إذا كنت ترغب في العيش حتى سن الشيخوخة، فربما من المفيد أن تفكر في نفسك؛ ليس بوصفك إنساناً، وإنما بوصفك كائناً حياً متكاملاً؛ تعيش في جسمك -وعليه- مجموعة من الخلايا البشرية، بالإضافة إلى تريليونات الميكروبات، كما كتبت هيلين تومسون(*).
الخلايا تتغير وكذلك الميكروبيوم
لا تتغير خلايانا فقط مع تقدم العمر؛ وإنما يتغير الميكروبيوم الخاص بنا أيضاً (الميكروبيوم هو مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان). ويثبت الباحثون بشكل متزايد أن البكتيريا المفيدة –وغير المفيدة– وغيرها من الكائنات الحية التي تعيش في أجسامنا، هي أساس الشيخوخة الصحية. وقد يكون الاعتناء بها طريقة ذكية لعيش حياة صحية وطويلة.
قبل أكثر من قرن، افترض عالم الحيوان إيلي ميتشنيكوف أن الشيخوخة ناتجة من «السموم البكتيرية الذاتية المتعفنة»، وأوصى بتناول الحليب المخمَّر، واتباع أسلوب حياة بسيط، كعلاج. واليوم، ازدهرت تلك النظرية المبكرة.
تأثيرات هضمية ودماغية
نحن نعلم الآن أن الميكروبيوم لدينا متأصل بعمق في جهازنا الفسيولوجي، لدرجة أنه يؤثر على كل شيء، من الهضم إلى التمثيل الغذائي، وحتى وظائف الدماغ.
ومع ذلك، فإن فهم تأثيره كان أمراً صعباً. يقول عالم الأحياء الدقيقة فيليبي كابرييرو من «إمبريال كوليدج لندن»: «إن تعقيد الميكروبيوم يشبه تعقيد الدماغ البشري».
التنوع مفتاح الصحة
لا يوجد شخصان لديهما الميكروبيوم نفسه، وحتى داخل الفرد نفسه، يمكن أن يتغير الميكروبيوم من يوم لآخر. ولكننا نكتسب بعض الأدلة الحيوية. على سبيل المثال: أصبح لدينا فكرة أفضل بكثير عن أي الكائنات الحية في الأمعاء مفيدة، وأيها مسببة للأمراض. وأصبح هناك شيء واحد واضح: التنوع هو المفتاح. كلما زاد تنوع الميكروبات المعوية تحسنت حالتك الصحية.
تغير الميكروبيوم مع التقدم في العمر
للأسف، فمع تقدمنا في العمر، يتغير الميكروبيوم لدينا، ويميل إلى إظهار انخفاض في وفرة البكتيريا الصحية في مرحلة متأخرة من الحياة. ويميل كبار السن إلى اتباع أنظمة غذائية أقل تنوعاً، وتناول مزيد من الأدوية، وتقليل التفاعلات الاجتماعية، وكل ذلك له آثار سلبية متتالية على أنواع الميكروبات التي تعيش في الأمعاء. ولكن حتى الحيوانات التي تُربَّى في ظروف متطابقة طوال حياتها تظهر لديها تغيرات مرتبطة بالعمر في الميكروبيوم، ما يشير إلى حدوث تغير جوهري مع التقدم في العمر.
ولفهم تأثير ذلك الانخفاض، ركَّز كثير من الباحثين على الميكروبات التي تنتج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFA) من خلال تخمير الألياف الغذائية. وتشارك الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة في كثير من العمليات المفيدة، مثل الحفاظ على خلايا بطانة الأمعاء، وكبح الالتهابات، وتنظيم استجابة جهاز المناعة لمسببات الأمراض، والتحكم في مستويات السكر في الدم.
ازدياد الميكروبات المسببة للالتهاب مع الهَرَم
مع تقدمنا في العمر، ينخفض عدد الميكروبات التي تنتج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، في حين يزداد عدد الميكروبات المسببة للالتهابات. تقول جيسيكا شنايدر، كبيرة المسؤولين العلميين في شركة «كوروندوم سيستمز بيولوجي» التي تستثمر في مجال البحوث، ومقرها في طوكيو باليابان: «يُعتقد أن هذا الاختلال يساهم في حدوث التهاب مزمن منخفض الدرجة، وهي حالة تُعرف باسم الالتهاب المرتبط بالشيخوخة، وهي تتسم بارتفاع خطر الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب، والأوعية الدموية، والخرف، والسكتة الدماغية».
