لطالما ارتبطت جراحة التجميل بمفهوم الجمال والبحث عن الصورة المثالية، حتى باتت صناعة تتغذّى من جيوب الأثرياء، إذ بلغت قيمة سوق الجراحة التجميلية العالمية 57.67 مليار دولار أميركي في عام 2023، بحسب موقع “فورتشن بزنس إنسايت”.
لكن بداية هذه الجراحة ومراحل تطورها لم تكن سهلة، فقد بدأت منذ آلاف السنين وطبعتها سنوات الحرب العالمية الأولى.
جراحة التجميل أقدم التخصصات الجراحية
وتعتبر الجراحة التجميلية من أقدم التخصصات الجراحية، حيث اقتصرت ممارستها في البداية على سطح الجسم، ومعالجة الآفات أو الإصابات الخارجية وتخفيف الجروح، والتي تدخل في نطاق الجراحة التجميلية المعاصرة.
وبحسب موقع المكتبة الأميركية الوطنية للطب، يعود تاريخ الجراحة التجميلية إلى عام 600 قبل الميلاد. فقد ذكرت النصوص الطبيبية “سامهيتا لسوشروتا” أن الجراحين في الهند قاموا بإجراءات ترميمية تقع ضمن نطاق الجراحة التجميلية الحديثة.
أجريت أول جراحة تجميل في العالم في الهند- غيتي
كما تشير الأساطير اليونانية إلى العديد من الإجراءات الجراحية، مثل تصوير أخيل وهو يقدم علاجًا لجرح ذراع باتروكليوس أثناء حرب طروادة وقصة هيرميس وهو يخيط أوتار يدي زيوس وقدميه معًا بعد أن تضررت أثناء الحرب.
فقد اهتم الأطباء تاريخيًا بسطح الجسم، ولذلك نشأت الجراحة التجميلية الترميمية الحديثة قبل وقت طويل من العمليات الجراحية الأخرى التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم.
وتشمل هذه العمليات، إعادة بناء الأنف باستخدام سدائل الجبين والتي تعود جذورها إلى الهند القديمة في عام 600 قبل الميلاد، وإصلاح الشفة المشقوقة وتطوير السديلات في روما القديمة في عام 30 بعد الميلاد في كتاب سيلسوس دي ميديسينا، بالإضافة إلى العناية بالجروح.
تنظيم وتصنيف الإجراءات التجميلية
ومع ذلك، فإن الجراحة التجميلية باعتبارها مسعى طبيًا علميًا متميزًا، غالبًا ما ترتبط بكتاب “جاسبار تاغلياكوزي” في عام 1597، وذلك بسبب تنظيمه للإجراءات، وخاصة إعادة بناء الأنف، وانتشار النص على نطاق واسع بفضل اختراع المطبعة. وقد تطور نطاق الإجراءات التي يقوم بها الجراحون طوال القرن الثامن عشر.
ثم جرى تحسين تقنية إعادة بناء الأنف لاحقًا ونشرها في عام 1816، بما يتماشى مع التحول التربوي للجراحة الذي يحدث عبر الغرب.
ولم يتم تصنيف هذه الإجراءات بشكل واضح على أنها جراحة “تجميلية” إلا في عام 1838 من قبل إدوارد زايس، في إشارة إلى الصفة اليونانية “بلاستيكوس”، والتي تعني قابلة للتشكيل. ومنذ ذلك الحين، تم تثبيت الاسم على التخصص “Plastic surgery”.
دور الحرب العالمية الأولى
وقد تطورت الجراحة التجميلية في ظروف “وحشية” وفق ما أفادت الكاتبة البريطانية ليندسي فيتزاريس في كتابها “ذا فيسميكير”، حيث أشارت إلى أن الحرب العالمية الأولى كانت المحفز لهذه الصناعة، فعندما دمرت الأسلحة الآلية الحديثة لحم البشر، كافح الأطباء لمواكبة ذلك.
اخترع الطبيب البريطاني هارولد غيلي تقنيات لعلاج إصابات الوجه خلال الحرب العالمية الأولى- أسوشيتد برس
وكتبت فيتزاريس: “على عكس مبتوري الأطراف، فإن الرجال الذين تشوهت ملامح وجوههم لم يتم الاحتفاء بهم بالضرورة كأبطال، ففي حين أن الساق المفقودة قد تثير التعاطف والاحترام، فإن الوجه المتضرر غالبًا ما يسبب مشاعر الاشمئزاز”.
الجمع بين الطب والنحت
وكان على الأطباء أن يجمعوا بين الطب وفن إعادة البناء والنحت. وكان من بين هؤلاء الطبيب البريطاني هارولد غيليس، الذي اخترع تقنيات لعلاج إصابات الوجه المروعة. فبعد بدء الحرب، تطوع وأُرسل إلى فرنسا في يناير/ كانون الثاني 1915. وهناك التقى بأوغست تشارلز فالادييه، وهو أميركي فرنسي عاد إلى فرنسا لممارسة طب الأسنان.
ورأى فالاديير أن مهاراته في طب الأسنان كانت ضرورية لعلاج أكثر من الأسنان الفاسدة. لاحظ غيليس أن طبيب الأسنان يستخدم الطعوم العظمية لإصلاح الفكين المصابين وأدرك أنها ضرورية لإعادة بناء الوجوه التي يمكن التعرف عليها.
وتكتب فيتزاريس أن فالادييه “أخذ جزءًا من ضلع مريض وأدخله تحت لحم جبهته من أجل إعادة بناء أنف الجندي. ثم أعاد تشكيل الجلد المحيط به”.
الإجراءات التجميلية
وفيما حظي مصطلح “الترميمي” بالقبول من مجتمع الجراحة التجميلية، بدأت الجراحة التجميلية تشهد توسعًا سريعًا وواسع النطاق في مجتمع العصر الحديث.
وتم ابتكار تقنيات جديدة ومحسنة، وزاد القبول العام للإجراءات التجميلية. وباتت اليوم تضم مجموعة واسعة من الإجراءات والعمليات الجراحية التجميلية أو الترميمية ومنها جراحة الوجه والثدي وشد وشفط الدهون.
كما تشمل الإجراءات التجميلية حقن البوتوكس أو الحشو الجلدي واستخدام الليزر لعلاج المشاكل الجلدية وإزالة الشعر، بالإضافة إلى حلول تأخير الشيخوخة وزراعة الشعر.