من المتوقع بشدة أن يقوم «الاحتياطي الفيدرالي» بخفض سعر الفائدة الرئيسي يوم الأربعاء، وقد يشير إلى احتمال خفض آخر في ديسمبر (كانون الأول)، في إطار سعي البنك المركزي لتعزيز التوظيف.
وسيمثل خفض الفائدة يوم الأربعاء ثاني خفض خلال هذا العام، وقد يعود بالنفع على المستهلكين عبر تخفيض تكاليف الاقتراض للقروض العقارية وقروض السيارات. ومنذ أن أشار رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في أواخر أغسطس (آب) إلى أن خفض الفائدة محتمل هذا العام، انخفض متوسط معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً إلى حوالي 6.2 في المائة مقارنة بـ6.6 في المائة، ما منح دفعة لسوق الإسكان التي تشهد بطئاً ملحوظاً.
ومع ذلك، يواجه «الاحتياطي الفيدرالي» فترة استثنائية للاقتصاد الأميركي، مما يجعل توقع تحركاته المستقبلية أصعب من المعتاد. فقد تباطأت وتيرة التوظيف بشكل كبير، بينما لا يزال التضخم مرتفعاً، ويعتمد نمو الاقتصاد بشكل رئيسي على استثمارات ضخمة لشركات التكنولوجيا الكبرى في بنية الذكاء الاصطناعي.
ويقوم البنك المركزي بتقييم هذه الاتجاهات دون توفر معظم البيانات الحكومية المعتادة لتقييم صحة الاقتصاد. فقد تم تأجيل صدور تقرير الوظائف لشهر سبتمبر (أيلول) بسبب إغلاق الحكومة، فيما قال البيت الأبيض الأسبوع الماضي إن بيانات التضخم لشهر أكتوبر قد لا يتم جمعها حتى.
كما قد يحد الإغلاق نفسه من النشاط الاقتصادي في الأشهر المقبلة، حسب مدة استمرار الأزمة، حيث يقترب حوالي 750 ألف موظف فيدرالي من شهر كامل من دون راتب، مما قد يؤدي قريباً إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي، وهو عامل رئيسي في تحريك الاقتصاد.
وقد يظهر الموظفون الفيدراليون الذين تم تسريحهم سابقاً من قبل إدارة ترمب ضمن بيانات التوظيف المقبلة، ما قد يجعل أرقام التوظيف الشهرية تبدو أسوأ. وأشار باول إلى أن خطر ضعف التوظيف آخذ في الارتفاع، ما يجعله مصدر قلق مماثلاً لمستوى التضخم المرتفع، وبالتالي يحتاج البنك المركزي لتحريك سعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى لا يبطئ الاقتصاد ولا يحفزه بشكل مفرط.
ويرى معظم مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» أن المستوى الحالي لسعر الفائدة الرئيسي – البالغ 4.1 في المائة – كافٍ لإبطاء النمو وكبح التضخم، وهو الهدف الرئيس لهم منذ أن ارتفعت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ أربعة عقود قبل ثلاث سنوات. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يقوم البنك بخفضه إلى حوالي 3.9 في المائة يوم الأربعاء، مع الحفاظ على هدف جعل أسعار الفائدة أقل تقييداً لدعم سوق العمل.
وقال كريس داوسي، رئيس أبحاث الاقتصاد في بنك الاستثمار «دي إي شو»: «نظراً لغياب البيانات خلال الإغلاق، من المرجح أن يستمر (الاحتياطي الفيدرالي) على المسار الذي حدده في سبتمبر، عندما توقع خفض الفائدة هذا الشهر وفي ديسمبر. إنه يشبه القيادة في عاصفة ثلجية مع فقدان الرؤية؛ ستبطئ السيارة، لكنك ستستمر في الاتجاه نفسه بدلاً من إجراء تغيير مفاجئ».
وفي تصريحات حديثة، أوضح باول أن سوق العمل الضعيفة أصبحت مصدر قلق كبير، قائلاً: «لقد ضعفت سوق العمل بشكل ملحوظ. يبدو أن المخاطر السلبية على التوظيف آخذة في الارتفاع».
وقبل أن يقطع الإغلاق الحكومي تدفق البيانات في الأول من أكتوبر، كان متوسط نمو التوظيف الشهري قد تراجع إلى نحو 29 ألف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة السابقة، فيما ارتفع معدل البطالة إلى 4.3 في المائة في أغسطس مقارنة بـ4.2 في المائة في يوليو (تموز).
ولا تزال حالات التسريح منخفضة، ما جعل باول ومسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» الآخرين يصفون سوق العمل بأنها «منخفضة التوظيف والتسريح».
وفي الوقت نفسه، أظهر تقرير التضخم الأخير – الذي صدر متأخراً أكثر من أسبوع بسبب الإغلاق – أن التضخم لا يزال مرتفعاً لكنه لم يتسارع، وربما لا يتطلب رفع أسعار الفائدة لمكافحته.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأساسي هو إلى متى يمكن أن تستمر سوق العمل فيما وصفه باول بأنه «نوع غريب من التوازن». وقال ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في بنك «سانتاندر»: «هناك بعض البيانات المثيرة للقلق في الأشهر الأخيرة. هل هذا اتجاه ضعف مستمر أم مجرد فجوة مؤقتة؟».
وقد دفع هذا الغموض بعض كبار مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» إلى الإشارة إلى أنهم قد لا يدعمون بالضرورة خفض الفائدة في اجتماع ديسمبر المقبل. ففي اجتماع سبتمبر، أشار «الاحتياطي الفيدرالي» إلى أنه سيخفض الفائدة ثلاث مرات هذا العام، رغم أن لجنة صنع القرار كانت منقسمة، حيث دعم 9 من أصل 19 مسؤولاً خفض مرتين أو أقل.
وقال كريستوفر والر، عضو مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» وواحد من خمسة مرشحين محتملين لتولي رئاسة البنك خلفاً لباول، إن البيانات المتباينة تشير إلى أن النمو الاقتصادي مستقر نسبياً رغم ضعف التوظيف، وأضاف: «إما أن يتراجع النمو الاقتصادي ليواكب سوق العمل الضعيفة، أو ترتد سوق العمل لتواكب النمو القوي». وأكد: «نحتاج للتحرك بحذر عند تعديل سعر الفائدة».
وأعرب والر عن دعمه لخفض ربع نقطة مئوية هذا الشهر، لكنه أوضح أن أي تحركات لاحقة ستعتمد على البيانات الاقتصادية، شريطة انتهاء الإغلاق الحكومي.
وتشير الأسواق المالية إلى احتمال تجاوز 90 في المائة لخفض آخر في ديسمبر، فيما لم يصدر المسؤولون حتى الآن أي تصريحات تهدف لتخفيف هذه التوقعات.
وقال جوناثان بينجل، كبير الاقتصاديين الأميركيين في «يو بي إس»، إنه سيراقب تصريحات باول في المؤتمر الصحافي يوم الأربعاء لمعرفة ما إذا كان سيكرر تحذيره من مخاطر ضعف سوق العمل، مؤكداً: «إذا سمعت ذلك، أعتقد أنهم على المسار الصحيح لخفض الفائدة مرة أخرى في ديسمبر».


