يسود الحذر مدن الساحل تزامنًا مع موجات من التوتر المستمر. وتعلن وزارة الدفاع استئناف العملية العسكرية وفق الخطط العملياتية المرسومة بعدما أكدت البدء في إخراج العناصر غير المنتمين إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية.
وتؤكد الوزارة أنها لا تزال تحكم قبضتها على المشهد في مواجهة مسلحي النظام السابق مع تعليمات صارمة للجنود بعدم التعرض للمدنيين وممتلكاتهم.
وتزامن هذا مع الدفع بمزيد من التعزيزات الأمنية نحو الساحل، وإغلاقِ الطُّرق المؤدية إليه، وفقًا لوكالة “سانا” الرسمية.
وذاكرة المكان مثقلة بالصراع، يقول الناس في الشوارع والمدن التي تشهد أحداثًا راح ضحيَّتها أكثر من 164 قتيلًا مدنيًا منهم 7 أطفال على يد قوات الأمن العام في اللاذقية وطرطوس وأدت أيضًا لمقتل أكثر من 100 عنصر من الأمن العام وفقًا لتقرير رسمي من الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي أكَّدت للتلفزيون العربي قيامها بتوثيق ما يزيد عن 30 تسجيلاً مصورًا لارتكاب تجاوزات خلال العمليات العسكرية في الساحل.
التزام بحماية السلم الأهلي
وفي الحديث عن الحقوق، تطالب نقابة المحامين السوريين بضرورة البدء في إجراءات قضائية تعيد الحقوق لأصحابها وتؤسس لدولة قائمة على المحاسبة وليس الانتقام.
وأمام هذا، تعلن الحكومة في سوريا عن عدم سماحها بأي أعمال انتقامية تحت أي ظرف كان، والتزامها بحماية السلم الأهلي وضمان أمن المواطنين، مع تعهُّدها بمحاسبة كل من يثبت تورطه في الاعتداءات.
وتكمن المهمة الرسمية في ملاحقة الفلول والتعامل بحزم مع التهديدات الأمنية، على وقع دعوات للمواطنين إلى عدم الانجرار وراء أي دعوات تحريضية لإثارة الفتنة أو استهداف أي من مكونات الشعب السوري.
قانون العدالة الانتقالية ضرورة
وفي قراءة للأحداث في سوريا، يشير عضو مجلس نقابة المحامين بحمص عمار عز الدين إلى أن النقابة أصدرت بيانًا شرحت فيه الوضع القانوني لما يجري مؤكدة على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من هاتاي، لفت إلى أن ما ينفذه مسلحو النظام السابق هي جرائم وفق نص المادة 297 من قانون العقوبات الوطني السوري وهي تستوجب الاعتقالات المؤقتة.
وأوضح عز الدين أن نص المادة 298 من قانون العقوبات يعاقب مرتكبي هذه الجرائم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ويقول: “إن الدولة السورية يجب أن تصدر قانون العدالة الانتقالية”.
ويميّز عز الدين بين نوعين من الانتهاكات التي شهدها الساحل السوري في اليومين الماضيين وهي الانتهاكات التي مارسها مسلحو النظام السابق وتلك التي قامت بها جماعات غير منضبطة ساندت قوات الأمن العام في الحملة الأمنية.
كما يؤكد على ضرورة “تنفيذ الحملات الأمنية من قبل أجهزة الدولة حصرًا تجنبًا لدخول مندسين يرتكبون الانتهاكات”، موضحًا أن هؤلاء الأفراد “يحاكمون بجريمة القتل العمد”. ويلفت إلى أن “سوريا تخضع للقانون الدولي الإنساني وبالتالي فالانتهاكات التي ترتكب تعد جرائم حرب”.
“مجزرة بحق السوريين”
وفي ما يخص الوضع الميداني، يلفت الباحث والكاتب سامر عباس إلى أن قوات الأمن العام السوري دخلت إلى الساحل وسيما إلى جبلة وبانياس فيما غادرت الفصائل ويسود الهدوء في تلك المناطق.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من طرطوس، يشير عباس إلى أن “عناصر غير منضبطة لا تزال موجودة في اللاذقية”، مرجحًا أن تكون من النظام السابق وتحاول نشر الفوضى.
وأوضح أن الفصائل ارتكبت أثناء انسحابها من بانياس وجبلة مجازر على طول الطريق القريب من الطريق السريع الذي يربط حمص باللاذقية.
واعتبر عباس أن ما حصل هو “مجزرة بحق السوريين في الساحل”.
محاولة “لخطف حلم السوريين”
من جهته، يصف الخبير الأمني والإستراتيجي عصمت العبسي ما حصل في الأيام الماضية بأنه محاولة من “عصابة مارقة لخطف الحلم من قلوب السوريين الذين سعوا طيلة 14 عامًا لتحقيقه”.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من دمشق، يشير العبسي إلى أن فصائل المعارضة اعتمدت شعار “نصر لا ثأر فيه” خلال تحرير المحافظات السورية من قبضة النظام السابق.
ويلفت إلى أن تأخر دخول بعض الأفرقاء السوريين في الدولة أخّر تطبيق العدالة الانتقالية، وقد دفع ذلك بالسوريين للاعتقاد بأن مسلحي النظام السابق يمكنهم الإفلات من العقاب.
وشرح أن الجرائم التي ارتكبها عناصر النظام السابق وتضمنت مهاجمة حواجز الأمن العام السوري وحصار مستشفيات وأخذ رهائن منها، دفعت قوات الأمن العام للاستعانة بعناصر إضافية. ويقول: “خرجت جماعات غير منضبطة يحركها شعور سنوات من اجترار الظلم وشعرت أن هناك من يريد أن يعيدها إلى ذلك الظلم، فخرجت عن عقالها”.
ويلفت إلى أن محاسبة المنتهكين وضبط السلاح وتشكيل هيئة العدالة الانتقالية وتنظيم الجيش السوري بسرعة سيحول دون تكرار هذه الانتهاكات.