ا
لتكوين الميكروبي المعوي للمعمرين أكثر شبهاً بالشباب
ومع ذلك، يبدو أن ميكروبيوم الأمعاء لدى الأشخاص الذين يبلغون سن الشيخوخة المتقدمة أكثر قدرة على مقاومة هذا الانخفاض. وتأتي الأدلة الرئيسية على ذلك من دراسة أُجريت عام 2023 على 1575 شخصاً، تتراوح أعمارهم بين 20 و117 عاماً، بواسطة شيفو بانغ وشياودونغ تشين، من جامعة قوانغشي الطبية في ناننينغ، بالصين، وزملائهما.
خلصت الدراسة إلى أنه بالمقارنة بالبالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 66 و85 عاماً، فإن التكوين الميكروبي المعوي لمن تتراوح أعمارهم بين 100 و117 عاماً كان أكثر شبهاً بما لدى الشباب، مع تنوع أكبر ووفرة أعلى من البكتيريا النافعة من فصيلة «البكتيرويدات العصوانية- Bacteroides».
وكذلك خلص الباحثون إلى أن «نتائجنا تشير بقوة إلى أن التكوين الميكروبي المعوي للمُعمِّرين يُظهر تشابهاً مع ذلك التكوين لدى الشباب»، ويتكهنون بأن هذا العامل يساهم في طول العمر.
تُظهر علامات ميكروبات الأمعاء لدى المعمرين تشابهاً مع تلك الموجودة لدى الشباب. وهذا يطرح السؤال حول ما إذا كان بإمكاننا رعاية الميكروبيوم لدينا، كي نصبح أكثر صحة مع التقدم في العمر.
إن تغيير ميكروبات الأمعاء ليس بالأمر الهين. يقول كابرييرو: «أنت تحاول إدخال مجتمع معقد إلى مجتمع معقد آخر يميل لأن يكون قوياً». ومع ذلك، في حين أن «البريبايوتكس- prebiotics» أو مغذيات المعززات الحيوية، وهي مكملات توفر الغذاء للميكروبات المفيدة في الأمعاء، و«البروبايوتكس- probiotics» أو المعززات الحيوية، وهي ميكروبات مفيدة للأمعاء يمكن تناولها كمكمل غذائي، قد لا تعيد تشكيل الميكروبيوم بصورة جذرية، فإنها قد تدفعه في الاتجاه الصحيح، ولو مؤقتاً على الأقل.
دور التغييرات الغذائية
على سبيل المثال، أظهرت شركة «زوي» للتغذية، في تجربة عشوائية أجريت العام الماضي، أن البريبايوتكس الذي تحتويه منتجاتها -والذي يحتوي على 30 مادة مغذية نباتية- يزيد البكتيريا المفيدة، مع بعض التحسينات في المقاييس الصحية، مثل المركبات الالتهابية في الدم.
كما أظهرت دراسة أخرى أجريت على 50 بالغاً يعيشون في دور رعاية المسنين، أن تناول البريبايوتكس يومياً الذي يحتوي على مركبات «فركتو أوليغوساكاريد» و«الإنولين» المشتقة من النباتات، على مدى 13 أسبوعاً، قد حسَّن من مؤشرات الضعف، مقارنة بالدواء الوهمي.
قد تكون التغييرات الغذائية فعالة بالقدر نفسه. فعندما اتبع كبار السن في بلدان عدة نظاماً غذائياً متوسطياً مدة عام واحد، احتفظ أولئك الذين التزموا به بصورة وثيقة بتنوع ميكروبي أكبر، وعززوا الميكروبات المعوية المرتبطة بالشيخوخة الصحية. وتقول جيسيكا شنايدر إن ذلك قد ترافق مع كثير من التحسينات في صحتهم، مثل تحسن سرعة المشي، والقوة، والذاكرة.
