تظهر على الجدار فوق سرير سيدي عبارة “التوتّر يقتل الخلايا العصبية”. هذا الشاب البالغ 22 عامًا الذي شُخّص باضطراب الذهان، يشغل الغرفة 13 في مستشفى الطب النفسي الوحيد في موريتانيا، والذي لا يضم سوى عشرين غرفة للمرضى النفسيين في البلد برمّته.
يقول والده محمد الأمين: “أوقعه أصدقاؤه في مشاكل، وأقنعوه بفكرة الهجرة إلى الولايات المتحدة، لكنّ المصرف رفض منحه قرضًا، فحزن كثيرًا وبدأ في تعاطي المخدرات”.
واصطحب الوالد الذي لم يكن يعرف ما ينبغي فعله في ظل نوبات العنف الذهاني، نجله إلى مركز متخصص في نواكشوط، حيث يضم أحد المستشفيات القسم الوحيد للطب النفسي في البلاد.
سيبقى سيدي في المركز بضعة أيام، إذ إن العلاج في المستشفى لا يدوم طويلًا لأنّ مساحة المركز صغيرة وعدد الموظفين محدود.
ويقول الطبيب محمد الأمين العبيدي: “نحتاج إلى رفع عدد الأسرّة، إذ يحضر عدد كبير من المرضى من أماكن بعيدة ولا مراكز أخرى متخصصة في الصحة النفسية”.
يعود العلاج النفسي في موريتانيا إلى سبعينيات القرن الماضي-غيتي
مستشفى وحيد
في ممر واسع حيث الغرف العشرون، طُليت الجدران باللونين الأزرق السماوي والأبيض الكريمي. ويشهد هذا الممر حركة مستمرة إن من أمّ تُحضر أطباقًا لنجلها، أو شاب يأتي لزيارة أخيه، أو عمّ قلق يأتي لتهدئة ابن أخيه المصاب بجنون العظمة.
يسير في الرواق أيضًا مرضى غير عنيفين، يكونون دائمًا برفقة أحد الوالدين. يلقون التحية على الممرضة ويمازحون مسؤول الأمن، ويروون لمن يطيب له السمع قصصًا شتى عن مؤامرات سياسية مفترضة أو كوابيس مزعجة لديهم.
ويقول البروفيسور العبيدي: “ترافق العائلات جميع المرضى تقريبًا خلال المعاينات الطبية، وحتى في فترة العلاج داخل المستشفى”. أمام مدخل القسم، ينتظر نحو عشرة أشخاص متّكئين على الجدران.
وعلى غرار الممارسين الطبيين الموريتانيين، تلقّى الطبيب النفسي دراسته خارج البلاد، بسبب نقص البرامج المتخصصة في البلاد، وعاد حديثًا من السنغال. يقول باسما وهو يغادر مكتبه: “حتى لو كانت قدرتنا الاستيعابية محدودة بعض الشيء، تحسّن الوضع” مقارنة بسبعينيات القرن العشرين.
وخلال تلك المرحلة، بدأ الطب النفسي يُمارس في موريتانيا، الدولة التي تضم خمسة ملايين نسمة وتتمتع بثقافة وجغرافيا صحراوية إلى حد كبير، ويعود الفضل في ذلك إلى الدكتور ضياء الحسينو الذي يبلغ راهنًا 83 عامًا، ويمضي أيامه مع عائلته في منزله وسط نواكشوط.
نقص الإمكانيات والكوادر لعلاج المرضة النفسيين الموريتانيين-غيتي
استشارات طبية في الخيام
في عام 1975، بعد أن درس في دكار وتلقى تدريبات في دول أوروبية كثيرة وأنجز أطروحة عن العلاج الأسري، عاد إلى بلده وأقنع السلطات بأهمية هذا الطب الذي لم يكن معروفا آنذاك.
ونصب خيامًا تقليدية في باحة المستشفى الوطني، مما أتاح للعائلات إحضار مرضاها إلى المركز الطبي لإجراء استشارات. وبعد ثلاث سنوات، بدأ المستشفى يتيح خدمة متخصصة، قبل افتتاح مركز للصحة الذهنية سنة 1990.
وبعد أربعة وثلاثين عامًا، يأسف المتقاعد للتخلي عن الخيام الكبيرة لصالح الغرف المغلقة. ويقول: “للهندسة المعمارية أهمية كبيرة في رعاية المرضى، فعندما ننشئ أقسامًا مغلقة، يكون لكل شخص غرفته الخاصة المغلقة، وتصبح بمثابة سجون”. ويشدد على عدم الحاجة إلى “طب نفسي على النمط الغربي”.
ويتم تقييد عدد كبير من المرضى الذين يُعتبرون عنيفين لأسرهم. ويقول رمضان محمد المسؤول عن الأمن: إنّ “سياسة المستشفى تحظر ذلك، لكن قرار تقييد المريض متروك لأسرته”. أما سيدي، فكان مقيدًا بقدمه اليسرى.
في كثير من الأحيان، يكون العلاج في المستشفى هو الخيار الأخير للعائلات، على ما يوضح العبيدي، ويقول: “يخضع غالبية المرضى للعلاجات التقليدية قبل التحوّل إلى الطب النفسي. يذهب المريض لمقابلة مرابط، وإذا رأت الأسرة والمرابط أن الأمور لا تتقدم، يحوّلونه إلى المستشفى”.