يسود ترقّب واسع في الأوساط السياسية والشارع التركي لقرار المحكمة بشأن «البطلان المطلق» للمؤتمر العام الـ38 لحزب «الشعب الجمهوري»، المنتظر صدوره، الاثنين، والذي قد يعيد رئيسه السابق كمال كليتشدار أوغلو إلى قيادته.
وسبق انعقاد الجلسة جدل واسع انعكس في «انقسام مدوٍّ» داخل الحزب الذي أسّسه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، مع حملة هجوم كاسح على رئيسه السابق، كمال كيلتشدار أوغلو، الطامح لاستعادة رئاسته. ولم يخف كيلتشدار أوغلو (76 عاماً)، الذي فشل في التفوق على الرئيس رجب طيب إردوغان في انتخابات الرئاسة في مايو (أيار) 2023 رغم تكتل 6 أحزاب لدعمه، شغفه للعودة إلى رئاسة أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، وقال: «إذا صدر قرار بالبطلان المطلق، فلن أرفضه. يقول (قادة الحزب الحاليون) إنهم لن يسمحوا لي بدخول المقر… فليمنعوني!».
تهديد وتحدٍّ
استخدم كيلتشدار أوغلو لهجة تهديد وتحدٍّ، كما لو كان ضامناً صدور حكم البطلان، وقال: «إذا تحدوا القرار، فليشرحوا كيف سيدفعون الرواتب أو يُسيّرون الانتخابات. الحزب سيدخل نفقاً مغلقاً».
وردّ رئيس الحزب الحالي، أوزغور أوزيل، الذي أحدث ثورة تغيير قادت الحزب لتصدُّر نتائج الانتخابات المحلية في 31 مارس (آذار) 2024 على مستوى البلاد، وألحق أول هزيمة كبرى بحزب «العدالة والتنمية» الحاكم بعد أكثر من 20 عاماً من الانفراد بالسلطة، بحزم، وقال: «لا بطلان ولا وصاية قضائية. وحتى إن صدر القرار، لن نُسلّم الحزب لشخص غير منتخب».
وندّد أوزيل بما وصفه بمحاولة العودة إلى الوراء، مؤكداً أن «الشعب الجمهوري» سيلجأ إلى مؤتمر عام طارئ إذا لزم الأمر، «لا إلى شخص فُرض بحكم محكمة».
ودعا أوزيل، الذي أمضى الأيام السابقة في اجتماعات مع الأحزاب اليسارية في بلجيكا وألمانيا طرح خلالها «مأزق الديمقراطية في تركيا» بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، رؤساء البلديات ونواب الحزب في البرلمان من جميع الولايات إلى أنقرة لمتابعة جلسة القضية. كما دعا إلى تجمّع حاشد في ميدان ساراتشهانه في إسطنبول، الثلاثاء، بمناسبة مروم 100 يوم على اعتقال إمام أوغلو واحتجازه على ذمة تحقيقات في فساد مزعوم في بلدية إسطنبول، متعهداً استمرار نضال الحزب من أجل الديمقراطية، وإسقاط «الحكم الديكتاتوري».
استنكار لموقف كليتشدار أوغلو
وتُرجم الغضب ضد كليتشدار أوغلو، الذي قاد حزب «الشعب الجمهوري» لمدة 13 عاماً لم يتمكن خلالها من إحداث اختراق أو زيادة نسبة تأييد الحزب على نحو 25 في المائة، عبر حملات سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي من تشبّثه بالقيادة على الرغم من فشل الحزب في كل انتخابات قادها تحت رئاسته.
وطرح حقوقيون وأساتذة قانون 3 أحكام محتملة قد تُصدرها الدائرة 41 لمحكمة أنقرة الابتدائية، الاثنين. الأول «البطلان المطلق» للمؤتمر العام الـ38 للحزب، الذي عُقد في 4 و5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والذي فاز فيه أوزيل برئاسة الحزب متفوقاً على كليتشدار أوغلو، وعودة الأخير وفريقه لرئاسة الحزب. أو تعيين وصي من أعضاء الحزب لإدارته حتى عقد مؤتمر عام لاختيار رئيس جديد له، بعد 45 يوماً من صدور القرار. أو تأجيل القضية، وهو الاحتمال الأرجح.
ولم يحضر كليتشدار أوغلو جلسة المحكمة السابقة، ورفض الذهاب للإدلاء بإفادته، قائلاً إنه لن يقبل أن يتداول اسم حزب «الشعب الجمهوري» في أروقة المحاكم، وهو الموقف الذي قوبل بغضب كبير في بعض الأوساط السياسية والشعبية التي رأت في قراره رغبة في العودة إلى رئاسة الحزب عبر «حكم قضائي مسيس».
وبالإضافة إلى الدعوى المدنية، فتح المدعي العام في أنقرة تحقيقاً جنائياً في مزاعم مخالفات شهدها المؤتمر؛ تضمّنت تقديم رشاوى وامتيازات ووعود بمناصب في بلديات الحزب للمندوبين من أجل التصويت لأوزيل. وقبلت المحكمة لائحة الاتهام في هذا الإطار في 3 يونيو (حزيران)، وطلب فيها الادعاء العام إنزال عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات بحق إمام أوغلو الذي تولّى إدارة أعمال المؤتمر، و11 آخرين.
جدل حول البطلان
وشغل مصطلح «البطلان المطلق» الرأي العام في تركيا، مع رفع الدعوى التي قُدّم فيها كليتشدار أوغلو على أنه الضحية.
ورأى الرئيس السابق لجمعية القضاة ومدعي العموم في تركيا، المحامي عمر فاروق أمين أغا أوغلو، أن على المحكمة المدنية انتظار انتهاء القضية الجنائية، وأنه إذا صدر قرار البطلان المطلق فلن يُنفّذ لحين انتهاء مرحلتي الاستئناف والنقض.
وأكد خبراء قانونيون أن قرار البطلان ليس من اختصاص القضاء، وأنه حقّ مكفول حصراً للمجلس الأعلى للانتخابات بحكم الدستور، وأن هذه القضية «عملية سياسية هدفها تحطيم مكاسب حزب (الشعب الجمهوري) ووقف تقدمه».
وعد مراقبون أن كل تأجيل لقرار المحكمة في القضية يصب في صالح حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وشريكه في «تحالف الشعب»؛ حزب «الحركة القومية»، اللذين يرغبان في عرقلة صعود «الشعب الجمهوري».