مع اقتراب مواجهة السعودية وإندونيسيا في افتتاحية الملحق الآسيوي المؤهل لكأس العالم 2026، المقررة بعد غد (الأربعاء)، رفع المدير الفني الفرنسي تحضيرات الأخضر في معسكره بجدة، وذلك في ظل جاهزية اللاعبين للموقعة المرتقبة، التي يتوقع أن يحضرها أكثر من 60 ألف متفرج دعماً للمنتخب السعودي.
وابتكر الجهاز الفني للمنتخب السعودي الأول، بقيادة الفرنسي هيرفي رينارد، أسلوباً تدريبياً غير تقليدي لاختبار جاهزية حراس المرمى، وذلك ضمن تحضيرات «الأخضر» لمواجهة إندونيسيا والعراق في الملحق المؤهل إلى كأس العالم 2026.
وشهدت الحصة التدريبية الخاصة بحراس المرمى (محمد الربيعي، وراغد النجار، ونواف العقيدي، وعبد الرحمن الصانبي) اعتماد مدرب الحراس على 3 كرات مختلفة؛ شملت الكرة الرسمية المعتمدة للمباريات، إلى جانب كرة أميركية، وأخرى صغيرة الحجم.
في المقابل، يعيش الشارع الإندونيسي حالة من الترقب والقلق، حيث جاءت المؤشرات الرقمية لتضع منتخب «غارودا» أمام أصعب اختبار في تاريخه الحديث، بعدما قدّرت مراكز التحليل الكروية الإندونيسية أن حظوظه في بلوغ نهائيات كأس العالم 2026 لا تتجاوز 5 في المائة فقط.
وتشير تقارير الصحف الإندونيسية إلى أن المنتخب يدخل مرحلة الحسم ضمن المجموعة الثانية التي تضم السعودية والعراق، وسط توقعات سلبية، إذ تتصدر السعودية الترشيحات بنسبة 67 في المائة للتأهل المباشر إلى كأس العالم، يليها العراق بنسبة 28 في المائة، بينما لا تتعدى فرص إندونيسيا 5 في المائة فقط.
وتفصّل الإحصاءات احتمالات الترتيب في المجموعة، حيث تبلغ فرص السعودية في إنهاء التصفيات بالمركز الأول 67 في المائة، وفي المركز الثاني 27 في المائة، والثالث 6 في المائة. أما العراق ففرصه 28 في المائة للصدارة، و53 في المائة للمركز الثاني، و1 في المائة للمركز الثالث.
في المقابل، يُرجّح أن تحتل إندونيسيا المركز الثالث بنسبة 75 في المائة، والمركز الثاني بنسبة 20 في المائة فقط، فيما تبقى آمالها في الصدارة محدودة عند 5 في المائة. ومع ذلك، يرى محللون إندونيسيون أن فوز منتخبهم على السعودية في المباراة الافتتاحية قد يقلب المعادلات، إذ سيرفع نسبة التأهل إلى 18 في المائة، وقد تقفز إلى 31 في المائة في حال تحقيق الفوز في جدة، ما يجعل اللقاء الأول ذا طابع مصيري.
ورغم هذه الأرقام القاتمة، فإن الجماهير الإندونيسية لم تستسلم للتشاؤم، حيث تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات دعم للفريق، وسرعان ما انتشر وسم «هيا غارودا» عقب نشر التوقعات. وكتب أحد المشجعين عبر منصة «إكس»: «5 في المائة فرصة، و95 في المائة روح قتالية»، بينما كتب آخر: «دعونا نحاول جعل المستحيل ممكناً ونقاتل ضد كل العقبات».
