أطلقت إدارة الأمن العام، اليوم، سراح غالبية الموقوفين في الحملة الأمنية التي قامت بها، يوم الثلاثاء، في جبل الورد التابع لبلدة الهامة بريف دمشق الغربي، ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصدر أمني، الأربعاء، أنه تم إطلاق سراح كل الموقوفين باستثناء 20 شخصاً من فلول النظام المخلوع لم يقوموا بإجراء تسوية أوضاعهم.
كما كشفت المصادر عن فصل ثلاثة من عناصر الأمن العام من حملتها، وإحالة آخرين للقضاء، على خلفية حصول انتهاكات خلال الحملة، بحسب موقع «صوت العاصمة» الذي نقل عن المصادر القول: «إطلاق النار الذي حصل جاء نتيجة محاولة بعض الخارجين عن القانون الاشتباك مع عناصر الأمن العام، وبعد إلقاء القبض عليهم تبيّن أنّ لديهم أسلحة وذخائر مخبأة».
تجدر الإشارة إلى أنه مع كل حملة أمنية على الأحياء والمناطق التي يتركز فيها الموالون للنظام البائد، تعود إلى الواجهة التركة الثقيلة لسياسات التغيير الديموغرافي التي اتبعها نظام الأسد (الأب والابن)، خلال فترة حكم سوريا لأكثر من خمسة عقود. وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء، لم تؤكدها أي جهة رسمية، عن تلقي أهالي جبل الورد «إنذاراً بالإخلاء».
وتعد منطقة جبل الورد الملاصقة لبلدة الهامة، واحدة من مناطق العشوائيات التي تكاثرت في ثمانينات القرن الماضي في محيط العاصمة، وكانت مركز تجمع المهاجرين من الأرياف السورية خصوصاً في الساحل إلى العاصمة.
وبحسب الباحثة في قضايا العمران بدمشق وريفها، ملك شواني، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، فإن أراضي جبل الورد تعود ملكيتها لأهالي بلدتي الهامة وجديدة الشيباني، وكان الأهالي في السنوات الماضية يتحدثون عن حقوقهم فيها، ولا يعترفون بحقوق السكان الوافدين في المنازل التي شيّدوها أو اشتروها من آخرين (وليس من مالكيها الأصليين).
ولفتت ملك شواني إلى أن هناك سياسات عمرانية طويلة الأمد فرضت تغييرات ديموغرافية واجتماعية وبيئية، إلخ، على مدى عقود، تتعارض مع السياسات العمرانية الحديثة والحق بالمكان. ومع زوال النظام الذي فرضها، تضيف الباحثة، ظهرت النتائج الكارثية، وبدأ أصحاب الحقوق في الأرض يطالبون بها بغض النظر عن السيرورة القانونية للملكية.
ولفتت شواني إلى أن المطالبات بحقوق ملكيات الأراضي أحياناً تأخذ أبعاداً طائفية، لا سيما المناطق التي تركز فيها عسكريون وأمنيون من النظام السابق، مثل تجمعات جنود الأسد وعش الورور ومساكن الحرس ومزة 86. بينما المطالبات ذاتها، تأخذ طابعاً طبقياً في مناطق أخرى، مثل تنظيم كفرسوسة (قرب حي المزة) في العاصمة السورية الذي شيّد على أراضي أهالي بلدة كفرسوسة ولم يحصل أصحابها على تعويضات عادلة، في الوقت الذي أصبح فيه الحي أغلى منطقة سكنية في دمشق.
في المقابل، تقول ناشطة مدنية في دمشق، فضلت عدم ذكر اسمها للحساسية الطائفية، لـ«الشرق الأوسط»، إنها تلمس «عدم وجود تعاطف» عموماً لدى السوريين مع نداءات سكان الأحياء العشوائية، ويردون ذلك إلى أنهم استوطنوا أرضاً سلبت من أصحابها. وأضافت: «للأسف، الطائفة التي ينتمي لها الأسد (الأب والابن)، تدفع ثمن ما خلفته سياسات النظام السابق». وأوضحت: «رغم عدم صحة التعميم فإن جميع أبناء الطائفة كمكون اجتماعي عانى أيضاً من اضطهاد النظام البائد». مشددة على أن «معظم المناطق التي تشهد حملات أمنية للفلول هي مناطق فقيرة مهملة وتفتقر للحد الأدنى من الخدمات».
المعروف تاريخياً أنه منذ تسلم الرئيس حافظ الأسد السلطة في سوريا عام 1971، شجع سكان الريف على الهجرة نحو المدن الكبرى، وتغاضى عن إقامتهم فوق أراضٍ تملكتها الدولة، سواء وفق قانون الإصلاح الزراعي أو قوانين الاستملاك، منها ما أقيم عليه مشاريع سكنية للضباط والشرطة والحرس الجمهوري، ومنها ما ظل ضمن مستوى العشوائيات وجرى بناء المساكن فيه، بوضع اليد.
المحامي حمد النعيم يقول لـ«الشرق الأوسط»، بالنظر إلى خريطة توزع العشوائيات في دمشق، «نلحظ أنها تشكل حزاماً حول العاصمة، كان الهدف منه حماية النظام»، مشيراً إلى أن الموجة الأكبر من تدفق سكان الأرياف وغالبيتهم من العلويين إلى دمشق، كانت في الثمانينات التي شهدت صراعاً مع «الإخوان المسلمين»، ومن ثم محاولة انقلاب شقيق الرئيس رفعت الأسد على حافظ الأسد. بعدها، تزايدت ظاهرة توطين الوافدين العسكريين من الساحل في أراض «أملاك دولة»، في التلال والسفوح المحيطة بالقصور الرئاسية والنقاط العسكرية الموكل إليها مهمة حماية العاصمة.
وبحسب النعيم، فإن نتائج هذه السياسة، أي تعزيز حماية العاصمة، ظهرت عام 2011، عندما استخدم أبناء تلك المناطق في قمع سكان المناطق المجاورة وعلى مدار 14 عاماً لصالح سلطة الرئيس المخلوع ونظامه.