الطيارون الأفغان الذين قاتلوا «طالبان» لمدة 20 عاماً عالقون في باكستان
في المرة الأولى التي حلّق فيها بطائرته فوق مسقط رأسه كابل، شعر توحيد خان بفخر لا يُوصف.
قال الطيار الأفغاني خان لـ«سي إن إن» في صباحٍ ربيعيٍّ هادئ في العاصمة الباكستانية إسلام آباد: «حلّقت فوق منزل طفولتي، وكنت فخوراً جداً، كان هناك كثير من البهجة لدرجة أنني ما زلت أشعر بها وأحسّها داخل قلبي».
خلال الحرب التي استمرت 20 عاماً بقيادة الولايات المتحدة ضد «طالبان»، لعب طيارو القوات الجوية الأفغانية دوراً رئيسياً إلى جانب نظرائهم الأميركيين، حيث نفَّذ بعضهم هجمات جوية ألحقت خسائر فادحة بالإسلاميين».
وانتهى هذا التحالف في أغسطس (آب) 2021، عندما انسحبت القوات الأجنبية وسقطت كابل في أيدي «طالبان».
اليوم، يجد خان نفسه مع أسرته اليافعة في باكستان المجاورة، يخشى العودة إلى أفغانستان التي تسيطر عليها القوى نفسها التي قاتلها لسنوات.
زاد الوضعَ سوءاً السياساتُ المناهضة للمهاجرين في كل من واشنطن وإسلام آباد، حيث يعني ذلك أن الوقت ينفد ولا يزال يبحث عن بديل آمن قبل انتهاء المهلة المحددة في نهاية هذا الشهر.
بدأت الحرب بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وألحقت دماراً واسعاً بالسكان المدنيين، الذين لا يزالون يعانون من تبعاتها.
تغييرات جذرية
أدى إسقاط «طالبان» على يد التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى تغييرات جذرية، بما في ذلك عودة الديمقراطية، وتحسن كبير في أوضاع النساء الأفغانيات. مع ذلك استمرت الحرب وحالة عدم الاستقرار مؤثرة على أنحاء البلاد، خصوصاً في المناطق الريفية.
لقي عشرات الآلاف من الأشخاص حتفهم، وتصاعد عدد الضحايا المدنيين ليصل إلى 5183 قتيلاً في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، مع بداية انسحاب الولايات المتحدة من البلاد، والاعتماد بشكل أكبر على الجيش الأفغاني. وكشفت دراسة مدتها خمس سنوات نشرتها الأمم المتحدة عام 2021 عن أن 785 طفلاً قُتلوا إثر الهجمات الجوية الأميركية والأفغانية خلال تلك الفترة.
مع الانسحاب الأميركي
ومع الانسحاب الأميركي، انهار الجيش والحكومة الأفغانية، مما سمح لمقاتلي «طالبان» بالعودة إلى السلطة. ووفقاً لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، فإن الأفغان المرتبطين بالحكومة السابقة هم «الأكثر عرضة للخطر» في ظل إدارة «طالبان» الجديدة.
وثّقت «هيومن رايتس ووتش» والأمم المتحدة «عمليات قتل خارج نطاق القانون، وإخفاء قسري، واعتقالات تعسفية، وتعذيب وسوء معاملة» للأفغان الذين كانوا جزءاً من قوام القوات الأمنية السابقة.
«الطيارون خاطروا بكل شيء»
نظراً إلى وضعهم البارز في مجتمعاتهم، كان يخشى أكثر الطيارين من تعرضهم لهجمات انتقامية بعد سيطرة «طالبان» على الحكم. وقال خان في تصريح لـ«سي إن إن» إن ثمانية إلى عشرة من زملائه قُتلوا في «تفجيرات وعمليات إطلاق رصاص مستهدفة» على يد «طالبان».
وقال شون فاندايفر، مؤسس «#AfghanEvac» الأميركية المؤلفة من مجموعات من المحاربين القدامى والمعنية بإعادة التوطين: «خاطر هؤلاء الطيارون بكل شيء من أجل أميركا. حياتهم الآن على المحك بسبب عدم وفائنا بوعودنا لهم».
