قال وزير الخارجية ماركو روبيو، يوم الأربعاء، إن الرئيس دونالد ترمب سيرفض دعوات أوروبا لتشديد العقوبات على روسيا، قائلاً إن الولايات المتحدة لا تزال تريد مجالاً للتفاوض على اتفاق سلام. وأكد روبيو أن روسيا تعتقد أنها قادرة على تحقيق أهدافها الإقليمية في ساحة المعركة، وهو تقييم خاطئ وسيكون أصعب بكثير مما يتصورون. ووصف روبيو قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لهذا العام بـ«قمة ترمب»، في الوقت الذي يستعد فيه التحالف لتلبية طلب الرئيس الأميركي بزيادة الإنفاق الدفاعي.
وفيما يأمل الأوكرانيون وقادة أوروبا إقناع ترمب بفرض المزيد من العقوبات على روسيا، بعدما رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستجابة لجهود الوساطة الأميركية لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا، قال روبيو في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» إنه «إذا فعلنا ما يريده الجميع هنا منا، وهو التدخل وسحقهم بمزيد من العقوبات، فربما نفقد قدرتنا على التحدث معهم بشأن وقف إطلاق النار، وحينها من سيتحدث إليهم؟».
ترمب يعرف متى تفرض العقوبات
وقال روبيو إن ترمب «سيعرف الوقت والمكان المناسبين» لاتخاذ تدابير اقتصادية جديدة، وإن الإدارة تعمل مع الكونغرس للتأكد من أنها تمنح ترمب المرونة المناسبة. وأضاف أنه بمجرد حدوث ذلك، فهذا يعني أن نافذة التحدث مع روسيا قد أُغلقت على الأرجح. وأضاف روبيو: «إذا فعل ذلك، فأنت تُقرّ تقريباً بأن هذا لن يُتفاوض عليه في أي وقت قريب». وقال: «سنواصل الانخراط. بمعنى أنه إذا أتيحت لنا فرصة لإحداث فرق وجلبهم إلى طاولة المفاوضات، فسنستغلها».
ومن المعلوم أن البيت الأبيض يعمل مع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام على مشروع قانون، أعده بشكل مشترك مع السيناتور الديمقراطي، ريتشارد بلومنثال، سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 500 في المائة على السلع المستوردة من الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم ومنتجات أخرى من روسيا، إذا رفضت الانخراط في دبلوماسية حسنة النية مع أوكرانيا.
وقال روبيو: «لقد تحدثنا معهم حول كيفية صياغته وهيكلته، لأننا في النهاية نعتقد أنه يحتاج إلى مرونة كافية ليتمكن الرئيس من فرض عقوبات، علما أننا لم نرفع بعد أياً من العقوبات المفروضة على روسيا». وكان ترمب قد وصف المشروع بأنه «قاس جداً»، وطالب بتعديله، محذراً في الوقت نفسه من الدفع لإقراره من دون تنسيق معه.
ومع تعثر المحادثات مع روسيا، قال روبيو إن موسكو تعتقد أنها قادرة على تحقيق أهدافها الإقليمية في ساحة المعركة، وهو تقييم لا توافق عليه واشنطن. وأضاف: «نعتقد أن الروس سيحاولون في ساحة المعركة تحقيق ما طالبوا به على طاولة المفاوضات، وهو الحفاظ على خطوطهم الإدارية في مناطق معينة وما شابه ذلك. نعتقد أن تحقيق ذلك سيكون أصعب بكثير مما يتصورون».
«قمة ترمب»
من جهة أخرى، قال إن روبيو قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لهذا العام، أطلق عليها «قمة ترمب»، مشيراً إلى أن ضغط ترمب لزيادة الإنفاق منذ ولايته الأولى قد أنعش التحالف بمعظمه. وأضاف: «إن الجمع بين ضغط الرئيس ترمب في إدارته الأولى، ثم غزو فلاديمير بوتين الشامل وحربه في أوروبا، قد دفعا كل دولة تقريباً – كل شريك في حلف الناتو – إلى التعهد بالوصول إلى نسبة الـ5 في المائة هذه، باستثناء إسبانيا، للأسف».
