أكد الكرملين حرص موسكو على تكثيف الاتصالات الروسية الأميركية، لدفع مسار تطبيع العلاقات. ومع التريث في إعلان موعد لاتصال مباشر جديد بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب، أكد الناطق الرئاسي الروسي أن موسكو تعوِّل على مواصلة التقارب مع واشنطن في كل المجالات، ولكنه أقر بأن الطرفين «لم يتوصلا بعد لتحديد ملامح التسوية المقبلة» في أوكرانيا، على الرغم من توفر إرادة سياسية لذلك لدى الطرفين.
وأعرب الناطق عن رضا الكرملين عن مسار ومستوى المحادثات المتواصلة مع واشنطن، وقال إن جانباً مهماً من الاتصالات يتركز على مسائل التعاون الاقتصادي التجاري بين البلدين. ورأى بيسكوف أن «التعاون الاقتصادي بين روسيا والولايات المتحدة يمكن أن يلعب دوراً استقرارياً في العالم، وهذا أمر واضح بالنسبة إلى الطرفين».
وفي وقت سابق، قال المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف بعد زيارة إلى روسيا، إن موسكو وواشنطن يمكنهما تحسين العلاقات من خلال التعاون التجاري ذي المنفعة المتبادلة. وسُئل بيسكوف عما إذا كان ملف تحسين العلاقات من خلال التعاون التجاري ذي المنفعة المتبادلة قد تمت مناقشته في اجتماعات الوفدين الروسي والأميركي. وأيضاً عن طبيعة التعاون الذي يمكن للكرملين التحدث عنه حالياً، وما إذا كان يتعلق بالمعادن النادرة.
وقال بيسكوف إن الجانب الروسي لا يرغب حالياً في الكشف عن كل تفاصيل ومضمون الحوارات «التي تجري خلف أبواب مغلقة»، منوهاً بأن موسكو «لا ترغب في إعلان تفاصيل مسبقاً، ولكن من الواضح أن هناك إمكانات هائلة للتعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة، وأن هذا التعاون الاقتصادي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في استقرار العالم أجمع».
وكانت تقارير قد ترددت عن أن الكرملين قد قدَّم عرضاً لترمب باستثمار مشترك في مجال المعادن النادرة على الأراضي الروسية، وفي المناطق الأوكرانية التي ضمتها روسيا في وقت سابق. وأشارت إلى أن هذا الملف يعد جزءاً من صفقة مجزية، يمكن أن تساعد على تعزيز التعاون الاقتصادي التجاري بين موسكو وواشنطن، وتسهل طريق التوصل إلى تسوية مقبولة في أوكرانيا.
وفي الموضوع الأوكراني، قال بيسكوف إنه «لا توجد حتى الآن خطوط عريضة واضحة لاتفاق بشأن التسوية الأوكرانية، ولكن هناك إرادة سياسية للتحرك في اتجاهها». وجاء حديثه تعليقاً على تصريحات ويتكوف بأن «الاتفاق مع روسيا يقترب».
وقال بيسكوف: «لا توجد حتى الآن خطوط عريضة واضحة لأي اتفاق، ولكن هناك إرادة سياسية للتحرك نحو هذا الاتفاق. وأكرر مرة أخرى: إننا نقيِّم الاتصالات البناءة والهادفة التي جرت بإيجابية بالغة».
في الوقت ذاته، جدد بيسكوف هجومه على الدول الأوروبية، واتهمها بأنها «تعلن بكل الطرق عن نيتها دعم أوكرانيا ونظام كييف في رغبتهما في مواصلة الحرب». وأضاف خلال إفادة صحافية الثلاثاء: «أوروبا تعلن بكل قوة عن نيتها مواصلة دعم أوكرانيا ونظام كييف في سعيهما لمواصلة الحرب. ومن المهم للغاية أيضاً أن ندرك ذلك في هذا الوضع».
ولمَّح الناطق الرئاسي إلى إمكانية تراجع روسيا عن التزامها باتفاق وقف استهداف منشآت الطاقة، وهو الإنجاز الوحيد حتى الآن الذي نجحت إدارة ترمب في إحرازه على صعيد التسوية المنتظرة.
وقال بيسكوف إن أوكرانيا تواصل انتهاك الاتفاق «يومياً»، وزاد أن الكرملين «سيتحقق مع وزارة الدفاع الروسية بشأن موعد انتهاء فعالية قرار الوقف المؤقت للضربات على منشآت الطاقة في أوكرانيا»، منوهاً بأن القرار في هذا الشأن سيكون بيد الرئيس بوتين، بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة. واتهمت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، أوكرانيا، بشن 6 ضربات على البنية التحتية الروسية للطاقة في غضون الساعات الأربع والعشرين الماضية.