وفي خضم هذه الأجواء، جاءت عودة لاعب الوسط مارك كلوك لتمنح دفعة معنوية كبيرة للمنتخب بعد غياب دام أكثر من عام ونصف عام. اللاعب الهولندي الأصل الذي تألق مؤخراً مع بيرسيب باندونغ عبّر عن فخره قائلاً: «أنا فخور بأن أكون جزءاً من هذا الفريق. نعلم أن المهمة صعبة، لكننا سنبذل كل ما في وسعنا من أجل إندونيسيا. نريد أن نصنع التاريخ، ونُظهر أنه لا شيء مستحيل في كرة القدم».
وأضاف أن المنتخب يحتاج إلى الدعم الجماهيري لأن الروح الجماعية هي ما يصنع الفارق، مشيراً إلى أن الفوز على السعودية سيكون المفتاح الحقيقي لفتح الطريق نحو المونديال.
وشارك كلوك في المباراة الودية أمام تايوان في سبتمبر (أيلول) الماضي، وساهم في الفوز العريض بـ6 أهداف دون ردّ، معلناً عودته القوية إلى صفوف «غارودا». وقال عقب اللقاء: «اللعب من أجل المنتخب شرف كبير. أنا فخور بانتمائي لهذا البلد، وسعيد بالعودة إلى الفريق مع هذه المجموعة الرائعة من اللاعبين والمدربين».
ورغم أن الإحصاءات لا تمنح المنتخب سوى بصيص أمل، فإن الصحافة الإندونيسية تؤمن بأن الروح القتالية العالية قد تكون العامل الحاسم. وكتبت صحيفة «بيريتا ساتو»: «الأرقام لا تلعب كرة القدم، والميدان هو من يقرر. قد تكون الحظوظ ضدنا، لكن الشغف والإيمان قادران على صناعة المعجزة».
وفي موازاة الأجواء المعنوية، تشهد الساعات التي تسبق انطلاق الجولة الرابعة من التصفيات الآسيوية استعدادات مكثفة داخل معسكر المنتخب الإندونيسي الذي يستعد لمواجهتين مصيريتين أمام السعودية والعراق في مدينة جدة، وسط اهتمام عالمي غير مسبوق. وقد بدأ المعسكر بخبر فني بارز، تمثل في قرار المدرب الهولندي باتريك كلويفرت شطب 6 لاعبين من القائمة الأولية التي ضمّت 29 لاعباً، لتستقر القائمة النهائية على 23 اسماً فقط، وفق لوائح الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
وأشارت وسائل الإعلام إلى أن المستبعدين هم: رضا آريا براتاما، جوردي أميت، شاين باتيناما، يانس سايوري، إيغي ماولانا فيكري، رمضان سانانتا، وذلك لأسباب فنية تتعلق بالجاهزية والانسجام. فالحارس رضا آريا خسر موقعه أمام مارتن بايس، وإرناندو أري، ونديو أرجاويناتا، فيما لم ينجح باتيناما وسايوري في إزاحة دين جيمس وكالفين فردونك من مركز الظهير الأيسر، بينما واجه جوردي أميت منافسة قوية مع جاي إدزس، وجوستين هوبنر، وكيفن ديكس في قلب الدفاع.
وجاء الخبر السار للمنتخب الإندونيسي من الولايات المتحدة، حيث أعلن الحارس مارتن بايس تعافيه الكامل من إصابة عضلية في الفخذ وعودته إلى المنتخب، ونشر عبر «إنستغرام» صورة من داخل الطائرة المتجهة إلى السعودية مرفقة بأغنية «بيتنا» لفرقة «غود بليس»، في إشارة إلى حماسه الشديد لتمثيل بلاده. بايس، الذي ينحدر من أصول إندونيسية عبر جدته المولودة في كديري، غاب نحو 8 أسابيع بعد إصابته مع ناديه «إف سي دالاس» الأميركي، وشارك مؤخراً أمام «لوس أنجليس غالاكسي» في 5 أكتوبر (تشرين الأول) ليؤكد جاهزيته الكاملة.