وعد روبيو موقف إسبانيا «مشكلة كبيرة»، بعد أن حصل رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، الذي رفض زيادة حصة بلاده «لا أكثر ولا أقل من 2.1 في المائة»، على استثناء في اللحظة الأخيرة من هدف الإنفاق الدفاعي. وقال روبيو: «إنها مشكلة كبيرة. لا أعتقد أن الاتفاق الذي توصلت إليه إسبانيا مستدام، وبصراحة، يضعها في موقف صعب للغاية فيما يتعلق بحلفائها وشركائها الآخرين»، مضيفاً أن هذا سيكون موضع نقاش للحلفاء. وقد وفر موقف إسبانيا غطاء لدول أخرى تسعى هي الأخرى إلى التملص من هذا الالتزام أيضاً. وأضاف روبيو: «إذا أوفى الجميع بالتزاماتهم، فسيكون التحالف أقوى بكثير مع شركاء أكثر كفاءة… وسيسمح بصراحة للولايات المتحدة بأن تظل عضواً نابضاً بالحياة وقوياً فيه، العضو الأكبر فيه، ولكنه سيعيد أيضا تخصيص الموارد لأجزاء أخرى من العالم دون المساس بقوة التحالف».

ترمب يغير لهجته تجاه الناتو
وفي تصريحاته خلال القمة، جدد ترمب مطالبة أعضاء الناتو، برفع حصة ناتجهم الاقتصادي المخصصة للإنفاق العسكري إلى 5 في المائة، بدلاً من 2 في المائة. وعن موقف إسبانيا قال ترمب: «إسبانيا لا توافق، وهو أمرٌ ظالمٌ للغاية لبقية الدول». ومع ذلك، أكّد أن الولايات المتحدة – التي تُنفق نحو 3.5 في المائة من ناتجها الاقتصادي على جيشها، ليست مُلزمةً بتحقيق هدف الـ5 في المائة الذي طالب به الدول الأخرى. وقال الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، إنه لا يشعر بالقلق إزاء موقف إسبانيا. وقال للصحافيين: «هذه قراراتٌ صعبة، لنكن صريحين».
ورغم أن الحرب بين إسرائيل وإيران، قد أخذت حيزاً مهماً من تركيز ترمب، بدت الحرب في أوكرانيا، موضوعاً رئيساً يندرج ضمن قائمة الأولويات، مع استمرار الهجوم الروسي. وبعدما رد ترمب بشكل فاتر عندما سُئل عما إذا كان ملتزماً بالمادة الخامسة للحلف، التي تنص على أن أي هجوم على أي حليف سيُدافع عنه بعدّه هجوماً على جميع الحلفاء، قائلاً إن الأمر «يعتمد على تعريفك» للمادة. غير أنه غيّر لهجته يوم الأربعاء، عندما سُئل عن أهدافه من حلف شمال الأطلسي والمادة الخامسة، قائلاً: «نحن معهم حتى النهاية».

انتصار عظيم للجميع!
وجاء ذلك بعدما حرص منظمو القمة على الاعتناء بأدق التفاصيل كيلا يزعجوا الرئيس الأميركي المتقلّب، انطلاقاً من تخفيف الجزء الرسمي من الاجتماع وصولاً إلى استضافته لتمضية ليلته في القصر الملكي في لاهاي بهولندا. وبدا أن الاستراتيجية تؤتي ثمارها، على الأقل في الوقت الحالي، إذ أبدى ترمب حماسة لتشارك الإشادات بالاتفاق الذي يتوقع أن ينص على زيادة بلدان الحلف الـ32 إنفاقها الدفاعي ليشكّل خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. وتبنى نبرة تصالحية حيال بقية أعضاء الحلف، واصفاً الاتفاق بأنه «انتصار عظيم للجميع». وقال: «أطلب منهم زيادة الإنفاق إلى خمسة في المائة منذ سنوات وسيقومون بزيادته إلى خمسة في المائة… أعتقد أن ذلك سيكون خبراً مهماً جداً». وأضاف: «نقف بجانبهم».
وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي يستضيف الاجتماع للصحافيين أن ترمب كان «في حالة مزاجية ممتازة» في أثناء العشاء الذي استضافه الملك فيليم ألكسندر في القصر الملكي. وقال ترمب على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» «يبدأ اليوم في هولندا الرائعة. الملك والملكة شخصان رائعان. كان اجتماعنا على مائدة الفطور رائعاً!». ولدى وصوله إلى الاجتماع، اتفق القادة على أن إعلان زيادة الإنفاق المقررة في أثناء القمة «تاريخي». ويشير حلفاء الناتو إلى أن الزيادة ضرورية لمواجهة التهديد الروسي المتزايد من جهة، والمحافظة على دعم ترمب الذي لطالما اشتكى من أن أوروبا تنفق مبالغ ضئيلة جداً للدفاع عن نفسها، من جهة أخرى.