زراعة البكتيريا المعوية
وكذلك يجري استكشاف علاجات أكثر جذرية. وقد نالت عمليات زراعة البكتيريا المعوية لعلاج عدوى «كلوستريديوم ديفيكيل» الموافقة بالفعل، وتشير البيانات الواعدة إلى أنها يمكن أن تعالج حالات أخرى، ولكن يبقى سؤال مفتوح حول ما إذا كانت هذه الأساليب يمكن أن تطيل العمر أم لا. ففي الحيوانات، يؤدي استبدال الميكروبيوم القديم بميكروبيوم أصغر سناً وأكثر صحة إلى نتائج مذهلة. على سبيل المثال: تعيش أسماك الكيليفيش الأكبر سناً فترة أطول بنسبة 37 في المائة، إذا أكلت براز الأسماك الأصغر سناً. وتُظهر تجارب الفئران نتائج مماثلة.
غير أن هذا المجال لا يزال في مراحله المبكرة، كما يقول كابرييرو. ولا يزال لدينا الكثير لنتعلمه.
وتؤثر النشاطات الميكروبية على كثير من المسارات البيولوجية ذات الصلة بالشيخوخة، بما في ذلك تلك الموجودة في الميتوكوندريا، والتمثيل الغذائي، والجهاز المناعي، ونحن ما زلنا في بداية استكشاف كيفية التلاعب بميكروباتنا، من خلال النظام الغذائي والأدوية، أو حتى تقنيات تعديل الجينات «كريسبر- CRISPR».
يقول كابرييرو: «ما زلنا في المراحل الأولى، ولم ندرك كل شيء بشكله السليم تماماً، ولكن هناك حماساً كبير بشأن كيفية استفادة صحتنا وطول عمرنا من كل ذلك، وهذا أمر صحيح».
السمات البيولوجية المرتبطة بطول العمر الشديد تُستورَث بنسبة 30 % تقريباً
يلعب الحظ دوراً كبيراً في طول العمر: تجنب الحوادث المميتة، أو الأمراض المعدية القاتلة، والعيش في بلد مسالم يتمتع بمياه نظيفة ونظام رعاية صحية جيد. كما أن الفوز في «اليانصيب الجيني» يُساعد في ذلك أيضاً، كما كتب غراهام لوتون (*).
ولدى النساء فرصة أكبر من الرجال للوصول إلى عمر المائة، فأكثر من ثلاثة أرباع المعمرين إناث، وتهيمن النساء بشكل كامل على قائمة أكبر البشر سناً على الإطلاق.
إن طول العمر وراثي في العائلات أيضاً، وقد حدَّد علماء الوراثة مئات من المتغيرات الجينية ذات الصلة بالعيش حتى سن متقدمة. وتشير البحوث التي أجريت على التوائم، وعلى أشجار العائلة، إلى أن السمات البيولوجية المرتبطة بطول العمر الشديد قابلة للتوريث بنسبة 30 في المائة تقريباً.
ويبدو أن أغلب هذه الجينات توفر مستويات غير عادية من الحماية ضد أمراض الشيخوخة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وفقاً لنير بارزيلاي الذي يدرس «كبار السن الخارقين» في كلية «ألبرت أينشتاين» للطب في مدينة نيويورك.
إن أفضل طريقة للوقوف على ما إذا كان لديك جينوم يُعزز طول العمر من عدمه، هي التطلع إلى والديك، إذا كان ذلك ممكناً. لا يوجد كثير مما يمكنك فعله بشأن حمضك النووي، ولكن الخبر السار هو أنه لا يزال هناك مجال كبير للتدخل بشكل فعال. قد يشير ذلك إلى حياة تتسم بضبط النفس السليم؛ من اتباع نظام غذائي جيد، وممارسة كثير من التمارين الرياضية، والاتزان، ورجاحة العقل بالتعفف عن المهلكات. ومع ذلك، فمن المثير للدهشة أن هذه العوامل -على ما يبدو- لا تُحدث فرقاً كبيراً، على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين حققوا بالفعل طول عمر استثنائياً.
النظام الغذائي: ماذا تأكل لتضيف عَقداً من العمر إلى حياتك
أحد الأسئلة المعتادة التي تُطرح على المعمِّرين: «كيف تفعل ذلك؟». وغالباً ما تدور الإجابات حول الطعام. بالنسبة لماريا برانياس موريرا التي كانت أقدم شخص في العالم، عندما توفيت العام الماضي عن عمر ناهز 117 عاماً، كان السر هو تناول 3 أكواب من الزبادي يومياً.