ويتوقع أن يعود بايس لحراسة المرمى أساسياً بعدما خاض 8 مباريات دولية، منها التعادل مع السعودية (1-1) في المرحلة السابقة، والفوز على البحرين بهدف دون رد في مارس (آذار) الماضي. ووصل إلى جدة الحراس الثلاثة الآخرون: إرناندو أري سوتاريادي، ونديو أرجاويناتا، ورضا آريا براتاما، ليكتمل الخط الخلفي. في انتظار وصول بقية المحترفين.
وأوضح عضو لجنة المنتخبات سومارجي أن 18 لاعباً فقط كانوا قد وصلوا إلى السعودية حتى 4 أكتوبر، على أن يكتمل الحضور في السادس من الشهر ذاته، بعد انتهاء التزامات اللاعبين مع أنديتهم.
وفي ظل هذه التحضيرات، أبدى المدرب كلويفرت تفاؤله بقدرة فريقه على الظهور المشرف، قائلاً في رسالة مصورة بثّت عبر القناة الرسمية للمنتخب: «لسنا نمثل جماهير غارودا فقط، بل نمثل الأمة بأكملها. سنبذل كل ما بوسعنا لتقديم أفضل أداء ممكن، وإن شاء الله سنجعل البلاد فخورة بنا».
وأضاف أن الفريق يعمل على تحسين تنفيذ الكرات الثابتة والتركيز في اللحظات الحاسمة، مشدداً على أن الانضباط والتماسك هما مفتاح النجاح أمام منتخبات قوية كالسعودية والعراق.
وتحظى مباريات المجموعة الثانية بتغطية إعلامية استثنائية، إذ أكّدت الصحف الإندونيسية أن عدد الصحافيين المعتمدين لتغطية لقاءات جدة بلغ 192 صحافياً من مختلف أنحاء العالم، بينهم 140 من الإعلام المحلي و52 من وكالات وصحف أجنبية من آسيا وأوروبا، في مؤشر على الاهتمام العالمي الكبير بالمجموعة التي تضم منتخبات قوية وطموحة.
من جانبه، أكّد رئيس الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم، إيريك توهير، أن الهدف هو تحقيق أفضل النتائج رغم صعوبة المهمة ومزية الأرض للمنتخبات المستضيفة.
وقال إن قرار الاتحاد الآسيوي بإقامة المباريات في السعودية وقطر يجب احترامه، مضيفاً: «الأهم أن نستعد جيداً، وألا نستسلم قبل خوض المعركة. لا نريد أن نكون أمة تتراجع قبل القتال، بل أمة تقاتل حتى النهاية».
وأشار توهير إلى أن الاتحاد أعدّ برنامجاً تحضيرياً متكاملاً، شمل خوض مباراتين وديتين أمام الكويت ولبنان في سبتمبر الماضي استعداداً للجولة الحاسمة، مؤكداً أن طريق التأهل ما زال مفتوحاً عبر المراحل الرابعة والخامسة والملحق القاري، إذا لم يتحقق المركز الأول. كما دعا الجماهير إلى التحلي بالصبر ومنح الجهاز الفني الوقت الكافي لبناء مشروع كروي متكامل، مذكّراً بأن تطوير كرة القدم الإندونيسية يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد، كما حدث في تجربة المدرب الكوري شين تاي يونغ التي استمرت 5 سنوات.
وأكّد توهير أن عقد المدرب كلويفرت يمتد لعامين، ويحظى بكامل الدعم لتنفيذ خطته التطويرية، إلى جانب المدرب الياباني ساتورو موتشيزوكي، الذي يقود المنتخبين النسائي والشبابي. وبينما يواصل المنتخب تدريباته في جدة وسط أجواء من التفاؤل المشوب بالحذر، تبقى الأنظار شاخصة نحو ليلة الخميس، حين تُرفع صافرة البداية لمواجهة السعودية التي قد تحدد مصير الحلم الإندونيسي بأن يكون أحد ممثلي آسيا في مونديال 2026.