بينما يتصاعد الخطاب الرسمي في الجزائر حول وجود «مؤامرات تستهدف البلاد»، بمشاركة واضحة من قيادة الجيش، أطلقت السلطات ما يمكن وصفها بـ«ذراع رقمية» تخدم هذا التوجه، تتألف من عدد كبير من «المؤثرين» و«صنّاع المحتوى»، وقد حدد لهم وزيرا الإعلام والشباب خريطة طريق تتضمن أهدافاً تتعلق بـ«التصدي لحملات التشويه».

في افتتاحية شديدة الحدة، أشارت مجلة «الجيش»، لسان حال وزارة الدفاع الجزائرية، في عددها لشهر أكتوبر (تشرين الأول)، إلى «الظرف الدولي والإقليمي المتسم بالاضطرابات والتوترات»، مؤكدة أنه «رغم المؤامرات والدسائس التي تُحاك ضد بلادنا، ورغم كل المحاولات اليائسة والفاشلة التي يقودها أعداؤها، المنزعجون من كون الجزائر تسير على الطريق الصحيح، والخونة الذين باعوا وطنهم وضميرهم بثمن بخس، ستظل الجزائر شامخة وعصية، بفضل وعي شعبها الأبي، وتلاحمه مع الجيش الوطني الشعبي، الوريث الشرعي لجيش التحرير الوطني… تلك هي الوحدة التي قدمت دروساً قاسية، وكبّدت الأعداء الهزيمة تلو الأخرى».

افتتاحية العدد الأخير من مجلة «الجيش»

جهتان معنيتان بهجوم «الجيش»

لم تُحدّد المجلة العسكرية من تقصد بالضبط، لكن الخطاب يوحي بأنه موجّه إلى جهتين أساسيتين. الأولى هي حكومات دول الساحل الأفريقي، ودول مجاورة على خلاف مع الجزائر، إضافة إلى فرنسا ولكن بدرجة أقل. وشهدت العلاقات بين الجزائر وجارتها مالي توتراً كبيراً في الفترة الأخيرة، بلغ حد التلويح بمواجهة عسكرية، لا سيما منذ حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة المالية من قِبل سلاح الجو الجزائري، مطلع أبريل (نيسان) 2025. ووصفت باماكو إسقاط الطائرة بـ«إعلان حرب ضدها»، فيما أكدت الجزائر أن المسيّرة «كانت في منحى هجومي» عندما دخلت أجواءها، ما دفع قواتها الجوية إلى تحطيمها.

أما الجهة الثانية التي يُحتمل أن المجلة تقصدها، فهي فئة من المعارضين الجزائريين اللاجئين في أوروبا، ممن دأبوا على توجيه حملات ضد رموز السلطة عبر فيديوهات باتت مصدر إزعاج كبير للحكومة الجزائرية، ويستهدف جزء منهم الجيش وقياداته بشكل مباشر.

والمعروف أن النيجر وبوركينا فاسو أعلنتا تضامنهما مع مالي عقب «حادثة الطائرة» التي أدت إلى قطيعة تامة مع الجزائر. كما أن العلاقات مع المغرب مقطوعة منذ 2021 والحدود مغلقة منذ 31 سنة، على خلفية خصومتهما حول قضية الصحراء. والعلاقات مجمدة مع فرنسا منذ أكثر من عام بسبب انحياز باريس للرباط في نزاع الصحراء. وفي ليبيا تشهد العلاقة مع المشير خليفة حفتر، الذي يحكم سيطرته على معظم مناطق شرق البلاد وبعض أنحاء الجنوب، توتراً منذ سقوط نظام معمر القذافي.

من اجتماع شبكة صنّاع المحتوى (مجلس الشباب)

وجاء في افتتاحية المجلة العسكرية الجزائرية، أن الجيش «على أتم الاستعداد لأن يكون حصناً منيعاً في وجه كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن واستقرار وطننا وطمأنينة شعبنا». ولفتت إلى «النتائج الباهرة التي حققها (الجيش) في مجال تأمين حدودنا الوطنية ومكافحة الجريمة المنظمة، خاصة الإرهاب». ونقلت عن رئيس البلاد عبد المجيد تبون، بوصفه وزير الدفاع، قوله في خطاب سابق إن «جيشنا أصبح مرهوب الجانب لأنه تكيّف مع الظروف والعقيدة الدفاعية، ومع الحروب الهجينة، والحروب السيبرانية والذكاء الاصطناعي».

كما نقلت المجلة تصريحاً سابقاً لرئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، تضمن التأكيد أن «التجارب في التاريخ أثبتت أن الأمم التي تعتمد على قواها وإمكانياتها الذاتية، هي الأكثر قدرة على مواجهة التهديدات الخارجية».

«ناشطون رقميون» لدعم خطة السلطة

وفي إطار سردية «التصدي لمؤامرات الخارج»، أطلق وزيرا الشباب والإعلام، مصطفى حيداوي وزهير بوعمامة، الأحد، في العاصمة، «شبكة جزائرية لصانعي المحتوى»، خلال اجتماع بمشاركة 300 مختص في المجال الرقمي يُعرفون بـ«المؤثرين»، وهم ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون فيديوهات تغطي مجالات متعددة. كما حضر الاجتماع ممثل عن وزارة الدفاع.

وزير الشباب الجزائري خلال الاجتماع بصنّاع المحتوى (مجلس الشباب)

وفي كلمة له بالمناسبة، أكد حيداوي أن تأسيس هذه الشبكة «يمثّل خطوة عملية لترجمة أهداف معسكر صنّاع المحتوى»، مشدداً على «ضرورة مرافقة المؤثرين والتكفل بانشغالاتهم». كما دعا إلى «تشكيل جبهة شبابية وطنية تسهم في الدفاع عن الهوية الوطنية، في ظل التحديات الرقمية المتسارعة». وقال إن «الجزائر الجديدة» (شعار أطلقه الرئيس تبون في بداية حكمه) «ليست مجرد شعار، بل مسار يتطلب الوعي واليقظة وتوحيد الجهود».

من جهته، وصف بوعمامة صانعي المحتوى بأنهم «خط الدفاع الأول في معركة الوعي، وهي معركة ذات بعد أمني واستراتيجي تمس المصالح الحيوية للجزائر». وأكد أن «صناعة المحتوى أصبحت اليوم تحدياً حقيقياً يجب خوضه بوعي ومسؤولية، من خلال إنتاج محتوى جزائري يخاطب المجتمع برؤية صادقة ومن منظور وطني أصيل».

وحول هذا المشروع، انتقد الباحث الجزائري المقيم بكندا أحمد ماحيجيبة، بحسابه بالإعلام الاجتماعي، محاولات تحويل «الفضاء الرقمي… إلى غرفة صدى مطيعة لا يتردد فيها سوى خطاب النظام وشعاراته الرسمية». ورأى الباحث، المعروف بحدة نقده لسياسات الحكومة الجزائرية، أن «الهدف ليس تقدير المحتوى، بل ترويض المؤثرين».

(صانعو المحتوى) هم خط الدفاع الأول في معركة الوعي، وهي معركة ذات بعد أمني واستراتيجي تمس المصالح الحيوية للجزائر

وزير الإعلام الجزائري، زهير بوعمامة

شاركها.
Exit mobile version