وفي رسالة في وقت سابق يرجّح أنه لم يكن من المفترض تداولها علناً، أشاد روته بالرئيس الأميركي لنجاحه في إقناع الجميع بزيادة الإنفاق الدفاعي. وكتب روته في رسالة لترمب سارع الأخير لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي إن «أوروبا ستدفع الكثير، وهو ما يتوجب عليها القيام به، وستكون أنت المنتصر». وأضاف: «تتّجه نحو نجاح كبير آخر في لاهاي».
وقال رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر «نحن الأوروبيين، علينا أن ندرك أن انقطاعنا الطويل عن التاريخ انتهى»، مضيفاً أن «على القارة تحمّل مسؤولية أمنها في فترة صعبة جداً».
روسيا تنتقد زيادة إنفاق الحلف
عدّت الدول الأعضاء في الحلف أن روسيا تمثل «تهديداً طويل الأمد» للأمن الجماعي للحلفاء، مجددة دعمها لأوكرانيا في مواجهة موسكو. وأكدت الدول الـ32 الأعضاء موقفها الموحد «في مواجهة التهديدات الأمنية العميقة والتحديات، خصوصاً التهديد الطويل الأمد الذي تمثله روسيا للأمن الأوروبي – الأطلسي». مضيفة في إعلان مشترك أن «الحلفاء يجددون التزاماتهم السيادية لتوفير الدعم لأوكرانيا التي يساهم أمنها في (ضمان) أمننا».
اتهم الكرملين الحلف بالسعي لتعزيز قدراته العسكرية بشكل جامح، مع تصوير روسيا بأنها «شيطان»، حتى يبرر الزيادة الكبيرة في إنفاقه الدفاعي. أشارت روسيا إلى أن أحد أسباب غزوها لأوكرانيا عام 2022، هو رغبة جارتها في الانضمام إلى الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة. وتأسس حلف الأطلسي على يد 12 دولة غربية عام 1949 لمواجهة خطر الاتحاد السوفياتي الشيوعي السابق. وتنفي روسيا وجود أي نية لديها لمهاجمة الحلف، الذي بات يضم الآن 32 عضواً، لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قال إن محاولة طمأنة الحلف بذلك تعد «جهداً ضائعاً إلى حد بعيد» لأن الحلف مصمم على شيطنة روسيا. وقال «إنه تحالف أُنشئ من أجل المواجهة… وليس أداة للسلام والاستقرار».
بريطانيا توسع ردعها النووي
قالت بريطانيا إنها ستشتري 12 طائرة مقاتلة إف – 35 إيه قادرة على إطلاق أسلحة نووية تكتيكية، فيما وصفته بأنه أكبر توسع لقوة الردع النووي لديها منذ نحو 30 عاماً. وذكرت الحكومة البريطانية أن شراء الطائرات التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن من شأنه أن يمكن قواتها الجوية من حمل أسلحة نووية لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة. وقال رئيس الوزراء البريطاني في بيان: «في عصر يسوده عدم اليقين الشديد، لم يعد بإمكاننا أن نعدّ السلام أمراً مفروغاً منه».
ويقتصر الردع النووي البريطاني حالياً على نشر غواصة مسلحة نووياً تقوم بدوريات بحرية. وتعمل حكومة ستارمر على زيادة الإنفاق الدفاعي وتطوير قواتها العسكرية، بما في ذلك أسطولها من الغواصات، في ظل مواجهتها عداء روسياً متزايداً وتقاعس واشنطن عن دورها التقليدي في الدفاع عن أوروبا. وقال مسؤول بريطاني طلب عدم الكشف عن هويته إن الولايات المتحدة ستزود بريطانيا بالأسلحة النووية التكتيكية، بي 61، لاستخدامها بالطائرات في إطار خطة لأن تتحمل بريطانيا المزيد من المسؤولية عن الأمن الأوروبي.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته «هذه مساهمة أخرى قوية من بريطانيا للحلف».