أما السيدة جين كالمينت التي تعتبر رسمياً أقدم شخص عاش على الإطلاق (على الرغم من أن هذا الأمر موضع خلاف)، فقد عزَت قوة تحملها المذهلة إلى زيت الزيتون، والشوكولاتة، وكأس من النبيذ من آن لآخر.
بالطبع، ما تأكله مهم. فالنظام الغذائي له تأثير كبير على صحتك، والبقاء بصحة جيدة هو شرط أساسي لحياة طويلة. ولكن السؤال الأفضل قد يكون: «ما الذي لم تأكله؟».
على سبيل المثال، ابتكر لارس فادنيس من جامعة بيرغن في النرويج وزملاؤه -أخيراً- نظاماً غذائياً يُعزز طول العمر، استناداً إلى تحليلهم لمجموعة بيانات ضخمة تسمَّى «دراسة العبء العالمي للأمراض». وكشفت هذه الدراسة -دون مفاجأة كبيرة- أن الأنظمة الغذائية الغربية النموذجية (الغنية بالحبوب المكررة، والسكريات المضافة، واللحوم الحمراء والمصنعة، ومنتجات الألبان، والفقيرة في الحبوب الكاملة، والفواكه، والخضراوات الطازجة، والمكسرات، والأسماك) ليست مثالية لطول العمر؛ بل في واقع الأمر، إنها قاتلة، ومسؤولة عن 11 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً.
وضع الباحثون نموذجاً لما سيحدث إذا تحوَّل الأشخاص الذين يتبعون هذا النظام الغذائي بصفة دائمة إلى نظام غذائي أكثر صحة، ووجدوا تأثيراً كبيراً على متوسط العمر المتوقع.
على سبيل المثال: يمكن لامرأة تبلغ من العمر 20 عاماً في الولايات المتحدة اليوم، أن تتوقع أن تعيش حتى سن 80 عاماً، إذا اتبعت النظام الغذائي النموذجي هناك. ولكن إذا قللت بشكل كبير من تناول اللحوم، والسكر، ومنتجات الألبان، والحبوب المكررة، وانتقلت بصورة دائمة إلى نظام غذائي يعتمد في الغالب على الحبوب الكاملة، والفواكه، والخضراوات، والمكسرات، والبقوليات، والأسماك، فإن متوسط العمر المتوقع لها سوف يزداد إلى 89 عاماً؛ أي بزيادة تقارب عقداً من الزمن. وبالمثل، فإن شاباً أميركياً يبلغ من العمر 20 عاماً يتبع التغيير نفسه سوف يزيد متوسط العمر المتوقع له، وإن كان من نقطة انطلاق أقل، من 76 إلى 86 عاماً.
ويقول لارس فادنيس: «نستفيد كثيراً من زيادة تناول الحبوب الكاملة والمكسرات والبقوليات، وكذلك من تقليل الأطعمة السكرية واللحوم؛ ولا سيما اللحوم المصنعة واللحوم الحمراء».
العلاقات الاجتماعية: تنمية العقلية الصحيحة للعيش حتى سن المائة
«أنا في الـ87 من عمري. لا أشعر أنني في الـ87، ولا أفكر كأنني في الـ87»، كما قالت إيلين نيوويرث على «تيك توك». وأضافت: «أهم شيء هو المشاركة… والتفاعل مع الآخرين… ووجود هدف. انهض وتحرَّك… كن جزءاً من العالم»، كما كتبت هيلين تومسون(*).
ان كلماتها التي شاهدها حتى الآن 3.6 مليون شخص، وما زال العدد في ازدياد، تعكس الإجماع العلمي المتزايد على أنه لا يكفي فقط تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة بانتظام لكي تعيش حياة طويلة؛ إذ يجب تعزيز صحتك النفسية.
وعلى الرغم من أنه لا يمكنك التغلب على العادات الغذائية السيئة ونمط الحياة الخامل طوال العمر، فإن هناك أدلة تشير إلى أنه لم يفت الأوان أبداً لجني ثمار إدخال بعض التعديلات النفسية.
