في حين استأنف «عميد الصحافيين» في الجزائر، سعد بوعقبة، حكم السجن لثلاث سنوات مع وقف التنفيذ الصادر بحقه بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»، هاجمه الجيش عبر دوريته، وعدّ أن تصريحاته التي تسببت له في مشاكل «تعكس سوء نية للطعن في تاريخنا ورموزنا».
بعد أربعة أيام من النطق بالحكم ضده من طرف «محكمة بئر مراد رايس» بالعاصمة، خصصت مجلة «الجيش»، لسان حال وزارة الدفاع، مقالاً للصحافي المثير للجدل، في عددها لشهر ديسمبر (كانون الأول) الصادر، أمس الاثنين.
ومن دون ذكره بالاسم، جاء في المقال: «يطل علينا من حين لآخر بعض المتشدقين المغرورين، الذين يدعون زوراً وبهتاناً أنهم ألمّوا بمفاصل التاريخ ومعالم الجغرافيا ليقدحوا عن قصد وبسوء نية في تاريخنا المجيد، ويطعنوا في رموزنا الوطنية»، مبرزاً أن «ما يراه البعض حرية تعبير وإبداء رأي هو جهل لما يحاك ضد بلادنا». ويحيل المقال إلى تصريحات كبار المسؤولين في البلاد بأن التعاطي في الإعلام مع المشاكل، وأوجه القصور في تسيير الشأن العام «يعطي فرصة لخصوم الجزائر للتهجم عليها وإضعافها». وغالباً ما تتم الإشارة، وفق هذا الخطاب، إلى العلاقات المتوترة مع فرنسا والمغرب ودول الساحل.
وبحسب «الجيش»، «قد يكون الاختلاف في الرأي مفيداً، لكن شريطة أن يكون مؤسساً وتحت سقف المصالح العليا للوطن، وضمن مبادئنا وقيمنا الراسخة وتاريخنا وذاكرتنا وثوابتنا ومقدساتنا، وفي الإطار الذي يجمعنا ولا يفرقنا». لافتاً إلى أن «التدليس والتشكيك في الذاكرة والتاريخ والهوية والمرجعيات والرموز، بحجة حرية التعبير، عذر أقبح من ذنب، وتعدٍّ صارخ على ماضينا المجيد، الذي صنع مجده رجال آثروا التضحية بكل غال ونفيس من أجل أن نعيش أحراراً، أسياداً على أرضنا الطيبة».
ويعود هجوم «الجيش» على بوعقبة إلى مقابلة أجرتها معه المنصة الإلكترونية «رؤية» الشهر الماضي، تناول فيها ما يُعرف بـ«كنز جبهة التحرير الوطني»، وهو تعبير يشير إلى الأموال التي جمعها التنظيم الوطني لدعم المجهود الحربي، خلال ثورة استقلال الجزائر (1830 – 1962).
وخلال المقابلة، قال بوعقبة إن بعض قادة «جبهة التحرير الوطني» – ومن بينهم الرئيس الراحل أحمد بن بلّة – استحوذوا على جزء من تلك الأموال بعد الاستقلال عام 1962. وذكر منهم أيضاً قيادي الثورة محمد خيضر، الذي تعرض للتصفية الجسدية في منفاه بإسبانيا عام 1967، حيث يعتقد مقربون منه أن اغتياله مرتبط بـ«قضية أموال جبهة التحرير»، التي تم جمعها في خمسينات القرن الماضي، بفضل تبرعات المهاجرين الجزائريين في فرنسا، وهبات بلدان كانت مؤيدة لاستقلال الجزائر عن فرنسا.

ونسب بوعقبة هذه المعطيات إلى كاتب فرنسي كتب عن هذا الموضوع، قبل 40 عاماً، بحسبه. وإثر بث هذه المقابلة، رفعت ابنة الراحل بن بلة شكوى ضده، وتأسست وزارة المجاهدين كطرف مدني في القضية.
وتضمن رد النشرة العسكرية على بوعقبة أن «تاريخ البلاد ليس مجرد حكايات يحكيها راو في الأسواق ليجمع حفنة من الدنانير، أو أحجيات تقصها الجدات على الحفدة قبل نومهم، أو سلعة تباع في الأسواق من تجار لا يهمهم إلا ما يجنون وراءها من مكاسب، مثلما يفعله البعض اليوم، بل تاريخنا سيرورة أحداث ناصعة راسخة، صنعت مجد وطننا وكبرياءه الخالد، لا يخوض فيه إلا من هو أهل لذلك، ولا يرويه كل من هب ودب حسب الأهواء والنزوات والنيات السيئة».
وأضافت المجلة موضحة أن «ذاكرتنا الوطنية وتاريخنا المجيد برموزه الخالدة ومحطاته المشرقة، خط أحمر لا يقبل أي مساومة أو استهانة، أو محاولة للتشويه أو التزوير أو التشكيك، فهو صمام أمان الوطن، والذود عن حياضه قضية وجود وواجب مقدس، ومسؤولية وطنية نابعة من باب وفاء الأجيال اللاحقة للأجيال السابقة». وتابع المقال مشدداً على أن «الأكيد هو أن كل تلك المحاولات الفاشلة ما هي سوى مطية عرجاء يركبها الحاقدون والانتهازيون وأذنابهم، لعلهم يصنعون لأنفسهم الخبيثة مكاناً في التاريخ، بعد أن لفظتهم الجزائر العصية عنهم وسفههم الشعب الجزائري الأبي».
ويُعدّ سعد بوعقبة، البالغ 79 عاماً، أحد أبرز وجوه الصحافة الجزائرية. وقد بدأ مسيرته في الصحافة العمومية قبل أن يتحول إلى كاتب عمود في صحف خاصة، مثل «الخبر» و«الشروق». وكثيراً ما كان محور جدل، كما سبق أن وُجهت إليه تهم تتعلق بالتشهير، وقد حُكم عليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بالسجن ستة أشهر نافذة بسبب مقال ساخر من سكان منطقة الجلفة (300 كلم جنوب).
وأمام القاضي، دافع المتهم بوعقبة عن نفسه، مؤكداً أنه «لم يسئ قط لزعيم الثورة أحمد بن بلة»، بل يعده «أحد الرموز التاريخيين وصديقاً شخصياً جمعتني به علاقة صداقة قوية». وأفاد بأنه رغم الملاحقات القضائية السابقة التي طالته، فإنه «لم يشعر بالإحباط في مساره المهني سوى في هذه القضية، التي آلمتني بعمق». وفي ختام جلسة المحاكمة قدم اعتذاراً مباشراً لابنة بن بلة، التي تأثرت وبكت من جراء ما عدّته إهانة لوالدها.
وقد حُكم على مدير قناة «رؤية»، عبد الرحيم حرّاوي، بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، إضافة إلى الغلق النهائي للقناة، ومصادرة معدات البث.


