شهد ميدان ريجستان التاريخي في سمرقند أمسية فنية، أحياها الموسيقي الفرنسي العالمي جون ميشال جار، الذي قدّم عرضاً جمع بين الموسيقى والضوء والهندسة التاريخية؛ حيث تحولت واجهات المدارس التاريخية في ميدان ريجستان إلى شاشة عملاقة تفاعلت مع الإيقاعات والصور ثلاثية الأبعاد في مشهد احتفالي جمع الماضي بالحاضر.
أُقيم الحفل، مساء السبت، في الهواء الطلق وسط درجة حرارة منخفضة تبلغ 11 درجة، ولم يمنع الطقس البارد الجمهور من الاحتشاد لحضور الحفل الأول للفنان الفرنسي في سمرقند.
وجاء تنظيم الحفل الموسيقي، بالتزامن مع انعقاد الدورة الثالثة والأربعين لمؤتمر اليونيسكو العام، الذي يُعقد للمرة الأولى منذ أربعين عاماً خارج مقر المنظمة في باريس، واختيرت له مدينة سمرقند، جوهرة طريق الحرير.
ويُعد هذا العرض الأول لجان ميشال جار في أوزبكستان. وتم تنظيمه، بالتعاون مع «مؤسسة تنمية الثقافة» في أوزبكستان، التي أرادت له أن يؤكد دورها الجديد في الدبلوماسية الثقافية؛ حيث تعمل أوزبكستان على استغلال تراثها الحضاري والثقافي في التواصل مع العالم.
كما حمل الحفل رسالة فنية تؤكد أن الموسيقى قادرة على بناء جسور بين الحضارات، كما كانت سمرقند، عبر تاريخها، ملتقى للثقافات.
وكان الحفل تجسيداً ناجحاً لدمج الفن والتاريخ والتكنولوجيا، مع تأكيد الأهداف الدبلوماسية والثقافية لأوزبكستان في جذب الاهتمام العالمي لمدينة سمرقند التاريخية، التي جمعت بهذا الحدث بين الفن العالمي والتراث الإنساني، في لحظة نادرة أعادت إليها بريقها القديم كعاصمة للضوء والمعرفة.
وبالنسبة للفنان الفرنسي الذي عيَّنته اليونيسكو سفيراً للنية الحسنة؛ فقد تمكّن من دمج التاريخ والتكنولوجيا، عبر تحويل واجهات المدارس التاريخية في ميدان ساحة ريجستان، مثل: «مدرسة أولوغ بيك»، و«مدرسة شير دور»، و«مدرسة تلا كاري» إلى شاشات عملاقة متلألئة بألوان والرسومات المعقدة، متزامنة مع إيقاعات الموسيقى الإلكترونية.
ونجح العرض في دمج التراث الغني لطريق الحرير مع أحدث التقنيات الموسيقية والضوئية، مما يعكس شعار الحفل الذي ركز على سمرقند كـ«ملتقى للثقافات».
واستخدم جون ميشال جار، الذي يُعدّ أحد أبرز رواد الموسيقى الإلكترونية في العالم؛ تقنيات بصرية متطورة لتجسيد روح طريق الحرير، وإبراز جمال التراث الأوزبكي، واشتهر جان ميشال جار بعروضه الخارجية الضخمة التي تدمج بين الموسيقى الإلكترونية، وعروض الأضواء، والهندسة المعمارية، وقد تم تحويل مواقع التراث العالمي لليونيسكو في ريجستان إلى شاشة غامرة للصوت والضوء والموسيقى.

ولد الفنان جون ميشال جار عام 1948، في مدينة ليون الفرنسية. اشتهر بأعماله التي مزجت بين الموسيقى الإلكترونية والفنون البصرية، حتى أصبح رمزاً لتجربة موسيقية تجمع التكنولوجيا بالفكر الإنساني.
وتمكَّن من نقل الموسيقى الإلكترونية من استوديوهات التجريب إلى المسارح الكبرى، وفتح أمامها آفاقاً جماهيرية غير مسبوقة، وخلال مسيرته التي تجاوزت خمسة عقود، قدّم أكثر من 22 ألبوماً، وباع ما يزيد على 85 مليون نسخة حول العالم. دخل موسوعة «غينيس» بعد حفلاته الضخمة في باريس وموسكو والقاهرة؛ حيث جمع مئات الآلاف من المتفرجين في عروض موسيقية بصرية تُعد من أضخم ما شهدته المسارح المفتوحة.
أما ميدان ريجستان، الذي احتضن الحفل، فهو يُعدّ القلب التاريخي لسمرقند منذ القرن الخامس عشر، وواحداً من أعظم المعالم الإسلامية في آسيا الوسطى، ويعدّ مسرحاً مفتوحا للتاريخ الإنساني؛ حيث تتجسد فيه روائع الفن الإسلامي والهندسة المعمارية التيمورية، وتحيط به ثلاث مدارس تاريخية كانت شاهدة على الدور الحضاري والعلمي للمدينة في القرن الخامس عشر، وهي: «مدرسة أُلغ بيك»، التي شيّدت عام 1420 وكانت مركزاً للعلوم والفلك. و«مدرسة شيردار»، و«مدرسة تيلا قوري»، ذات القبة الذهبية والزخارف اللازوردية.
استطاع الفنان الفرنسي أن يبهر الحضور بعروض موسيقية التحم فيها التاريخ بالتكنولوجيا، والموسيقى بالتراث المعماري الفريد، وأثبتت العروض قدرة الثقافة على إعادة الحياة إلى الأماكن القديمة، وأن الضوء والموسيقى قادران على إيقاظ ذاكرة مدينة كانت يوماً عاصمة للعالم القديم.


