لم يكن الحصول على هاتف خلوي حديث في سوريا سهل المنال لأي مواطن؛ وذلك بسبب الضريبة العالية التي كان يفرضها النظام السابق على هذه الأجهزة.
ومع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، تنفّست محلات بيع الأجهزة الخلوية الصعداء، وذهب عن أصحابها الخوف من التعرض للاعتقال أو الابتزاز من قبل عناصر الأجهزة الأمنية السابقة.
مضايقات أمنية
يؤكد عبد الرزاق حمرا أنه بات بإمكانه فتح متجره لبيع الهواتف الخلوية في دمشق، من دون أن يخشى التعرض للاعتقال أو الابتزاز من عناصر أمن عملوا لصالح شركة اتصالات مرتبطة بعائلة الأسد واحتكرت السوق طيلة سنوات.
وقرب ساحة المرجة في وسط العاصمة السورية، يروي أصحاب متاجر لبيع الأجهزة الخلوية موزعة داخل برج تجاري وفي محيطه، كيف كانت قوات الأمن قبل الإطاحة ببشار الأسد، تدهم محلاتهم بين الحين والآخر وتصادر بضائعهم وتعتقلهم، عند عثورها على هواتف خلوية لا تحمل شعار شركة “إيماتيل”، وهي شركة مرتبطة بالأسد احتكرت السوق وقضت على المنافسة.
ويقول حمرا (33 عامًا) لوكالة فرانس برس: “عندما يجدون جهازًا ليس عليه علامة إيماتيل، يقومون بمصادرة الأجهزة كلها”.
ويستذكر الرجل مرتجفًا كيف تم اعتقاله ثلاث مرات منذ عام 2020، وتكبّده خسائر كبيرة بعد مصادرة بضائع بقيمة 10 آلاف دولار، وتعرضه للضرب في السجن.
ويقول: “اتهموني بأنني لا أعمل مع إيماتيل.. نمت مئة يوم ويوم في السجن”.
وأسس رجل الأعمال المقرب من النظام السابق خضر علي طاهر “إيماتيل” في 2019، وفي العام التالي، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على الشركة ومؤسسها الملقب بأبو علي خضر.
خضر علي طاهر وشركة “إيماتيل”
ويتهم طاهر بأنه مورد رئيسي للفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار، وكذلك بإنشاء شركة أمنية خاصة أصبحت “الذراع التنفيذية غير الرسمية” للفرقة ذاتها.
ويعتقد أن زوجة بشار الأسد، أسماء، لديها كذلك ارتباط بالشركة، وفق الخزانة الأميركية.
وكانت شركة “إيماتيل” الموزّع التجاري لمنتجات الهواتف الذكية والمنتجات الإلكترونية، من بينها علامات تجارية مثل سامسونغ ونوكيا وهواوي وآبل، وفقًا لنشرة “سيريا ريبورت” الاقتصادية الإلكترونية.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت أن متجرًا واحدًا على الأقل من متاجر “إيماتيل” تعرض للنهب بعد سقوط الأسد، فيما توقفت فروع أخرى عن العمل.
وأفاد أصحاب متاجر صغيرة فرانس برس، بأنهم خسروا تجارتهم نتيجة للمداهمات المتكررة والابتزاز تحت حكم الأسد.
وأصبح مصطفى خلايلي عاطلًا عن العمل بعدما اضطر لإغلاق متجره للهواتف المحمولة، الذي كان يوظف خمسة أشخاص، بعدما تم اعتقاله لمدة عام وخسارته بضائع بقيمة 40 ألف دولار بسبب المداهمات المتكررة والمصادرات.
يؤكد عبد الرزاق أنه بات بإمكانه فتح متجره لبيع الهواتف بدمشق دون خوف – غيتي
ويروي الشاب: “الخوف لا يوصف، كنا نجلس في المتجر خائفين.. كل منا يودع أهله قبل أن يأتي إلى المتجر”.
ويضيف: “كنا بأي لحظة معرضين للاعتقال بسبب الهواتف”.
ويقول خلايلي إن ضابطين ونحو 20 عنصرًا من قوات الأمن فتشوا متجره لثلاث ساعات بحثًا عن أي هواتف لم يشترها من “إيماتيل”.
ورغم أنهم لم يعثروا على شيء، اقتادوه إلى السجن وألصقوا به تهمًا وهمية وصادروا الهواتف، على حد قوله.
ويشرح: “كل ما أرادوه كان مصادرة الأجهزة”، موضحًا أنها كانت “سرقة صريحة”.
كما أُجبرت شركات الهواتف الأكبر حجمًا على الإغلاق أو تقليص نشاطها.
ويروي أصحاب المتاجر كيف أن قوات الأمن المرتبطة بالفرع 215 التابع للمخابرات العسكرية كانت تدهم مؤسساتهم بين الحين والآخر، بينما كان مسلحون من مجموعات موالية للأسد يروعونهم أيضًا.
“الآن، الحمد لله، انتهى ذلك”
وقال محمّد جمو (25 عامًا) إن الابتزاز والمضايقات أجبرته على إغلاق متجره وبيع الهواتف في كشك مؤقت في الشارع، قبل أن يتم اعتقاله ويطلب منه آلاف الدولارات ليتمكّن من الخروج.
ويضيف: “لم يكن معي أموال لأدفع.. فأمضيت خمسة أشهر في السجن”.
ويردف: “في السابق، كان بيع الهواتف أشبه بارتكاب جرم كبير ولم يكن يجرؤ أحد على شراء أي جهاز لا يحمل علامة إيماتيل”، ويتابع “الآن، الحمد لله، انتهى ذلك”.
ويقول وسام وهو أحد أصحاب المتاجر: “لم يكن هناك أي مبرر لهذه المداهمات سوى أن شركة إيماتيل كانت تابعة لأبو علي خضر (طاهر) الذي كان يرهبنا بالفرع 215”.
ويرى محمّد الملحص أن “الفرع 215 كان عبارة عن عصابة أكثر من أي شيء آخر”.
ويروي صاحب متجر الهواتف الخلوية: “فتّش أحد الضباط جميع أجهزتي لمدة ساعة ونصف الساعة، ثم قال لي: اعتبر هذه الزيارة ودية، مسموح لك فقط بإيماتيل”.
وبحسب ما يروي أصحاب المحلات، كان بإمكان القادرين على دفع رشى لعناصر الأمن الذين ينفذون المداهمات، أن يتجنبوا الاعتقال. لكن كثرًا لم تتوافر لديهم تلك الإمكانية.
يشار إلى أنه منذ سقوط نظام الأسد، تحرّر كذلك ممتهنو الصرافة من قيود كانت تُجرّم التعامل بالعملة غير السورية بالسجن أو الإخفاء القسري. وحتى لفظ كلمة الدولار كان من الممنوعات على السوريين، فاستبدلوه بكلمات دالة بينهم.
واليوم تشهد سوريا تحررًا اقتصاديًا مع فكّ قيد التعامل بالدولار، ويرى سوريون أنّه يتطلّب اتخاذ خطوات لتوحيد سعر الصرف وإنعاش الأسواق من جديد.
بالمقابل تؤكد الإدارة السورية الجديدة على أهمية رفع العقوبات عن سوريا، مشيرة إلى أنّ ذلك سيساهم في إعادة الإعمار وتحسين حياة المواطن.