحملة القمعية يفضح طبيعة الجماعة أمام الداخل والخارج، ويؤكد أنها «عصابة فقدت كل ارتباط بالقيم الوطنية والإنسانية»، مؤكداً أن هذه الانتهاكات «لن تنجح في إسكات أصوات اليمنيين الأحرار، بل ستزيدهم إصراراً على استعادة دولتهم وكرامتهم».

شاركها.
Exit mobile version