تخلّد ذاكرة كرة القدم الإنجليزية صورة قميص تيري بوتشر الملطخ بالدماء في تعادل إنجلترا مع السويد عام 1989. واليوم، جاءت لاعبة أخرى لتسطر موقفاً مماثلاً أمام السويد، لكن هذه المرة في زيوريخ، وبأنف ينزف، لتسهم هانا هامبتون ببطولتها في فوز إنجلترا الدرامي بركلات الترجيح، في ربع نهائي بطولة أوروبا للسيدات.
هامبتون، التي وضعت قطعة قطن في أنفها الأيمن بعد اصطدام عنيف في أثناء الوقت الإضافي، أظهرت رباطة جأش وتركيزاً وبراعة وهي تتصدى لركلتي ترجيح من لاعبات السويد، لتقود فريق المدربة سارينا ويغمان للفوز 3 – 2 في الركلات بعد تعادل مثير 2 – 2، وتحجز موعداً في نصف النهائي ضد إيطاليا يوم الثلاثاء.
كانت هذه المباراة لحظة نضج حقيقية للاعبة البالغة من العمر 24 عاماً من برمنغهام، التي تألقت أيضاً بتصديين حاسمين عندما كانت إنجلترا متأخرة 0 – 2، لتثبت أنها جديرة بلقب الحارسة الأولى بعد اعتزال ماري إيربس دولياً في مايو (أيار) الماضي. وأكدت ويجمان رسمياً أن هامبتون هي الحارسة الأساسية، وهو اختيار أثبت صحته بعد أدائها المذهل في مباراتها الدولية العشرين.
ما يجعل مسيرة لاعبة تشيلسي الحالية (التي سبق لها اللعب مع برمنغهام سيتي وأستون فيلا) أكثر روعة أنها وُلدت بحالة خطيرة في عينها وكان الأطباء قد نصحوها بعدم ممارسة كرة القدم. خضعت لعدة عمليات في طفولتها لتحسين بصرها لكنها ما زالت تعاني من مشاكل في تقدير المسافات. ومع ذلك تحدّت كل الصعاب لتصبح نجمة في النادي والمنتخب، وفازت بثلاثية محلية مع تشيلسي هذا العام.
وعن إصابتها الطريفة خلال المباراة، قالت هامبتون مازحة: «بعض الفتيات قلن إنني ألعب أفضل بأنف واحد، ربما أحتاج إلى نزف آخر في المباراة القادمة! الفتيات كن داعمات جداً لي. يعرفن مدى صعوبة فترتي مع المنتخب، لذا أن أستطيع مساعدتهن الليلة وأن نحقق هذا الأداء الجماعي الرائع هما تعبير عن لحظة جميلة حقاً».
وأضافت: «كل الفريق كان في غاية السعادة. لقد رأين الجهد الكبير الذي بذلته والصعوبات التي تجاوزتها لأعود وأكون سعيدة بارتداء قميص إنجلترا مرة أخرى. سأفعل أي شيء لمساعدة الفريق على الفوز، لا يهم إن كانت لمستي الوحيدة أو عشر لمسات… كنا مصممات على عدم العودة إلى البيت».
يبدو أن هامبتون ألمحت في حديثها إلى فترة صعبة في خريف 2022 حين تم استبعادها من المنتخب بقرار من ويغمان التي قالت وقتها: «لديها بعض الأمور الشخصية لتتعامل معها، ومن الأفضل لها البقاء مع ناديها». لكنها عادت بقوة، حتى إن زميلتها المهاجمة بيث ميد قالت: «أحياناً تحتاجين لحارسة تتألق في اللحظات الحاسمة، وهانا فعلت ذلك اليوم».
وكانت هذه المباراة أول مواجهة في بطولة أوروبا للسيدات تُحسم بركلات الترجيح منذ 2017، إذ غابت الركلات عن نسخة 2022. وشهدت المباراة لحظات عصيبة، إذ أهدرت السويد فرصتين لحسمها وأُهدر 9 من أصل 14 ركلة.
وكانت الظهيرة حافلة أيضاً بلحظة خاصة للمدافعة لوسي برونز، التي سجلت ركلة إنجلترا السابعة الحاسمة رغم إصابتها في الفخذ. فبعد أن احتاجت لتضميد فخذها في الوقت الإضافي ولم تجد الفريق الطبي متاحاً لانشغاله بهامبتون وأليكس غرينوود، جلست على أرضية الملعب وربطت الشريط بنفسها. ثم أزالت الشريط قبل تنفيذ ركلتها بثقة وسددتها في وسط المرمى لتضع إنجلترا على أعتاب التأهل، قبل أن تُهدر السويد ركلتها الأخيرة وتعلن عبور «اللبؤات الثلاث».
وعلّقت برونز على ما حدث بابتسامة: «قلت لنفسي: يجب أن أصمد، لكن الشريط قد يعوقني في ركلة الجزاء. لم أتوقع أن أصل إلى الركلة السادسة، لكن عندما جاء دوري فكرت: سأخلع هذا الشريط وأسدّد بكل قوتي».
أجّل هذه الدراما الليلية نشرة الأخبار المسائية على «BBC One»، وسيترقب ملايين المشاهدين مباراة نصف النهائي يوم الثلاثاء أمام إحدى مفاجآت البطولة في جنيف. هذه هي المرة السادسة على التوالي التي تبلغ فيها إنجلترا نصف نهائي بطولة كبرى منذ 2015، وتواصل مسيرتها الباهرة في البطولات الكبرى مع بروز بطلات جديدات في كل مرة.