مع زيادة تدفق المساعدات إلى قطاع غزة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 19 يناير/ كانون الثاني، يتوقع أن تتراجع حدة الأزمة الغذائية التي يواجهها سكان غزة ولا سيما الأطفال.
لكن الجوع الذي عانوا منه قد يؤثر على صحتهم لسنوات طويلة. ويحتاج أكثر من 60 ألف طفل في غزة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد في 2025، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة الصادرة في 22 يناير/ كانون الثاني. وقد توفي بعض الأطفال بالفعل وتتفاوت التقديرات بشأن عددهم.
ومع ذلك، يواجه الناجون الذين تمكنوا من الحصول على مستويات كافية من التغذية تهديدًا يتمثل في المشاكل الصحية المزمنة المرتبطة بسوء التغذية لدى الأطفال. ويُعَدّ هذا التحدي مصدر قلق عالمي يستدعي معالجته بصورة عاجلة.
أكثر من 130 مليون طفل عرضة لأزمات غذائية
وكان للمجاعة وأزمات الغذاء الحادة تداعيات هائلة على السكان في شتى أنحاء العالم النامي على مدى العام الماضي، من هايتي إلى أفغانستان إلى السودان والعديد من الدول الإفريقية الأخرى، إلى جانب غزة.
ويعيش نحو 131 مليون طفل، ما يقرب من 40 مليون منهم دون سن الخامسة، في مناطق تعاني من أزمات غذائية حادة في مختلف أنحاء العالم، وفقًا لتقديرات أوردتها وكالة “رويترز” حصريًا نقلًا عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن نحو 4.7 مليون امرأة حامل يعشن في تلك المناطق. وتستند تقديرات الأمم المتحدة إلى أحدث البيانات من البلدان التي كان من الممكن إجراء التقييمات فيها.
تداعيات سوء التغذية
وقد تسبب الأزمات الصحية المزمنة الناجمة عن سوء التغذية لدى الأطفال تداعيات كبيرة، وفقًا لعلماء وخبراء تغذية ومسؤولين في منظمات إنسانية.
وقد لا يصل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى إمكاناتهم المعرفية أو البدنية الكاملة، وفقًا لدراسات متعددة تتبعت الناجين من نقص الغذاء في الماضي.
إن الأطفال أكثر عرضة من البالغين لمشاكل صحية طويلة الأمد نتيجة فترة من سوء التغذية الشديد- غيتي
كما أظهرت دراسات أخرى أن سوء التغذية في مرحلة الطفولة، وحتى لدى الأجنة، يمكن أن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني وغيرها من الأمراض غير المعدية في وقت لاحق.
ونقلت “رويترز” عن ماركو كيراك، أستاذ التغذية بكلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة قوله: “إن الناس، يركزون على الجوانب القصيرة الأجل لسوء التغذية وهم محقون في ذلك ولكن ما يغفلونه.. هو أن الضرر الواقع لن يتوقف فجأة عندما تنتهي الحالة الطارئة”.
ضرر دائم يطال المجتمع
وأظهرت دراسات أن بعض آثار الجوع الشديد يمكن التخفيف من حدتها إذا تمكن الطفل لاحقًا من الحصول على تغذية جيدة. ولكن هناك شكوك حول صحة هذا الأمر. ففي العديد من البلدان التي تحدث فيها أزمات غذائية، يستمر الفقر والحرب والصراعات الأهلية لفترة طويلة بعد انقضاء الأزمة، مما يحد من قدرة الأطفال على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية الكافية.
وبحسب “رويترز”، قالت هانا ستيفنسون، مسؤولة التغذية في هيئة إنقاذ الطفولة إن ذلك يصعب الحصول على بيانات دقيقة حول عدد المتضررين في الأمدين القصير والبعيد، ولكن “كلما زادت حدة سوء التغذية التي يعاني منها الطفل، كلما كان من الصعب التعافي”. وأضافت أن طول فترة سوء التغذية أيضًا من العوامل الحاسمة.
وأكدت ستيفنسون وخبراء آخرون أنه في حين أن كل طفل يعاني من سوء التغذية يمثل مأساة، فإن المجاعات وغيرها من أزمات الغذاء يمكن أن تلحق ضررًا دائمًا بالمجتمع عمومًا بسبب احتمال وجود جيل كامل يعاني من عجز جسدي ومعرفي.
كما قال البروفيسور مبارك أبيرا، وهو باحث في مجال تغذية الأطفال والأمهات والصحة العقلية بجامعة جيما في أثيوبيا الذي ولد في أثناء مجاعة عصفت بأثيوبيا في أوائل الثمانينيات “الأمر يؤثر على الشخص والأسرة والبلد”.
في ظل أزمة غذاء، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية والموت جوعًا أو بسبب الأمراض المعدية التي تكون أكثر فتكًا بالذين أضعفهم الجوع. ويقول علماء إن الأطفال أيضًا أكثر عرضة من البالغين لمشاكل صحية طويلة الأمد نتيجة فترة من سوء التغذية الشديد، لأن أجسادهم وأدمغتهم تكون في طور النمو.
أنواع سوء التغذية
وهناك أربعة أنواع مختلفة من سوء التغذية، كما حددتها منظمة الصحة العالمية. وقد تظهر جميع هذه الأنواع أثناء مجاعة أو أي أزمة غذائية حادة أخرى، وتترك آثارًا دائمة، كما قد تتواجد مجتمعة في طفل واحد:
- الهزال. يحدث هذا حين يكون وزن الطفل منخفضًا بالنسبة لطوله وغالبا ما يشير إلى المرور بمرحلة من الجوع الشديد مؤخرا وفقدان الوزن.
- التقزم، ويحدث حين يكون طول الطفل أقصر من المعدل المناسب لعمره، وعادة ما يُنظر إليه على أنه مؤشر عام على سوء التغذية المزمن، مما يعرض الطفل لاحتمال عدم بلوغ كامل إمكاناته البدنية أو المعرفية.
- نقص الوزن، ويشخص حين يكون وزن الطفل أقل من الوزن الطبيعي بالنسبة لعمره. وقد يصاب الطفل ناقص الوزن بالتقزم أو الهزال أو كليهما.
- نقص المغذيات الدقيقة، وهو ما تصفه منظمة الصحة العالمية أحيانًا بأنه “الجوع الخفي”، ويحدث هذا النوع من سوء التغذية حين يفتقر النظام الغذائي للطفل إلى فيتامينات ومعادن وعناصر غذائية أساسية أخرى ضرورية للنمو الصحي.
وتؤثر متغيرات كثيرة على كيفية تعامل جسم الطفل مع النقص الشديد في الغذاء. فالطفل الذي يعاني بالفعل من سوء تغذية مزمن، أو لديه إعاقة، يكون في كثير من الأحيان أكثر عرضة للتأثيرات قصيرة وطويلة الأمد لأزمة الغذاء، كما يقول أمير كيرولس، وهو طبيب يعمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية وأجرى دراسة في مالاوي بقيادة جامعة ليفربول/مالاوي-ليفربول ويلكم تراست.
كما أظهرت مجموعة كبيرة من الأبحاث أن الأطفال الذين كانوا أجنة أثناء أزمة جوع معرضون أيضًا لخطر الإصابة بأضرار طويلة الأمد.