تسبّب مشجعو فريق “مكابي تل أبيب” بمواجهات في أمستردام، بعد قيامهم بأفعال استفزازية من خلال إنزال علم فلسطين وتمزيقه في شوارع العاصمة الهولندية، وترديدهم شعارات مناهضة للعرب.
بدورها، اعتقلت الشرطة الهولندية العشرات عقب أحداث العنف التي اندلعت بعد انتهاء مباراة كرة القدم بين الفريق الإسرائيلي وفريق أياكس أمستردام في الدوري الأوروبي للأندية.
ووجدت إسرائيل ضالتها في الحادثة تارة عبر الزعم أنها جاءت بدافع “الكراهية ومعاداة السامية” المتصاعدة ضد اليهود في أوروبا، وتارة أخرى مدعية أنها جاءت نتيجة للمظاهرات المناهضة لتل أبيب.
أحداث أمستردام
وعلى إثر الحادثة، وتكريسًا للازدواجية، تداعت مواقف غربية لتتبنى سردية إسرائيل التي ربطت الحادثة بـ”الكراهية ومعاداة السامية”، رغم أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تقع بعد أي مباراة في أوروبا، لكنها لا تلقى مثل هذه الردود.
فقد نددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بما وصفتها “الهجمات” على مشجعي فريق كرة القدم الإسرائيلي في أمستردام، مشددة على أنه لا مكان لـ”معاداة السامية” في أوروبا، وأن هذه الأخيرة عازمة على محاربة جميع أشكال الكراهية.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “العنف ضد مشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام يذكرنا بأحلك أوقات التاريخ”، على حد تعبيره.
أما وزيرة الخارجية الألمانية فعدّت الواقعة بمثابة “هجوم مروع ومخز ضد اليهود”، وفق تعبيرها.
وقابلت المواقف الإسرائيلية والأوروبية المتناغمة حيال ما جرى، انتقادات فلسطينية وعربية للاستغلال الإسرائيلي لما جرى ولتحريف سببه الحقيقي المتمثل بعنصرية المشجعين الإسرائيليين واستفزازاتهم، في وقت تقترف إسرائيل حرب إبادة مستمرة في غزة.
وقد نددت وزارة الخارجية الفلسطينية بهتافات الإسرائيليين المعادية للعرب والاعتداء على رمزية علم فلسطين بالعاصمة الهولندية.
ووسط ذلك، تصاعدت التحذيرات من استغلال إسرائيل للواقعة من أجل إملاء شرطها على السلطات الأوروبية بوقف المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بحجة أنها “معادية للسامية”.
ما أهداف إسرائيل من استغلال أحداث أمستردام؟
وفي هذا الإطار، رأى الباحث في مركز “مدى الكرمل” مهند مصطفى، أن رد الفعل الإسرائيلي على أحداث أمستردام يأتي في إطار التأطير الإسرائيلي لأي مناداة بتحرير فلسطين.
وفي حديث للتلفزيون العربي من أم الفحم، أضاف مصطفى أن إسرائيل تحاول أن تستغل مثل هذه الأحداث من أجل أن تدخلها في إطار خطاب “معاداة السامية”.
وقال: إن “أحداث أمستردام ليست المحاولة الأولى من جانب تل أبيب للظهور بمظهر الضحية، ولا المحاولة الأولى التي يتهم فيها الاحتلال كل احتجاج ضد الحرب على غزة بأنه معاداة السامية”.
ولفت إلى أن “إسرائيل تحاول طوال الوقت نزع الشرعية عن كل تضامن مع معاناة الفلسطينيين”، مشيرًا إلى أن الدعاية الإسرائيلية تحاول أن تربط بين الاحتجاج في أوروبا من أجل حرية فلسطين وبين وجود عرب ومسلمين في هذه البلدان.
“ردود فعل انتهازية”
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس جان بيار ميلالي: “علينا ألا نقع في فخ الاستغلال السياسي للأحداث”، مشيرًا إلى أن هذه الأمر شبه يومي في العالم، وهناك ردود فعل تصدر بطريقة انتهازية.
وفي حديث للتلفزيون العربي من باريس، أضاف ميلالي أن ماكرون استخدم عبارة أصبحت مبتذلة تدل على ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، مردفًا بأن السياسيين سرعان ما يستخدمون هذه العبارات الرنانة لتبييض وجوههم أمام الرأي العام.
ولفت إلى أن أحداث أمستردام كانت مختلفة، وليس لها أي صلة بما أشار إليه الرئيس الفرنسي.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، أن هناك متطرفين يستفيدون من مثل هذه الأحداث لتأجيج الأوضاع.
“نية للاستغلال السياسي والأمني”
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف حسني عبيدي من ناحيته، أعرب عن اعتقاده بأن الدول الأوروبية عازمة على إيقاف وتيرة المظاهرات في العديد منها، مشيرًا إلى قوانين بدأت تظهر في العديد من العواصم، سواء سياسية أو إدارية من قبل أجهزة الشرطة.
وذكر في حديث للتلفزيون العربي من جنيف، أن هذه القوانين تشدد على ضرورة أن يكون هناك إذن بمسار المظاهرة وتنظيمها، وكشف الوجوه، وعدم حمل القناع، والكشف عن المنظمين والشعارات التي ترفع.
وأشار عبيدي إلى أن “ما حدث في أمستردام أمر خطير جدًا، لأن الذريعة الأساسية ستؤدي بالدول الأوروبية إلى تضييق إضافي على الحريات”.
ولفت عبيدي إلى تسارع التصريحات السياسية عن أحداث أمستردام، مشيرًا إلى أن المسار السياسي استبق المسار القضائي والأمني.
وأردف أن هناك نية للاستغلال السياسي والأمني لما حدث في أمستردام وتعميمه على كل المدن الأخرى.
وأشار إلى تغييب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “اليويفا” عن هذه الأحداث، مضيفًا أنه من المفترض أن يكون شريكًا في أي تحقيق، مما يعني أن ما حدث أمر مبيت من أجل أهداف سياسية.