أرخى الوضع في غزة بظلاله على الأوضاع الداخلية في دول من المنطقة، حيث كشف المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عن تصريحات لافتة بخصوص قراءة الولايات المتحدة للوضع في الشرق الأوسط.
وحذر ويتكوف من اضطرابات قد تمس دولًا في المنطقة نتيجة الحرب المستمرة على غزة وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب والديون المرتفعة.
“غزة مفتاح الشرق الأوسط”
وفي مقابلة صحفية، أكد المفاوض الأميركي البارز في الإدارة الأميركية الجديدة أن “الحل في غزة قد يكون مفتاحًا لترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط”.
وكشف ويتكوف عن هواجس تتعلق بخسارة ما وصفها بـ”الإنجازات المحققة”، ومنها القضاء على قادة حماس وحزب الله، والتي تمثل عاملًا كبيرًا للتحرك من أجل التوصل إلى حل في غزة، على حد قوله.
وللمرة الأولى بالنسبة لمسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة، تحدث ويتكوف بتفاصيل أكثر عما وصفه بالمخاوف، قائلًا: “إنه إذا ما حصل أمر سيئ في مصر فقد يدفع ذلك الجميع إلى الوراء”.
وحذر المسؤول المقرب من ترمب من نسبة البطالة المرتفعة في صفوف الشباب المصري. ورغم إشادة ويتكوف بما أسماه “العمل الرائع” للعاهل الأردني للتعامل مع حالة عدم الاستقرار، فإن المخاوف الأميركية لا تتوقف عند مصر، بل تتجاوزها إلى الأردن أيضًا.
وتتقاطع التصريحات الأميركية والملاحظات بشأن تدحرج الأوضاع في بعض دول المنطقة مع رؤىً إسرائيلية سبق أن عبر عنها زعيم المعارضة وقائد أركان الجيش السابق.
ويدور ذلك في ظل نقاشات وجولات لا تتوقف عن طرح تصورات مختلفة بشأن مستقبل المنطقة وطبيعة العلاقات فيها، تزامنًا مع جدل مستمر تسببت فيه دعوة ترمب الصريحة لتهجير الفلسطينيين من غزة.
نفت حركة حماس بشأن قطع الاتصالات أو وقف المحادثات المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل – غيتي
“وجهة نظر شخصية”
وعن مدى تبني الإدارة الأميركية لما جاء في تصريحات ويتكوف، يرى توماس واريك مساعد وزير الخارجية الأميركية سابقًا وكبير الباحثين بالمعهد الأطلسي، أن ويتكوف يعي عقلية ترمب -وهو صديقه الشخصي وزميله في العقارات- أكثر من أي مسؤول آخر في الإدارة الأميركية وهذا ما يسمح له بأن يتحدث بهذه الصراحة.
ويتابع واريك في حديثه إلى التلفزيون العربي أنه “من الواضح أن ويتكوف يعرف ما يريد ترمب تحقيقه لا سيما ما يتعلق بتحقيق السلام في غزة دون عودة حركة حماس إلى حكمها، وبما يفضي إلى مستقبل أفضل لإسرائيل وغزة”.
ويضيف واريك أن أهم ما قاله ويتكوف هو وجود تقدم معتبر في مواقف حماس، وأن علينا الذهاب إلى مرحلة ثانية يُقرر فيها من سيحكم غزة مستقبلًا، مشيرًا إلى أن ويتكوف أكد رفض الإسرائيليين أن تحكم غزة حماس أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن مفتاح الحل يكمن في الضغط عليهم لمعرفة رأيهم في ذلك.
وعن مغزى تحذيرات ويتكوف بشأن اضطرابات محتملة في بعض دول المنطقة يقول واريك إن ويتكوف لم يكن يحاول الضغط على مصر وإنما كان يحاول أن يؤكد أنه يتفهم الموقف المصري الصعب وسبب رفض مصر استقبال عدد كبير من الغزيين على أراضيها.
“مصر لا تقبل بأي نوع من الضغوط”
من جهته، يؤكد مدير تحرير صحيفة “الأهرام” المصرية أشرف العشري أن القاهرة ترى أن تصريحات ويتكوف تعكس وجهة نظره الشخصية ولا يمكن أن تشكل جزءًا من توافقات العلاقات المصرية الأميركية، مشيرًا إلى أن مصر لديها درجة كبيرة من التعاطي مع تفاصيل الأزمة في غزة ولا تقبل بأي نوع من الضغوط في هذا الشأن.
ويشدد العشري في حديثه إلى التلفزيون العربي، من القاهرة، على أن مصر ترفض تمامًا إسقاط القضية الفلسطينية أو تهجير الغزيّين، لكونه لا يتماشى مع تاريخ الدبلوماسية والسياسة الخارجية المصرية ومقتضيات الأمن القومي المصري والعربي.
وبحسب العشري، فإن حديث ويتكوف عن الوضع الاقتصادي المصري مبالغ فيه إلى حد كبير، وأنه يحاول من خلال التلويح بهذه الورقة كسب بعض الاستقطابات فيما يتعلق بالإقبال على الأفكار الأميركية، مؤكدًا أن مصر لا تقايض على مستقبلها وأمنها القومي والعربي مقابل حفنة من الدولارات.
ويبيّن العشري أن الولايات المتحدة تخشى من أي اتجاه نحو مواجهة سياسية مصرية أمنية، موضحًا أن مصر سبق أن هددت الإدارة الأميركية بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد في حال المساس بحدودها أو استمرار الموقف الأميركي الإسرائيلي الطامح لتهجير الفلسطينيين من غزة.
على من يضغط ويتكوف؟
أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات يرى أن ويتكوف يسعى للضغط على الجميع من أجل الحصول على تعاون أكبر من جميع الأطراف والتعاطي مع المرحلة المقبلة، خصوصًا وأن حرب غزة دخلت منعطفًا خطيرًا جدًا يختلف عن السابق.
ويرى فريحات في حديثه إلى التلفزيون العربي أن حديث ويتكوف بشأن اضطرابات محتملة في المنطقة هو نوع من الضغط على الدول العربية من أجل القبول بالسياسة الأميركية، لكنه يضيف أن الزاوية الأخرى للتصريحات تظهر أنها وسيلة ضغط على الجانب الإسرائيلي الأميركي أيضًا.
ويضيف فريحات أن مسألة الاستقرار في المنطقة هي مصلحة أميركية، وأن الولايات المتحدة تاريخيًا تنحو هذا الاتجاه، لافتًا إلى أن النظامين الحاكمين في مصر والأردن صديقين للولايات المتحدة، وبالتالي فإن عدم استقرارهما يمسّ بالمصلحة الأميركية على حد قوله.
ويخلص فريحات إلى أن السياسة الخارجية المصرية تنحو في اتجاه عدم التصعيد والتوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة، إلا أنه يشهد لها أنها لم تساوم في قضية التهجير وصدرت مبادرة مضادة لها، مضيفًا أن مصر بإمكانها أن تقوم بأكثر من ذلك، على الأقل في الجوانب الإنسانية وما يتعلق بقضية فتح المعابر.