في السياق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنه ليس من السهل الاتفاق مع الولايات المتحدة على الجوانب الرئيسية لاتفاق سلام محتمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وشدد على أن روسيا لن تسمح لنفسها أبداً بالاعتماد مرة أخرى اقتصادياً على الغرب. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «كوميرسانت» رداً على سؤال عما إذا كانت موسكو وواشنطن قد اتفقتا على بعض جوانب اتفاق سلام محتمل: «ليس من السهل الاتفاق على الجوانب الرئيسية للتسوية. إنها قيد النقاش».
وقال في المقابلة التي نشرت الثلاثاء: «إننا ندرك تماماً شكل الاتفاق الذي يمكن أن يضمن المنفعة المتبادلة، وهو أمر لم نرفضه قط، كما ندرك تماماً شكل الاتفاق الذي قد يقودنا إلى فخ آخر». وأشار لافروف إلى أن الرئيس الروسي حدد بوضوح موقف بلاده في يونيو (حزيران) 2024، عندما طالب أوكرانيا رسمياً بالتخلي عن طموحاتها للانضمام لحلف شمال الأطلسي، وبسحب قواتها من كل الأراضي «الروسية»، في إشارة إلى 4 مناطق أوكرانية ضمتها روسيا في عام 2022. وأضاف: «إننا نتحدث عن حقوق سكان هذه الأراضي. ولهذا السبب، هذه الأراضي غالية علينا. ولا يمكننا التخلي عنها».
وتسيطر روسيا حالياً على ما يقل قليلاً عن 20 في المائة من أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، وأجزاء من 4 مناطق أخرى تقول روسيا الآن إنها جزء من أراضيها، وهو أمر لا تعترف به معظم الدول. وأشاد لافروف «بالإدراك السديد» لترمب، وبتصريحه بأن الدعم الأميركي السابق لمساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كان سبباً رئيسياً للحرب.
واتهم الرئيس الأميركي، الاثنين، سلفه جو بايدن ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالفشل في منع اندلاع الحرب في أوكرانيا. وانتقد ترمب زيلينسكي لأنه يريد صواريخ أميركية، قائلاً: «اسمع، عندما تبدأ حرباً، عليك أن تعرف أنه يمكنك الفوز بالحرب، أليس كذلك؟ يجب ألا تبدأ حرباً ضد شخص أكبر منك بــ20 مرة، ثم تأمل أن يعطيك الناس بعض الصواريخ».
وشدد لافروف على أن النخبة السياسية الروسية لن تسمح بأي إجراءات تعيد روسيا إلى الاعتماد الاقتصادي، أو العسكري، أو التكنولوجي، أو الزراعي، على الغرب.
على صعيد متصل، حذَّر مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين، من «تطلعات عدوانية» لبعض الدول الأوروبية، قال إن روسيا وجارتها الأقرب بيلاروسيا تواجهانها. وقال خلال زيارة إلى العاصمة البيلاروسية مينسك: «تواجه لجنة أمن الدولة في جمهورية بيلاروسيا وجهاز الاستخبارات الخارجية مهامَّ صعبة ومحددة لضمان أمن بلدينا، والتصدي للتطلعات العدوانية للدول المعادية لمصالح دولنا. وقد تم بالفعل إنجاز الكثير في هذا الاتجاه». ووفقاً له، فإن التعاون بين الأجهزة الخاصة في روسيا وبيلاروسيا يتم على أساس بنَّاء وموثوق، ويتطور ويتوسع كل عام.
ونبَّه المسؤول الأمني إلى أنه «في حال عدوان حلف شمال الأطلسي على دولة الاتحاد التي تضم بيلاروسيا وروسيا، فإن الأضرار ستلحق بالكتلة (ناتو) كُلها، ولكن بولندا ودول البلطيق ستعاني في المقام الأول»؛ متهماً بولندا وجمهوريات حوض البلطيق بأنها «عدوانية بشكل خاص (…) على الأقل لفظياً، فهي تُلوِّح بأسلحتها باستمرار. بل إن بولندا أعلنت عن خططها لتركيب نحو مليوني لغم مضاد للدبابات على طول حدود بيلاروسيا ومنطقة كالينينغراد، وترغب أيضاً في الحصول على أسلحة نووية أميركية. هذا أمر محزن».
وأكد أن هذه البُلدان «لا تستطيع أن تفهم أن زيادة النشاط العسكري بالقرب من حدود روسيا وبيلاروسيا أصبحت من عوامل وأسباب الأزمة الكبرى والخطيرة للغاية الحالية في القارة الأوروبية».
وجدد ناريشكين التأكيد على أن الأهداف الاستراتيجية النهائية لروسيا بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا لم تتغير. وشدد على «ضمان وضع غير نووي ومحايد لأوكرانيا، ونزع السلاح والنازية منها، واعتراف كييف بالحدود الحالية للاتحاد الروسي». وأضاف أن أوكرانيا يجب أن تعترف دون قيد أو شرط بسيادة روسيا والحدود الإقليمية الحالية للاتحاد الروسي.