هاربورغ لـ«الشرق الأوسط»: لن أشتري النجوم… سأصنعهم في «الخلود» وأبيعهم للعالم

في الرابع والعشرين من يوليو (تموز) الماضي أعلنت وزارة الرياضة استحواذ رجل الأعمال الأميركي بن هاربورغ، على نادي الخلود ليصبح أول مستثمر أجنبي يمتلك نادياً سعودياً بنسبة 100 في المائة. وفي حوار مطوّل مع «الشرق الأوسط»، كشف هاربورغ عن دوافعه، وتطلعاته، وحقيقة ديون النادي السابقة، ورؤيته لمستقبل الخلود، مؤكداً أن هدفه الأسمى أن يتحول النادي إلى مصنع للمواهب السعودية القادرة على الوصول للعالمية.

– الجماهير هي روح النادي، وإن لم يشعروا بالفرح والحزن مع نتائج الفريق فلا معنى لوجودنا. كرة القدم ليست استثماراً مالياً مجزياً غالباً، بل قد تكون مؤلمة وتؤدي للخسارة، ولهذا فإن السبب الحقيقي وراء استثماري في الخلود هو إسعاد جماهيره. في البداية لم أكن أعرف ما أنتظره من الجماهير السعودية، خصوصاً مع الصورة السلبية التي تُروَّج عالمياً عن الملاعب الفارغة، لكنني اكتشفت أن 70 في المائة من السعوديين مشجعون لكرة القدم. المشكلة أن تجربة حضور المباريات لم تكن بالمستوى المطلوب، لذلك فضّل كثيرون متابعة فرقهم افتراضياً عبر الإنترنت. لهذا كان تواصلي الأول معهم عبر المنصات الرقمية، ووجدت شغفاً كبيراً. لاحقاً التقيتهم شخصياً، وكانت تجربة رائعة عززت يقيني أنني أملك نادياً له محبون أوفياء.

رئيس النادي بن هاربرغ في لقاء مع جماهير الخلود (نادي الخلود)

> هل كانت لديك خيارات أخرى قبل شراء الخلود؟

– عُرضت عليَّ ثلاثة أندية: العروبة، والأخدود، والخلود. العروبة كان قد هبط للدرجة الأدنى فاستبعدته. الأخدود كانت لديه مرافق جيدة لكنه بعيد جغرافياً حيث يقع في جنوب غربي المملكة. أما الخلود فيتميز بموقعه في القصيم، وهي منطقة استراتيجية تضم عائلات ممتدة في مختلف مدن المملكة، مما يعزز قاعدة جماهيرية واسعة. كذلك لا يملك الخلود تاريخاً كبيراً في الدوري السعودي للمحترفين لكرة القدم، ما يمنحنا مساحة لتجربة الأفكار الجديدة دون ضغوط كبيرة للفوز بالبطولات. كما أن جمهوره أبدى مرونة تجاه تغييرات الهوية البصرية والشعار، وهذا يساعدنا على التطوير.

> هل تنوي تغيير اسم النادي إلى «الرس»؟

– لم يكن ذلك في خططي الشخصية، لكن بعض المشجعين اقترحوه، والإدارة السابقة فكرت فيه أيضاً. اسم الخلود جميل لكنه لا يعكس الانتماء الجغرافي لمحافظة الرس. لا نتعجل هذا القرار، لكنه يظل خياراً منطقياً في المستقبل.

شعار نادي الأخدود الجديد (نادي الخلود)

> هل يمكن أن ينتقل النادي إلى الرياض؟

– الخلود سيبقى دائماً في الرس، فهي موطنه وجزء من هويته. نستثمر حالياً في مرافق جديدة هناك، منها ملعب للناشئين وتطوير غرف الملابس. لكن لا أخفي أن ملعبنا الحالي يُعد من أضعف ملاعب الدوري السعودي على صعيد الجودة والبناء وربما أقل من ملاعب الدرجتين الثانية والثالثة، لذا نحتاج إلى إعادة بنائه بالكامل. التحدي الآخر أن الرس مدينة صغيرة فيها نادٍ أكبر هو الحزم، يحظى بدعم غالبية السكان بنحو 75 في المائة. كما أن قربها من بريدة وبعدها عن الرياض يقللان من خيارات اللاعبين في جودة الحياة والترفيه. لهذا نبحث عن حلول تضمن راحة لاعبينا وتهيئ لهم بيئة احترافية، حتى نستطيع استقطاب مواهب محلية وأجنبية رغم منافسة أندية المدن الكبرى.

وكوننا ننافس أندية كبرى تملك أموالاً كثيرة وتقع في مدن جميلة وتملك خيارات ترفيهية لا تعد ولا تحصى، مثل أندية الرياض وجدة والشرقية، علينا اتخاذ قرار لا يتمحور حول المال بل حول كيفية الحفاظ على الروح التنافسية والنجاة في دوري يملك كل هذه الأمور التي ذكرتها.

الخلود خلال تقديمه لقمصان الفريق الجديدة لهذا الموسم (نادي الخلود)

> هل سيستثمر النادي في رياضات أخرى إلى جانب كرة القدم؟

– بالتأكيد، لكن أولويتنا الآن هي الفريق الأول والناشئون لضمان البقاء في الدوري السعودي للمحترفين. في الأسبوع المقبل سنجتمع مع مسؤولي اللجنة الأولمبية السعودية لتحديد الرياضات التي يمكن الاستثمار فيها بما يتماشى مع رؤية المملكة. سنسأل أيضاً سكان المنطقة عن الرياضات التي يبرعون فيها. لكن أي قرار يجب أن يكون مدروساً مالياً، فلا يمكننا تمويل رياضة بلا مستقبل واضح. الشيء المؤكد أننا سنطلق فريقاً لكرة القدم النسائية تحت اسم الخلود قريباً، كما سنبحث لاحقاً عن فرص في رياضات فردية مثل التنس أو القفز المظلي.

> لماذا لم تشتروا مرافق النادي عند الاستحواذ؟

– كان أمامنا خيار الشراء أو الاستئجار. لكن المرافق الحالية ضعيفة الجودة، فقررنا استئجارها لعام واحد ثم نقرر مستقبلاً ما إذا كنا سنبني مرافق جديدة أو نطوّر الموقع الحالي.

مالك النادي خلال توقيع العقد مع جون باكلي (نادي الخلود)

> ما الذي شملته صفقة الاستحواذ بالضبط؟

– اشترينا العلامة التجارية للنادي فقط، وهذا أمر شائع في صفقات الأندية الرياضية. مثل تجربتي مع قادش الإسباني، حيث لم نملك الملعب لأنه تابع للمدينة، لكننا حصلنا على حقوق استخدامه. قيمة النادي تتأثر بامتلاكه مرافق تدريبية أو عقارات، ونحن الآن نعمل على بناء هذا الجانب في الخلود.

> هل صحيح أن النادي مدين لرئيسه السابق محمد الخليفة بنحو 2.5 مليون دولار؟

– نعم، كانت هناك ديون بشكل عام على النادي وسددتها كشرط لإتمام الاستحواذ على النادي وتملكه، كما أن الرقم الذي تم تداوله بشأن الديون المرصودة للرئيس السابق (2.5 مليون دولار) غير دقيق. هذه الديون سبَّبت لنا مشكلات في البداية، إذ أعاقت تسجيل لاعبين جدد وخلقت أجواء سلبية داخل الفريق بسبب تأخر المستحقات. بعض اللاعبين والمدربين فقدوا الحماس وكادوا يلجأون إلى رفع قضايا في «فيفا». كان من الضروري إغلاق هذا الملف سريعاً لإعادة الثقة. مقارنةً بغيره من الأندية، وضع الخلود لم يكن سيئاً جداً، لكن تراكم الديون كان المشكلة.

> كيف تقيّم الأندية الأربعة الكبرى في السعودية من واقع خبرتك؟

– الأندية الكبرى مثل النصر والهلال والاتحاد والأهلي أنفقت مبالغ ضخمة للوصول إلى العالمية. وحقيقةً الدوري السعودي يمر بعملية تخصيص مهمة وقوية وصعبة، لكنها كانت ضرورية لتغيير الصورة النمطية عن الدوري السعودي. الآن العالم يعرف قوة الدوري وجودة الحياة في المملكة، لذلك لم تعد هناك حاجة لمزيد من الصرف المبالغ فيه. أتمنى أن يوجَّه الإنفاق مستقبلاً بكفاءة أكبر، فهذا سيساعد الأندية الأصغر مثل الخلود على المنافسة. باختصار، الكبار أنجزوا الكثير لكن أمامهم طريق طويل ليصبحوا أكثر استدامة وكفاءة مالية.