يعيش صديق خان، خپلواكا، البالغ من العمر 37 عاماً، في خوف مماثل. وهو مهندس طيران مدرب، عمل في برنامج الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التابع للقوات الجوية الأفغانية، وكان مكلفاً بإخلاء المناطق المدنية قبل أن تستهدفها الطائرات الأميركية من دون طيار.
قال خپلواكا إنه كان مجبراً على أداء هذه المهام رغم احتجاجه المتكرر. وأضاف قائلاً: «أصبحت هدفاً لمجموعة (طالبان) المحلية»، وكان يُضطر إلى تغيير منزله كل 3 إلى 4 أشهر لأسباب أمنية، حتى قبل سقوط كابل.
وهو الآن يبيع الحطب على جانب الطريق لإطعام أسرته، ويتحدث مستخدماً اسماً وهمياً، مثل خان، ويعبر عن خوفه من استهداف «طالبان» له في باكستان أيضاً. وأضاف قائلاً: «أعرف أن لديهم اتصالات هنا، ويمكنهم استهدافي إن أرادوا… كل ما أريده هو الخروج من هنا حتى تحصل بناتي على فرصة للتعليم».
من جهتها، نفت «طالبان» تعرض الطيارين السابقين لخطر حال عودتهم إلى أفغانستان.
وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم «طالبان»، لـ«سي إن إن»: «ليس لدينا أي مشكلة معهم، هناك حاجة إلى الطيارين الذين يريدون العودة إلى أفغانستان، لأنهم يمثلون أصولاً قيّمة للبلاد وعناصر عسكرية مهمة. عاد بعض زملائهم إلى العمل ويخدمون الأمة، وسنتعامل معهم بكرامة».
لم تردّ السفارة الأميركية في إسلام آباد على طلب التعليق.
عالقون في المجهول
جلس خان في غرفة صغيرة من شقته المتواضعة في مبنى غير مميز في إسلام آباد، بينما كانت أشعة الشمس تخترق الستائر لتلقي ظلالاً قاسية على وجوه أطفاله الصغار، الذين كانوا ينامون متكدسين على الأرض تحت بطانيات بالية، غير مدركين ما يجري حولهم.
وبينما كان يتحدث عن حياته السابقة، كان أصغر أطفاله يقفز باستمرار إلى حضنه.
خلال فترة الفوضى التي أعقبت انسحاب القوات الأميركية تمكّن خان من الوصول إلى باكستان في مارس (آذار) 2022، بناءً على نصيحة طيار أميركي كان أحد مدربيه. ودخل البلاد بشكل قانوني سيراً على الأقدام.
قال خان لـ«سي إن إن»: «لقد كنت أتابع إجراءات برنامج القبول للاجئين في الولايات المتحدة (USRAP)، وبعد عامين من الانتظار، وصلت أخيراً إلى السفارة الأميركية لإجراء مقابلة في أبريل (نيسان) الماضي، بهدف إعادة توطيني في الولايات المتحدة».
لكن منذ ذلك الحين، لم يتلقَّ أي رد، وقال: «كان هناك صمت تام».
خلال الشهرين الماضيين، اتخذت سياسات البيت الأبيض منحى أكثر تشدداً ضد المهاجرين تحت قيادة الرئيس دونالد ترمب، مما ألقى بظلال من الشك على فرص أمثال خان.
عشرات الآلاف من الأفغان عالقون بالفعل بسبب أوامر تنفيذية من إدارة ترمب عرقلت برنامج قبول اللاجئين، وأوقفت تمويل الرحلات الجوية لحاملي التأشيرات الخاصة من الأفغان.
وفقاً لمجموعة «#AfghanEvac»، فإن نحو 2000 أفغاني كانوا قد حصلوا سابقاً على الموافقة لإعادة توطينهم في الولايات المتحدة، لكن لا يزالون عالقين دون أي حلول واضحة.
وهناك مخاوف من أن يشمل حظر السفر القادم أفغانستان، حيث قال مسؤول أميركي مطلع لـ«سي إن إن» إن «أفغانستان قد تكون واحدة من الدول المتأثرة بالقرار الجديد».