لنبدأ بعلاقاتك: لفهم أهميتها، نلقي نظرة على أطول دراسة متعمقة أجريت على الإطلاق عن حياة الإنسان، وهي دراسة «هارفارد» لتطور نمو البالغين. منذ عام 1938، تابعت الدراسة 724 فتى وشاباً، وأكثر من 1300 من أحفادهم، لتحديد ما يجعل الناس يزدهرون جسدياً وعقلياً.
يقول مارك شولتز، المدير المشارك للدراسة، إن هناك أمراً واحداً بارزاً: العلاقات عالية الجودة؛ إذ اتضح أن الروابط الاجتماعية هي مؤشرات قوية على الصحة والرفاهية في مرحلة متأخرة من الحياة.
على سبيل المثال: أظهر تحليل للبيانات من الدراسة، أن الرجال الذين لديهم علاقات اجتماعية أكثر إيجابية، ويشاركون بشكل أكبر في مجتمعهم خلال منتصف العمر، يكونون أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب، ويتمتعون بإدراك أفضل في مرحلة متأخرة من الحياة.
عندما يكون الناس في علاقات جيدة، فإن جراحهم تلتئم بصورة أسرع. وتشير دراسات عدة نُشرت خلال العام الماضي إلى سبب ذلك. فهي تُظهر -على سبيل المثال- أن وجود مزيد من الأصدقاء المقربين يرتبط بنظام مناعي أقوى بصفة عامة، ونسبة أكبر من الخلايا التي تؤخر شيخوخة الجهاز المناعي؛ مما يشير إلى أن الترابط الاجتماعي يمكن أن يساعد في جعل الجهاز المناعي أكثر قوة وشباباً.
التمارين تساعدك على الحياة فترة أطول
«سرِّي هو أنني لا أنهض من الأريكة أبداً»، لم يقل أي معمِّر هذا الكلام قط. ولكن تجدر الإشارة إلى أن كبار السن في العالم نادراً ما يذكرون اتباعهم لأنظمة لياقة بدنية قاسية. وبدلاً من ذلك، يميل المعمرون إلى الإبلاغ عن ممارسة تمارين منتظمة ومعتدلة طوال حياتهم، مثل المشي والزراعة والبستنة، كما كتبيت كارولين ويليامز(*).
هذه الوصفة الدقيقة لا تتناسب مع كثير من أنماط الحياة الحديثة، ولكن ذلك لم يمنع العلماء من محاولة تحديد الجرعة والنوع الأمثل من التمارين الرياضية لحياة طويلة وصحية.
ما هو واضح هو أن عدم القيام بأي شيء ليس خياراً. فقد ارتبطت قلة النشاط البدني بما لا يقل عن 3.9 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً على مستوى العالم، كما أنها تزيد بصورة كبيرة من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب، والسكتة الدماغية، وبعض أنواع السرطان.
على الجانب الآخر، يمكن أن تضيف ممارسة التمارين الرياضية بكمية كافية ما يصل إلى 7 سنوات إلى عمرك، مع إطالة الفترة التي تقضيها متمتعاً بصحة جيدة.
يمكن العثور على دليل تقريبي لمقدار التمارين الكافية في تاريخنا التطوري. يسير الصيادون وجامعو الثمار المعاصرون -وهم أقرب ما يمكننا الوصول إليه من طريقة عيش أسلافنا- نحو 11 ألف إلى 20 ألف خطوة يومياً، ويحصلون على «تدريبات المقاومة» من أعمال الصيد والتسلق والحفر، بحثاً عن الدرنات، وحمل الموارد التي يجمعونها إلى منازلهم.
وهم في ذلك أقل عُرضة للإصابة بالأمراض المزمنة التي تنتشر في الدول الغربية. ويبدو أن السبب يكمن في استجابة الجسم لهذا العمل كله، ما يؤدي إلى زيادة في الصيانة والإصلاح الداخليين.
ويتكهن الدكتور دانيال ليبرمان، عالم الأنثروبولوجيا التطورية في جامعة هارفارد، بأن السبب في ارتباط التمرينات الرياضية بالصيانة الفسيولوجية، هو أن التطور ربط بينهما، بحيث لا يتم تنشيط الجينات المشاركة في إصلاح الجسم وصيانته إلا عندما نتحرك. وإذا لم نتحرك، فإن الجسم يوفر الطاقة عن طريق التخلي عن هذه الوظائف.
* مجلة «نيوساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا».