من قلب القصر الجمهوري في بعبدا، وبعد لقاء مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، أصدرت نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس تصريحات وصفت بالثقيلة والحادة والخالية من اللغة الدبلوماسية.
وقالت أورتاغوس: إن “إسرائيل هزمت حزب الله”، وإن عهد ترهيبه للبنان والعالم، وفق وصفها، قد انتهى، كما دعت إلى عدم مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة.
بدورها، أخلت الرئاسة اللبنانية مسؤوليتها عن تصريحات ضيفتها الأميركية، وقالت إنها تمثل وجهة نظرها فحسب، بينما اعتبر رئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد تصريحاتها تدخلًا سافرًا في سيادة لبنان، وخروجًا عن كل اللياقات الدبلوماسية.
تصريحات مورغان أورتاغوس
وجاءت تصريحات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط بعد ساعات قليلة من تعثر أحدث المحاولات الهادفة لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام،
وقبيل انتهاء اجتماع عقده سلام يوم الخميس في قصر بعبدا مع رئيسي الجمهورية والبرلمان، سادت أجواء إيجابية بقرب إعلان ولادة الحكومة، لكن سرعان ما اتضح، وفق مصادر سياسية، استمرار وجود عقبات أبرزها الخلافات المتعلقة بالمقعد الوزاري الخامس للطائفة الشيعية، على وقع تأكيدات مستمرة من نواف سلام رفضه لأي تدخلات وضغوط خارجية بشأن تشكيلة حكومته التي أعربت فرنسا عن ثقتها بأن تضم جميع طوائف الشعب اللبناني.
دعت أورتاغوس إلى عدم مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة – غيتي
ويأتي الموقف الأميركي من تشكيل الحكومة اللبنانية في سياق حراك سياسي ودبلوماسي إقليمي ودولي نشط تشهده الساحة اللبنانية، سواء على صعيد تشكيل الحكومة أو ما تعلق بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
في هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الدور الذي ستلعبه الإدارة الأميركية بشأن قضية إتمام انسحاب القوات الإسرائيلية مما تبقى من أراضي جنوبي لبنان، في الموعد المؤجل المقرر في 18 الشهر الجاري، وما إذا كانت واشنطن ستربط ذلك بشكل الحكومة الجديدة أو ملفات أخرى.
أسباب تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة
وفي هذا الإطار، استبعد رئيس تحرير صحيفة “المدن” اللبنانية، منير الربيع، أن يكون عدم الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية اليوم متعلقًا بالمقعد الوزاري الخامس للطائفة الشيعية، بل أرجع الأمر إلى دور الحكومة السياسي وهويتها.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة اللبنانية بيروت، أوضح منير الربيع أن تصريحات مورغان أورتاغوس أفصحت بوضوح عما يدور في الكواليس، مشيرًا إلى أنها محاولة لـ”تقريش” الهزيمة العسكرية التي تعرض لها حزب الله، وفق تعبيرها.
وأشار الربيع إلى وجود خلاف حول كيفية تشكيل الحكومة، موضحًا أن الثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل” يتمسكان بالوزراء الشيعة الخمسة، بينما يعارض ذلك نواف سلام لعدم رغبته في منحهما ورقة الميثاقية التي قد تؤدي إلى تعطيل الحكومة.
أما عن السبب وراء ذلك، فقد أوضح الربيع أن الحكومة المقبلة ستواجه مهمات عديدة، أبرزها تطبيق القرار 1701، ومعالجة ملف سلاح حزب الله، والانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة في لبنان على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وحسب منير الربيع، فإن حزب الله يسعى للإمساك بورقة التأثير داخل الحكومة، سواء من خلال التعطيل أو اتخاذ القرارات، لضمان عدم الاستفراد به، مشيرًا إلى أن هذا هو السبب الرئيسي لتأخير عملية تشكيل الحكومة.
وأضاف أن مورغان أورتاغوس تعمدت الاستفزاز خلال زيارتها للقصر الجمهوري، حيث تحدثت عن الامتنان لإسرائيل، مما اعتبره إهانة تمس الدولة اللبنانية. كما أشار إلى أنها قامت بمصافحة رئيس الجمهورية وهي تضع خاتمًا يحمل نجمة داوود، في خطوة وصفها بأنها متعمدة.
وأوضح الربيع أن أورتاغوس قصدت تقديم هذه الرمزية لإيصال رسالة سياسية واضحة، بالإضافة إلى تمرير مضمون سياسي يتماشى مع سياسة “الضغط الأقصى” التي تعتمدها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأشار منير الربيع إلى أن السياسة الأميركية تغيّرت بشكل واضح خلال عهد الرئيس دونالد ترمب، وهو ما عبّرت عنه مورغان أورتاغوس، مما قد يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق على مستوى تشكيل الحكومة.
وأضاف أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف يتمسكان بمبدأ أن الحكومة المقبلة لا تحتوي على وزراء منظمين حزبيًا، موضحًا أن الوزراء الذين رشّحهم حزب الله لا ينتمون رسميًا للحزب.
وفيما يتعلق بإمكانية رضوخ جوزيف عون ونواف سلام للضغوط الأميركية واستبعاد حزب الله من الحكومة، أوضح الربيع أن عون وسلام يعتبران أن الأسماء التي تم التداول بها مع الثنائي الشيعي غير حزبية، وسيعملان على إقناع الجانب الأميركي بذلك.
هل يماطل حزب الله لتشكيل الحكومة؟
من جهته، رأى الكاتب والباحث سياسي علي حمية، أن واشنطن ومن ورائها تريد إسقاط رئيس وزراء عتيد من خارج سياق اتفاق الطائف والدستور اللبناني ومن خارج الأعراف والميثاق الوطني.
وأوضح في حديث للتلفزيون العربي من بيروت، أنه وفقًا للحكم الوزاري في كل دولة، فإن الكتل النيابية هي التي تشكل الحكومة، ويكون هناك “من هو مع ومن هو ضد”، مشيرًا إلى أن المعارضة كانت متفقة في آخر اللحظات على فؤاد المخزومي، فيما كانت السلطة متفقة على نجيب ميقاتي.
وأضاف علي حمية، بأن كلمة السر جاءت في اللحظات الأخيرة من واشنطن بأن ينتخب الجميع نواف سلام.
واستبعد أن يكون حزب الله يماطل في التفاوض ويستغل ورقة الوزير الخامس، بعد فقدانه الكثير بعد الحرب الإسرائيلية.
الموقف الأميركي حيال تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة
مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق توماس واريك من جهته أوضح أن موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو أقسى بكثير من إدارة الرئيس السابق جو بايدن ضد مشاركة حزب الله في الحكومة.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أضاف واريك أن إدارة ترمب ترى أن حزب الله هو الميليشيا التي استخدمت لسنوات طويلة لتهديد إسرائيل، ومصدر انهيار وأزمة لبنان سياسيًا واقتصاديًا، حسب قوله.
وأردف أنه ليس من الممكن أن يزدهر الاقتصاد ويتعافى، وأن يرتفع الاستثمار الخارجي، وأن يكون هناك سلام بين لبنان ودول مجاورة مع استمرار ما أسماها سلطة حزب الله سياسيًا.
وفيما تطرق إلى تصريحات مورغان أورتاغوس التي دعت إلى عدم مشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة، أشار واريك إلى أن واشنطن ليست في موقف لفرض هذا الأمر.
وقال توماس واريك: “إذا كان لبنان يريد التعافي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فهذا الأمر ممكن في حال عدم مشاركة حزب الله في الحكومة، من وجهة نظر إدارة ترمب”.