ارتفعت حدة الجدل بشأن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، مع الاقتراب رويدًا رويدًا من انتهاء مهلة الشهرين في 27 يناير/ كانون الثاني الجاري وفق اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين.
وجاءت آخر تصريحات للمسؤولين الإسرائيليين على لسان وزير الأمن يسرائيل كاتس، الذي قال إن تنفيذ الاتفاق مشروط بانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني وتفكيك جميع الأسلحة وإزالة الجيش اللبناني البنية التحتية العسكرية في المنطقة، مؤكدًا عدم الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان دون تطبيق هذه الشروط.
في المقابل، قال الأمين العام للحزب نعيم قاسم إن صبر المقاومة مرتبط بقرارها بشأن التوقيت المناسب الذي تواجه فيه العدوان الإسرائيلي وخروقاته، وإن الجداول الزمنية لا تحدد ما تقوم به المقاومة، حتى بعد انتهاء مهلة الستين يومًا.
وجاءت تصريحات نعيم قاسم بعد تأكيد نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي أن المقاومة ستتعامل بعد انتهاء مهلة الستين يومًا مع القوات الإسرائيلية على أنها قوات احتلال.
وفي خضم ذلك، نقل موقع واللا الإسرائيلي عن مصادر قولها إن الولايات المتحدة ستتولى الإشراف على انتشار الجيش اللبناني في موقع الناقورة الإستراتيجي، بعد الانسحاب الإسرائيلي منه.
ولا ينفصل الجدل بشأن موعد الانسحاب الإسرائيلي عن مسألة انتخاب رئيس جديد للبنان، إذ تتجه الأنظار إلى الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب لهذه الغاية في التاسع من الشهر الحالي، وسط توقعات بحراك دبلوماسي إقليمي ودولي مكثف ستشهده بيروت خلال الساعات والأيام المقبلة بشأن هذا الملف.
وفي هذا السياق، أكد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، عدم وجود أي “فيتو” من الحزب على ترشيح قائد الجيش جوزيف عون لرئاسة الجمهورية.
اتفاق “هش”
وفي قراءة للتصريحات الإسرائيلية، يعتبر الخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن هدفها هو الضغط على الجيش اللبناني من أجل تنفيذ الشروط التي تعتقد إسرائيل أنه لا يمكن التراجع عنها من أجل إعادة سكان مستوطنات الشمال.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من عكا، يشير شلحت إلى أن الأبواق المقربة من المسؤولين الإسرائيليين تلمح إلى “عدم رضى شبه مطلق عن الاتفاق وأنه بات هشًا وقد يسقط بين عشية وضحاها”.
ويلحظ شلحت تسريبات تفيد بأن الجيش الأميركي أبلغ الجيش اللبناني بأن إسرائيل لن تحترم مسألة الانسحاب من جنوب لبنان بانتهاء مهلة الستين يومًا الذي يأتي بعد أيام على تولي دونالد ترمب رئاسة البيت الأبيض..
ويرى أن هناك تأكيدًا على وجود رسالة ضمانات أميركية خارجة عن سياق اتفاق وقف إطلاق النار، تتعهد فيها واشنطن لإسرائيل بأنها تدعم كل ما يمكن أن تقوم به في حال شعورها أن لبنان يقوم بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
مقاومة شعبية
من جهته، يعتبر رئيس تحرير جريدة المدن منير الربيع أن حزب الله يجري حساب جميع الاحتمالات ويمارس ضغوطًا على الدولة اللبنانية لكي تقوم بدورها في ممارسة الضغوط على الأميركيين والفرنسيين الذين يفترض أن يمارسوا ضغطًا على إسرائيل للالتزام بالاتفاق.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، يعتبر الربيع أنه بنتيجة هذه الاتصالات يتم إبلاغ لبنان بأن إسرائيل ستلتزم وبأنها ستعمل على خفض منسوب التصعيد والخروقات خلال الأيام المتبقية تمهيدًا للانسحاب الذي قد يطول لفترة تتخطى الستين يومًا”.
الربيع يرى أنه لا يمكن البناء على أساس صلب لهذا الموقف لأن التجربة مع الإسرائيليين لا تبشر بالخير ولا تشير إلى استعدادهم للالتزام بهذا الاتفاق الذي تدينه الكثير من التحليلات الإسرائيلية وترفض تطبيقه.
ويشير إلى أن “تمديد فترة بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان يرتبط بالذريعة التي ستعرضها إسرائيل وتفيد بأن حزب الله لم يلتزم بالاتفاق حيث لم يعمل على تفكيك بنيته العسكرية ولم ينسحب من الجنوب، ولم يدخل الجيش اللبناني إلى المناطق التي يجب أن يدخل إليها”. ويلفت الربيع إلى أن الأميركيين يطالبون الجيش اللبناني بالدخول إلى نحو 40 موقعًا.
ويقول: “إن تقرر تمديد بقاء الاحتلال بعد مهلة الـ60 يومًا في لبنان فسيكون حزب الله أمام أمر واقع وهو التحضير لتنفيذ عمليات”، مؤكدًا أن الحزب لا يزال يتمتع بقدرات عسكرية.
ويلفت إلى أن مؤتمرًا سيعقد في 26 يناير/ كانون الثاني الجاري تحت عنوان جبهة المقاومة اللبنانية وسيضم مجموعات قريبة من حزب الله ستدعو للقيام بعمليات مقاومة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر في جنوب لبنان في حال عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب في المهلة التي قررها الاتفاق.
المعركة “لم تُحسم بعد”
ووفقًا لقراءة أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر محجوب الزويري، فإن من الواضح أن إسرائيل وحزب الله لم يحسما المعركة بينهما، فكلاهما لم يستطع القول بأنه انتصر.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من الدوحة، يشير الزويري إلى محاولة تخرق الضبابية في المشهد الإقليمي وضعف أداء السياسة الخارجية الأميركية، تتمثل في محاولة كل طرف تسجيل نقاط فوز.
ويرى أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تشير إلى أن الانسحاب من جنوب لبنان لا يرتبط بقدوم ترمب. ويصف وضع لبنان بأنه “مهزوز”، فعليه أن يواجه استحقاقات أساسية تتعلق بجنوب لبنان والانتخابات الرئاسية.
ويعتبر الزويري أن استجلاب الاستحقاق الرئاسي المؤجل منذ سنوات إلى المعركة أريد منه تسجيل نقاط خسارة على حزب الله.