نسفت عودة التصعيد إلى العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بشكل كامل، اتفاقات عديدة تمت بين الطرفين في السادس من مارس (آذار) الجاري، خلال زيارة وزير الخارجية جان نويل بارو الجزائر، لعل من أهمها إلغاء زيارة مماثلة لزميله وزير العدل جيرالد دارمانان، كان يفترض أن تجري قبل نهاية الشهر لبحث قضايا خلافية حادة في مجال القضاء.
إلغاء الزيارة
أكدت مصادر بوزارة العدل الجزائرية، الثلاثاء، أن الترتيبات التي كانت جارية بخصوص زيارة دارمانان توقفت «إلى حين ظهور مؤشرات جديدة تشجع على تنظيم هذه الزيارة»، وفق تعبير المصادر ذاتها، التي تحفظت على الخوض فيما كان مقرراً تباحثه مع عضو الحكومة الفرنسي، الذي سبق أن زار الجزائر في 2022، بوصفه وزيراً للداخلية، ودرس مع المسؤولين الجزائريين «قضية ترحيل الرعايا الجزائريين غير المرغوب بهم في فرنسا»، التي ظلت إحدى حلقات الخلاف الحاد بين البلدين منذ اندلاعه الصيف الماضي، إثر اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء.
ووفق مصادر سياسية جزائرية أخرى، فقد اشتغل المسؤولون في وزارة العدل «بشكل مركز»، حسب تعبيرها، على الحجج الخاصة بتسليم مطلوبين يقيمون في فرنسا، صدرت بحقهم أحكام غيابية بالسجن لاتهامهم بـ«الفساد» و«الإرهاب».
والمعروف أن الجزائر تطلب من باريس تسليمها وزير الصناعة السابق، عبد السلام بوشوارب، الذي رفضت محكمة فرنسية الشهر الماضي ترحيله للمرة السادسة، وضابط المخابرات سابقاً هشام عبود، واليوتيوبر أمير بوخرص، الذي شكل سبباً مباشراً لعودة العلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر، وفرحات مهني زعيم التنظيم الانفصالي «حركة الحكم الذاتي في القبائل». والثلاثة لاجئون سياسيون في فرنسا، إلى جانب أشخاص آخرين محل أوامر بالقبض عليهم، ترى الجزائر أن فرنسا توفر لهم حماية سياسية، وحصانة تحول دون تسليمهم.
كما كان مقرراً أن يبحث دارمانان خلال الزيارة، التي لن تتم، «صيغة قضائية» تسمح بالإفراج عن الكاتب مزدوج الجنسية بوعلام صنصال، الذي شكل وحده أحد «بهارات» التوتر، الذي عاشه البلدان خلال الأشهر الماضية.
«ريتايو تعامل مع دبلوماسينا بوصفه لصاً!»
بخصوص النزاع الجديد المتمثل في قرار الجزائر طرد 12 دبلوماسياً من السفارة الفرنسية، أكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان، ليل الاثنين، أن هذا القرار «سيادي»، عادة الموظفين الدبلوماسيين المعنيين «أشخاصاً غير مرغوب بهم»، وأكدت أنهم «مطالبون بمغادرة التراب الجزائري في غضون 48 ساعة». كما لفتت إلى أنهم ينتمون للجهاز الأمني الفرنسي.
وبحسب البيان ذاته، يأتي القرار «على إثر الاعتقال الاستعراضي والتشهيري في الطريق العام، الذي قامت به المصالح التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية بتاريخ 08 أبريل (نيسان) 2025، في حق موظف قنصلي لدولة ذات سيادة، معتمد بفرنسا»، في إشارة إلى سجن دبلوماسي جزائري من قنصلية كريتيه بباريس، رفقة شخصين آخرين، بعد اتهامهم «بخطف واحتجاز» المعارض الجزائري أمير بوخرص، المعروف بـ«أمير دي زاد»، في أبريل 2024 في ضواحي مدينة كريتيه.
ووصف بيان الخارجية الجزائرية، سجن دبلوماسيها، الذي لم يعلن عن اسمه، بأنه «إجراء مشين»، مؤكدة أن وزير الداخلية ريتايو يقف وراءه سجنه شخصياً. مشدداً على أنه «إهانة الجزائر، وقد تم القيام به في تجاهل صريح للصفة، التي يتمتع بها هذا الموظف القنصلي، دونما أدنى مراعاة للأعراف والمواثيق الدبلوماسية، وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة».
وأضاف البيان موضحاً أن «هذا التصرف المتطاول على سيادة الجزائر، ما هو إلا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر»، الذي سبق أن حمّلته الجزائر مسؤولية الأزمة مع فرنسا، بسبب إصراره على طرد عشرات المهاجرين الجزائريين غير النظاميين من فرنسا.
وحمل الجهاز الدبلوماسي الجزائري بشدة على ريتايو، مؤكداً في البيان نفسه، أنه «يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة، ويفتقد بشكل فاضح لأدنى حس سياسي». مبرزاً أن «اعتقال موظف قنصلي محمي بالحصانات والامتيازات المرتبطة بصفته، ومعاملته بطريقة مشينة ومخزية، كما لو كان لصاً، يتحمل بموجبه الوزير (ريتايو) المسؤولية الكاملة للمنحى الذي ستأخذه العلاقات بين الجزائر وفرنسا، في الوقت الذي دخلت فيه مرحلة من التهدئة إثر الاتصال الهاتفي بين قائدَي البلدين، والذي أعقبته زيارة وزير خارجية فرنسا إلى الجزائر».
تهديد جزائري
بنبرة في غاية الحدة، ذكر بيان الخارجية أن «أي تصرُّف آخر يتطاول على سيادتها من طرف وزير الداخلية الفرنسي، سيقابل برد حازم ومناسب على أساس مبدأ المعاملة بالمثل».
ولاحت بوادر انفراجة في العلاقات الثنائية بمناسبة زيارة وزير الخارجية، جان نويل بارو الجزائر في 6 من الشهر الجاري، تنفيذاً لرغبة الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، طي الخلافات، كانا قد عبرا عنها خلال مكالمة هاتفية في 31 مارس الماضي.
وفي سياق ردود الفعل داخل الجزائر، ذكر حزب «حركة البناء الوطني»، المؤيد لسياسات الرئيس تبون، في بيان، أن سجن الدبلوماسي «من أغرب التصرفات التي حدثت»، حسبه في كل الأزمات بين البلدين منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962. موضحاً أن «الطرف الفرنسي، الذي يقف وراء هذا القرار المُضر بالعلاقات الثنائية، يُخشى أن يسهم في تعميق الأزمة، بدل المضي في مسار التهدئة، لا سيما في ظلّ التباين الواضح في المواقف الفرنسية، الذي لا ينسجم مع نوايا التهدئة، التي عبّر عنها رئيسا البلدين مؤخراً، ما يُهدد بنسف الجهود المبذولة لإعادة ترميم العلاقات المتأزمة».
وبعد ساعات من إطلاق هذه التصريحات، أعلن القضاء الفرنسي أنه حُكم على المؤثرة الفرنسية – الجزائرية صوفيا بن لمان في ليون (وسط شرق فرنسا) بتمضية 200 ساعة من الخدمة المجتمعية، وأمرت بمنعها من استخدام «تيك توك» و«فيسبوك» لمدة 6 أشهر، بتهمة توجيه تهديدات بالقتل لمعارضين للنظام الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي.