بعد قطيعة استمرت ثمانية أشهر اتسمت فيها العلاقات بين البلدين بالفتور وتبادل الاتهامات، حطّ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الجزائر لبحث سبل حل المسائل العالقة بين البلدين.
وصرّح بارو بعد لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن باريس تسعى لطي صفحة الخلافات، وأن البلدين اتفقا على استئناف التعاون في جميع القطاعات.
وجاءت زيارة الوزير الفرنسي بعد أسبوع من اتصال هاتفي بين الرئيسين الجزائري تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون: أكدا خلاله على رغبة بلدَيهما في استئناف الحوار المثمر بينهما، استنادا إلى إعلان الجزائر الصادر في أغسطس/ آب من عام 2022.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أن الحوار المنشود يجب أن يكون متكافئًا، كون البلدين شريكين وفاعلين في أوروبا وإفريقيا.
يذكر أن العلاقات بين البلدين، اتسمت منذ استقلال الجزائر بالمراوحة ما بين المد والجزر، بسبب الماضي الاستعماري الفرنسي. لكن الأمر لم يصل إلى درجة سحب السفير الجزائري من باريس في يوليو/ تموز من عام 2023، إثر تبنّي باريس المقاربة المغربية في ملف إقليم الصحراء.
ويأتي هذا ضمن ملفات شائكة أخرى مثل الذاكرة التاريخية والهجرة واعتقال الكاتب بو علام صنصال وإجبار السلطات الفرنسة مؤثرين جزائريين على مغادرة فرنسا. فهل ستكون زيارة الوزير الفرنسي فاتحة علاقات أفضل بين البلدين؟
“استدراك أخطاء ورفع للحرج”
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر رضوان بوهيدل، أن العلاقة بين البلدين قبل مكالمة تبون-ماكرون الأخيرة تجاوزت التوتر إلى الأزمة، وجاءت زيارة الوزير الفرنسي لرفع الحرج عن الطرفين.
ويوضح بوهيدل في حديث للتلفزيون العربي، أن الزيارة تأتي بينما ماكرون نفسه يتخبط حسب قوله، ولا يستطيع التحكم بوزراء حكومته، ومنهم وزير الداخلية المناوىء لكل ما هو جزائري، وربما كانت الزيارة لاستدراك أخطاء ارتكبها مسؤولون فرنسيون بحق الجزائر.
ويضيف بوهيدل من العاصمة الجزائر، أن الزيارة تأتي في سياق جزائري مختلف، وهو تشكيل لجنة في البرلمان لدراسة مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي الذي بقي حبيس الأدراج لسنوات طويلة. لذلك فإن الزيارة، في رأيه، لن تقدّم أو تؤخر في العلاقات بين البلدين المتوترة لأسباب عديدة.
ويلاحظ بوهيدل أن الإعلام الفرنسي ركّز في تغطيته للزيارة على ملف الكاتب بو علام صنصال، ولم يتطرق إلى الذاكرة التاريخية وهذا أمر مرفوض، على حد قوله.
“إلى مرحلة تعاون إستراتيجي”
من جهتها، أشارت آن غودي تشيلي، الخبيرة في الأمن الدولي والعلاقات الدولية، إلى أن الجزائر تعتبر ملفًا لحشد الأصوات داخل المشهد الفرنسي الداخلي.
وتقول في حديث للتلفزيون العربي من باريس، إن الرئيس ماكرون ووزير خارجيته يسعيان إلى تحرير العلاقات مع الجزائر من حالة الاستقطاب إلى مرحلة التعاون الإستراتيجي، أي تحقيق مكاسب للطرفين، والبحث في توحيد الرؤية والمقاربة لأمور أخرى.
وعددت في هذا الإطار الوضع في منطقة الساحل والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتطوير إستراتيجيات عالمية فيما يتعلق بالسلام والاستقرار الدوليين.
“الأهم هو مسار المصالح المشتركة”
وعن تأثير صعود أحزاب اليمين المتطرف على العلاقات الأوروبية مع منطقة شمال إفريقيا، يؤكد جيمس موران، الباحث في مركز الدراسات الأوروبية من بروكسل، أن وصول هذه الأحزاب للسلطة يؤثر سلبًا على علاقات أوروبا بإفريقيا، لكن الأهم في رأيه هو في مسار المصالح المشتركة بين الجانبين.
ويلفت في حديثه للتلفزيون العربي من بروكسل، إلى أن زيارة الوزير الفرنسي للجزائر تحظى بترحيب أوروبي، لأنها تجدد الحوار مع الجزائر التي أصبحت تزوّد الأوروبيين بنحو 20% من احتياجاتهم من الغاز بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ويوضح موران أن حجم التجارة بين الجانبين الفرنسي والجزائري يبلغ نحو خمسين مليار يورو، وهو مرشّح للازدياد، وأن الجزائر كما يخلص مهتمة بتطوير علاقاتها مع الجوار الأوروبي رغم وجود قضايا تشكل مصدر قلق لها مثل إقليم الصحراء.