قضى أنور نصر الدين هدام، القيادي السابق في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائرية المحظورة، 32 سنة من عمره لاجئاً سياسياً في الولايات المتحدة الأميركية، وعاد إلى بلاده قبل يومين، ما أثار سخطاً في أوساط المعارضين للإسلاميين. كما تمت إعادة بث فيديو شهير له يعلن فيه دعم حزبه للعمل المسلح الذي قام به عام 1992، بوصفه رد فعل على منع الجيش وصول «الإنقاذ» إلى السلطة.
وكتب هدام بحسابه في الإعلام الاجتماعي منشوراً، يوم الأحد، فُهم منه أنه موجود حالياً في الجزائر؛ إذ قال مهاجماً معارضي عودته: «رداً على بعض الذين لا يزالون ينشرون الأكاذيب المسمومة، هذه صورة غلاف كتاب أصدرته منذ قرابة عقدين… هؤلاء الذين يغيظهم أن بلدنا في طريق التعافي… بلدنا أمامه مشوار طويل صعب وشاق يحتاج إلى من يُقوي -وبطرق مختلفة- جبهته الداخلية؛ لا لمن يُضعفها… والشكر موصول لكل من رحب بي في بلدنا الغالي الجزائر».
وأرفق منشوره بغلاف لكتابه «المصالحة الوطنية في الجزائر… خطوة نحو حل اختيار السلطة السياسية».
أما حديثه عمَّن ينشرون الأكاذيب، فيحيل إلى مقالات صحافية عدة، نقلت عنه أنه أشاد بعملية تفجير نفذتها «الجماعة الإسلامية المسلحة» في 30 يناير (كانون الثاني) 1995، استهدفت مقر الشرطة المركزية بقلب العاصمة الجزائرية، وخلَّفت 42 قتيلاً و256 جريحاً. ووفق المنشور، ينفي هدام ضمناً أنه بارك التفجير الأكثر دموية في عمليات التنظيمات الإرهابية في تسعينات القرن الماضي، أو ما تُسمَّى «العشرية السوداء».
وقبل هذه المشاركة، كتب هدام بالحساب نفسه في 18 من الشهر الحالي: «حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة»، مقتبساً هذا القول من الشيخ الراحل عبد الحميد بن باديس، رئيس «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، والذي يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي. ويبدو أنه كان يقصد من هذا الاقتباس رفضه حرمانه من زيارة بلاده.
وأعاد صحافيون ومثقفون ومحامون معارضون للإسلاميين، نشر فيديو يعود إلى بداية 1992، يظهر فيه هدام متحدثاً في مؤتمر صحافي؛ حيث عبَّر عن تأييده لحمل مئات الإسلاميين السلاح دفاعاً عن «اختيار الشعب». في تلك الفترة، قررت قيادة الجيش إلغاء نتائج انتخابات برلمانية حققت فيها «جبهة الإنقاذ» فوزاً كاسحاً، وكان هدام من الفائزين بمقعد برلماني عن ولايته تلمسان بغرب البلاد.
وبالنسبة لمعارضي هذا الحزب الإسلامي، يعد هدام «رمزاً للعشرية السوداء» وبالتالي يعدون عودته إلى الجزائر بمثابة «تحريك للسكين في الجرح».
وقال الصحافي الجزائري عبد الرحمن سمار، المقيم بفرنسا لاجئاً، في فيديو، إن هدام «استفاد من إجراءات إعادة تأهيل حقوقه المدنية والقانونية»، ما يعني إسقاط حكم الإعدام الذي صدر بحقه غيابياً في منتصف التسعينات. ووفق سمار: «يبدو أن الوضع تغير اليوم بشكل جذري؛ إذ وافقت السلطة الجزائرية على عودة هدام لأسباب مرتبطة بالسياق السياسي الدولي والإقليمي»، دون توضيح ما يقصد.
وأكدت مصادر قريبة من الحكومة لـ«الشرق الأوسط»، أن هدام حظي بإجراءات «قانون السلم والمصالحة» الذي صدر عام 2006، والذي يعرض على المسلحين الإسلاميين في الداخل «التوقف عن الإرهاب»، وقياديي «الإنقاذ» في الخارج «الامتناع عن دعم العنف المسلح»، في مقابل إلغاء الملاحقات القضائية ضدهم.
ولا يُعرف إلى اليوم عدد الأشخاص الذين شملتهم هذه التدابير. كما يفرض القانون ذاته قيوداً على «الإنقاذيين»، تتمثل في منعهم من السياسة نهائياً، ومن تأسيس أحزاب أو الانخراط في أي حزب، ومن الترشح للانتخابات. وأول من جهر برفضه هذا القانون علي بن حاج، نائب رئيس «جبهة الإنقاذ» الموجود في الإقامة الجبرية.