في أحدث تصعيد للخلاف الحدودي المستمر بين تايلند وكمبوديا تبادل البلدان اليوم الخميس إطلاق النار والاتهامات أيضا في جولة جديدة من تصعيد الاشتباكات بمنطقة حدودية متنازع عليها، وقد اتهم كل طرف الآخر بأنه هو من بدأ بإطلاق النار. فما جذور الصراع؟
تحاول السطور التالية إلقاء الضوء على هذه النزاعات الحدودية طويلة الأمد، التي تتسبب في توترات دورية بين الجارتين.
إرث استعماري
على مدى أكثر من 100 عام، تتنازع تايلند وكمبوديا على السيادة على نقاط لم يجرِ ترسيمها على طول حدودهما البرية الممتدة على طول 817 كيلومترا، مما أدى إلى حدوث مناوشات على مدى عدة سنوات.
وتنبع المطالبات المتنازع عليها إلى حد كبير من خريطة رُسمت عام 1907 تحت الحكم الاستعماري الفرنسي، واستُخدمت لفصل كمبوديا عن تايلند.
وتستخدم كمبوديا هذه الخريطة كمرجع للمطالبة بالأراضي، بينما تجادل تايلند بأن الخريطة غير دقيقة.
ودارت أبرز الصراعات وأكثرها عنفا حول معبد برياه فيهير البوذي الذي يعود تاريخه إلى ألف عام.
وفي عام 1962، منحت محكمة العدل الدولية السيادة على منطقة المعبد لكمبوديا لكن هذا الحكم أصبح مصدر إزعاج كبير في العلاقات الثنائية.
وعادت كمبوديا إلى المحكمة عام 2011، عقب عدة اشتباكات بين جيشها والقوات التايلندية أسفرت عن مقتل نحو 20 شخصا وتشريد الآلاف.
وعادت كمبوديا إلى المحكمة الدولية لحل نزاعاتها الحدودية وأكدت المحكمة مجددا الحكم لصالح كمبوديا عام 2013، لكن تايلند رفضت اختصاص المحكمة.
كيف تجدد النزاع؟
اشتعل النزاع في مايو/أيار الماضي بعد أن تبادلت القوات المسلحة التايلندية والكمبودية إطلاق النار لفترة وجيزة في منطقة حدودية صغيرة نسبيا ومتنازع عليها، تدعي كل دولة ملكيتها لها وقُتل جندي كمبودي واحد، وصرح الجانبان بأنهما تصرفا دفاعا عن النفس.
وأعلنت الدولتان لاحقا أنهما اتفقتا على تهدئة الوضع، لكنهما واصلتا التهديد باتخاذ تدابير لا تتضمن استخدام القوة المسلحة، مما أبقى التوترات مرتفعة.
وفرضت تايلند قيودا مشددة على الحدود مع كمبوديا، مما أدى إلى توقف جميع المعابر تقريبا باستثناء الطلاب والمرضى وغيرهم من ذوي الاحتياجات الأساسية. واليوم الخميس، أعلنت السلطات التايلندية إغلاق الحدود تماما.
كما حظرت كمبوديا الأفلام والبرامج التلفزيونية التايلندية، وأوقفت استيراد الوقود والفواكه والخضروات التايلندية، وقاطعت بعض وصلات الإنترنت الدولية وإمدادات الطاقة من جارتها.
لعنة “العم”
أججت المشاعر القومية لدى الجانبين الوضع وعُلّقت رئيسة وزراء تايلند، بايتونغتارن شيناواترا، من منصبها في الأول من يوليو/تموز الجاري للتحقيق معها في انتهاكات أخلاقية محتملة تتعلق بتعاملها مع النزاع الحدودي.
جاء ذلك عقب مكالمة هاتفية مسربة مع زعيم كمبودي رفيع المستوى جرت في يونيو/حزيران الماضي وصفت فيها بايتونغتارن رئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين بـ”العم”. وقد انتقدت القيادة العسكرية التايلندية هذا الوصف، واعتبرتها غير محترمة، وتضر بالسيادة الوطنية.
كما تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ المحافظين بدعوى تتهم رئيسة الوزراء بانتهاك الأخلاقيات الوزارية. ويتهم النواب المحافظون بايتونغتارن بالخضوع لكمبوديا وتقويض الجيش وخرق مواد دستورية توجب “النزاهة الواضحة” و”المعايير الأخلاقية” في أوساط الوزراء.
وأثارت المكالمة المسربة غضبا واحتجاجات واسعة النطاق. كما ضعف ائتلاف بايتونغتارن، بقيادة حزب “فو تاي”، عندما سحب ثاني أكبر شريك له، حزب بومجايثاي، دعمه، مشيرا إلى موقفها المتساهل تجاه كمبوديا.
يذكر أن هون مانيت، الذي وصفته بالعم، كان صديقا قديما لوالدها، تاكسين شيناواترا، رئيس الوزراء السابق الذي كان يتمتع بشعبية ولكنه مثير للانقسام، لكنهما انفصلا بسبب النزاع الحدودي.
اعتذرت بايتونغتارن، مؤكدة أن تعليقاتها كانت “تكتيكا تفاوضيا”. فيما عُيّن حليفها، وزير الدفاع السابق فومتام ويتشاي، قائما بأعمال رئيس الوزراء.
تصعيد
وفي أحدث حلقات التصعيد أفادت الشرطة التايلندية اليوم الخميس بمقتل 8 مدنيين وإصابة ما لا يقل عن 13 آخرين بنيران المدفعية والصواريخ في 5 مواقع مختلفة في اشتباكات عنيفة اندلعت في المنطقة الحدودية مع كمبوديا.
وردت كمبوديا بأن القوات التايلندية هي التي بدأت الهجوم. حيث أُصيب عدد من الجنود التايلنديين أمس الأربعاء بألغام أرضية في المنطقة المتنازع عليها. واتهمت تايلند كمبوديا مؤخرا بزراعة الألغام.
وقال رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت اليوم إن بلاده سعت دائما إلى الحلول السلمية، كما طلب من مجلس الأمن الدولي عقد “اجتماع عاجل” مع اندلاع اشتباكات مع تايلند بسبب نزاع حدودي.
أما تايلند فوصفت جارتها كمبوديا اليوم بأنها “غير إنسانية ووحشية ومتعطشة للحرب”، واتهمتها باستهداف منازل وبنى تحتية مدنية بالمدفعية خلال اشتباكات حول حدود متنازع عليها. ودعا الناطق باسم الحكومة التايلندية جيرايو هونغسوب المجتمع الدولي إلى إدانة كمبوديا.