فتاة سعودية تشجع الخلود رسمت شعار ناديها الجديد في إحدى المقاهي بالرس (نادي الخلود)

> كيف توازن بين إدارتك للخلود وملكية قادش الإسباني؟

– أمتلك قادش منذ خمسة أعوام، وهناك طاقم إداري ممتاز يدير النادي. أما في الخلود فما زلنا في مرحلة التأسيس، وهي المرحلة الأصعب التي تتطلب جهداً مضاعفاً وسهراً. أتابع الصفقات مع شركائي في إسبانيا حتى وقت متأخر من الليل، ونجحنا مؤخراً في إغلاق ميركاتو صيفي قوي. في الخلود أعمل على تعيين مدير تنفيذي بخبرة كبيرة وبناء جهاز إداري وفني قوي. هذه المرحلة شاقة لكنها ضرورية، وأتوقع أن نحقق استقراراً إدارياً خلال شهرين.

> كيف ستجعل الخلود مصنعاً للمواهب السعودية كما قلت سابقاً؟

– أنا لا أستطيع منافسة الأندية الكبرى مالياً، حيث في هذه الحالة لن أستطيع شراء النجوم لأن هذه الأندية دائماً سيكون بإمكانها دفع أكثر مما سأدفعه، لذلك سأركّز على بناء اللاعبين لا على شرائهم. في بلادي الولايات المتحدة الاميركية نقول: «إما أن تشتري وإما أن تبني». بالنسبة إليَّ البناء هو الحل. سأركز على اللاعبين تحت 21 عاماً، أطوِّرهم بالتدريب وأمنحهم دقائق لعب، ثم أبيع النجوم منهم للأندية الكبرى محلياً وعالمياً. بهذه الطريقة نحافظ على الاستدامة المالية ونفيد الكرة السعودية، خصوصاً أن المنتخب يعاني من قلة مشاركة لاعبيه في الأندية الكبيرة. أريد أن يكون الخلود الوجهة التي تمنح الشباب فرصة اللعب والتطور، وأن نُعرف كنادٍ يصدّر المواهب لا يشتريها فقط.

أود أن أكون النادي الذي يأتي إليه هؤلاء اللاعبون ليحصلوا على فرصتهم، وأن أكون النادي الذي يطوّر اللاعبين اليافعين ثم يبيعهم للأندية السعودية وخارج المملكة، وإن أردت تكوين لاعبين رائعين يقودون إلى الفوز فعليهم أن يكونوا قد تطوروا وفق نظامنا الخاص وخططنا الفنية والكروية لا أن يكونوا لاعبين نشتريهم بمبالغ طائلة، علينا أن نكون صارمين في تحديد المواهب الذي لا يدرك الآخرون مكامنها، وعلى المدى الطويل علينا بناء أكاديمية نادي الخلود.

> ما أهمية علم البيانات في إدارة الأندية؟

– علم البيانات عنصر أساسي في عملي. لدينا نظام متطور أنشأناه في قادش وسنطبقه في الخلود. بعض الأندية تجمع البيانات لكنها لا تستفيد منها فعلياً، بينما نحن نعتمد عليها أكثر من القرارات البشرية الفردية. البيانات تعطينا دقة في اكتشاف المواهب وتقييم الأداء وتخطيط الصفقات. أؤمن بأن الاعتماد على البيانات سيجعل الخلود أكثر تنافسية رغم فارق الإمكانات مع الكبار.

النجاح مع الخلود لا يقاس بالبطولات وحدها، بل بمدى القدرة على بناء بيئة صحية للجماهير واللاعبين، وتحويل النادي إلى منصة حقيقية لتطوير المواهب السعودية وتصديرها للعالم. ورغم التحديات في البنية التحتية والمنافسة المالية، فإن طموحنا أن يكون الخلود مصنعاً للمواهب ومنارة للاستدامة الرياضية.

شاركها.
Exit mobile version