لليوم الرابع على التوالي، تواصل قوات الاحتلال عدوانها على مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية ما أسفر عن استشهاد وإصابة واعتقال العشرات من الفلسطينيين، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية وممتلكات الأهالي، علاوة على فرض حصار خانق على المخيم، ومنع الدخول والخروج منه.
وأجرى رئيسا أركان الجيش الإسرائيلي والشاباك تقييمًا ميدانيًا للعملية في جنين، حيث أكدا الجهوزية لتنفيذ سلسلة عمليات في المخيم، ستنقله إلى واقع آخر.
فقد أجبرت قوات الاحتلال معظم أهالي المخيم على مغادرته بالقوة. وبدأت حملة ممنهجة لهدم وإحراق منازل على أطرافه، في حين أعاق جنود الاحتلال عمل طواقم الدفاع المدني والإسعاف للوصول إلى المتضررين ومنازلهم المحترقة.
خطة مدروسة وممنهجة
رئيس بلدية جنين، محمد جرار، أكد للتلفزيون العربي أن طبيعة عمليات الهدم والحرق تشير إلى نية الاحتلال تحويل المخيم إلى بيئة غير قابلة للسكن، مضيفًا أن سيناريو الهدم الذي تنفّـذه قوات الاحتلال يأتي في سياق خطة مدروسة وممنهجة.
بدورها، ندّدت الأمم المتحدة باستخدام إسرائيل أساليب الحرب، وباستعانتها غير القانونية بالقوة القاتلة في جنين، بينما حذر مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن الوصول إلى الرعاية الصحية في مناطق الضفة يتدهور بسبب قيود الاحتلال على حرية الحركة.
كذلك، أبدت المنظمة الأممية قلقها وتخوفها من انعكاس أحداث الضفة الغربية وما يحصل في جنين ومخيمها؛ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
امتداد للسياسات الإسرائيلية
وفي هذا السياق، يعتبر الكاتب والباحث السياسي خليل شاهين أن ما يجري في جنين هو امتداد لما يحدث في قطاع غزة ولسياسات إسرائيلية سابقة ضد الشعب الفلسطيني، رغم اختلاف الظروف الجغرافية والسياسية.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من رام الله، يوضح شاهين أن تسمية الاحتلال للعملية في جنين “بالسور الحديدي” مستوحاة من نظرية فلاديمير جابوتنسكي، أحد أبرز رموز الحركة الصهيونية، التي تعني “بناء القوة الساحقة المستندة إلى الاستيطان للأرض وإخضاع العدو وقتل كل أمل لديه بهزيمة إسرائيل”.
ويعتقد شاهين أن الاحتلال الإسرائيلي يراهن على إمكانية أن يسمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب للحكومة الإسرائيلية بشرعنة عمليات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية.
ويلفت شاهين إلى أن ما نراه ليس بالضرورة ترضية للوزير بتسلئيل سموتريتش للبقاء في الحكومة الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن الاتفاق الموقّع بين حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو والصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش ينصّ في أحد بنوده على فرض سيادة الدولة اليهودية على كامل الضفة الغربية وليس على شمالها فقط، وأن يُترك لرئيس الوزراء أن يتخذ الخطوات الضرورية لتحقيق ذلك.
ويقول: “نحن أمام حالة هدفها الأساسي إعادة الهندسة الديمغرافية بدءًا من مخيم جنين، وهذه الحالة تتطلب تدبيرًا واسعًا وفتح شوارع في المخيم وإجبار المواطنين على النزوح إلى خارجه”، مشيرًا إلى أن هذا هو الحل الذي يُطرح للتخلص من “عش الدبابير”، أي القضاء على الحيز المكاني في مخيم جنين.
حرب غزة تفرض مناخات تتيح استخدام القوة التدميرية
من جهته، يؤكد الأكاديمي والباحث في الشؤون الإسرائيلية الدكتور محمد هلسة أن ما يجري في جنين لا ينبغي عزله عن السياق التاريخي لما يحدث في الضفة الغربية.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من القدس، يعتبر هلسة أن هذه المرة تُتاح لإسرائيل الظروف لاستخدام الإفراط في القوة التدميرية بما يسمح لها بتجاوز الانتقادات الدولية التي كان من الممكن أن تثيرها مثل هذه القوة في ظروف أخرى بعيدًا عن الحرب.
وقال: “إن المناخات التي فرضتها الحرب على غزة سمحت لإسرائيل بالانفلات في استخدام القوة التدميرية ضد مدن الضفة الغربية، وتحديدًا ضد جنين”.
وفي السياق السياسي، يرى هلسة أن الموضوع يتجاوز الذرائع الإسرائيلية بالقضاء على خلايا العمل المسلح والمقاومة في جنين ومدن الضفة الغربية، مشيرًا إلى فشل إسرائيل في القضاء على المقاومة في السابق.
ويؤكد أن جنين كانت بؤرة مقاومة ومواجهة استعصت على إسرائيل في السنوات الماضية طوال فترة الاحتلال.
وفي المقابل، “تستغل إسرائيل الظروف التي أوجدتها الحرب وتنوي تحويل الضفة الغربية إلى يهودا والسامرة”، بحسب هلسة.
واشنطن تحجم عن انتقاد الممارسات الإسرائيلية
وفيما يخص وجهة النظر الأميركية، يرى مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق الدكتور توماس واريك أن الولايات المتحدة تعتبر ما يجري في الضفة الغربية “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من المسلحين الفلسطينيين في جنين الذين يحاولون مهاجمة الإسرائيليين”، بحسب تعبيره.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يعتبر واريك أن إدارة ترمب لا تميل إلى انتقاد سياسات إسرائيل في الضفة الغربية.
ويقول: “هناك حملتان مختلفتان تتمان من قبل عقليتين في إسرائيل: الأولى تقوم على فكرة ضم الضفة الغربية، بينما تقوم الثانية على فكرة القضاء على المقاومة كطريقة لحل النزاع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. فهناك فرق بين الإسرائيليين الذين يريدون حل الدولة الواحدة وأولئك الذين يوافقون على حل الدولتين إذا لم يكن هناك تهديد في أماكن مثل جنين”، بحسب واريك.
كما يلفت إلى وجود وجهتي نظر في واشنطن، حيث هناك من يحاوطون دونالد ترمب ويوافقون على فكرة ضم إسرائيل للضفة الغربية، بينما يرى آخرون أن هناك فرصة تاريخية للتوسع في اتفاقات أبراهام.